31/10/2010 - 11:02

الرجاء عدم اصطحاب الوزراء!!../ أمير مخول

الرجاء عدم اصطحاب الوزراء!!../ أمير مخول
درجنا كمجتمع وفي أعراسنا خاصة القروية منها، وهي الغالب، أن نضمّن تأدّبا دعوات الأعراس بتذييله: "الرجاء عدم اصطحاب الأولاد". الداعون أصحاب العرس لم يكونوا يرغبون بحضور أولاد المدعوين بكل ما في ذلك من احتمال إزعاج، وكذلك تكلفة لا يعوّضها نقوط الكبار، ولاحقا أصبح المدعوون أنفسهم يتحاشون اصطحاب الأولاد إلى الأعراس كي لا يتحملوا التكلفة ولا الغلبة ولا الإحراج أو ارتدعوا بعد أن قرأوا الجملة التي تذيّل بطاقة الدعوة.

وان كانت هذه الحالة مرتبطة بأسلوب حياة مجتمعي فإنها مثلث حقبة تطور عادية في حدود السلوك الفردي البسيط نسبيا داخل المجتمع الجماعي. وهذا تطور عادي لا بأس به، وهذه الحالة أو الظاهرة تكاد تجد حلها مجتمعيا.

وإذ اعتذر للأولاد الذين أدخلهم في سياق هذه المقال والذين كبروا حاليا، فإنني أؤكد أن المشبّه بهم في هذا السياق هم للدلالة على مفهوم الرادع الأدبي للكبار ولا شأن للأولاد به.

فجأة أصبحت حاجة ملحّة أن نطور مطلبا مجتمعيا جديدا وهو "الرجاء عدم اصطحاب الوزراء". وزراء إسرائيل يتوافدون على الإفطار الرمضاني. تسيبي ليفني في الناصرة، وغالب مجادلة في متنزه الجليل، وشطريت في ذات المكان باختلاف الزمان، وهرتسوغ يدعى للمناسبات المجتمعية، وهلم جرا. واختلطت هوية الجهات الداعية والمبادرة لتخرج دعوات من وزارة الداخلية وأخرى من صناديق التعايش (الرقابة) اليهودية، أو من شخصيات وأطر مجتمعية والمثير أن من بينهم أطراف أو محسوبين على التيارات الوطنية. لتزول الحدود وتختلط الأمور بشكل مشوّه.

ويجلس على المائدة الوزير أو الوزيرة، اليهودي أو العربي وتجلس شخصيات قيادية تنتمي لأحزاب وتيارات وطنية، وكأن الأمر طبيعي. ليصبح المشهد أن لكل مائدة وزيرها ولكل مائدة عربها! ومن يشارك في المشهد من داخله يشعر بأن الأمر عادي وودي، لكن عندما ينظر مجتمعنا إلى المشهد الصغير من خارجه نتيقن كم المشهد قبيح ببعديه الصغير والكبير. وداخلنا كمجتمع وأمام شعبنا وفي العالم العربي. وعندما تشارك شخصية قيادية أو تمثيلية يتم تلقّي الأمر مجتمعيا وخارجيا وكأن ذلك باسمنا جميعا أو أن هذه سمتنا الجماعية، وهو ما يحملنا جميعا مسؤولية الرد والموقف الواضح.

أما التبريرات فحدّث ولا حرج: "لا يوجد موقف مرجعي من مقاطعة الوزراء"، "هذا وزير معتدل"، "هذا وزير عربي"، "نحن نجلس معه ولا حاجة أن نؤيده"، "نحن نسمعه خطابنا" وما إلى ذلك. والتبريرات جميعها تشير إلى غياب الرادع وضعف المناعة الوطنية لدى بعض أطراف شرائح قيادية وشعبية، وان كانت قلّة قليلة لكن إسقاطات سلوكها كبيرة في مثل هذه الحالة. ولا يسعفنا الواقع بكون مبادرات الإفطار الجماعي بحضور وزراء هي النشاز وهي معدودة ومحدودة على هامش المجتمع، ففي بعدها الإعلامي والتسويقي تبدو كما لو كانت هي القاعدة والأمر المألوف بكل الأضرار الناتجة عنه. وان كانت في الماضي أكثر هامشية فإنها هذا العام جرت بمشاركة ومباركة شخصيات قيادية، وهذا شأن عام وليس شأنا خاصا.

والأمور لا تستطيع أن تستوي، فلا يمكن التوفيق بين مناهضة العدوان والاحتلال وعنصرية إسرائيل وجرائمها اليومية والجلوس الودي الاحتفالي مع وزيرها، ولا توفيق بين مناهضة الخدمة المدنية وبين المشاركة في مائدة مع وزير، ولا نستطيع أن نواجه التسيّب وندعو إلى التخلص من ظاهرة العرب في الأحزاب الصهيونية ومواجهة كل تجليات الاسرلة ونحن نشاطر الوزير العربي أو اليهودي ذات المائدة.

لا يكفي التعامل مع السياسة بل إن أخلاق السياسة في مثل هذه الحال لا تقل أهمية من الموقف السياسي العام والانتماء الحركي. لان أخلاق السياسة هي المحك بين الأحزاب وداخل كل منها، بين المؤسسات والأطر وداخل كل منها، وهي مسؤولية أدبية تربوية تثقيفية تجاه مجتمع بأكمله. وضعف مرجعية هيئاتنا التمثيلية القيادية لا يبرر التنازل في أخلاقيات السياسة. وجماهيرنا كما كل شعبنا قد بلورت ثوابت هي نتاج مسيرتها النضالية وهي وديعة في أعناق كل جيل قيادي ليصونها ويعززها ويحوّلها للجيل التالي، وليست ملك حاملها بل هي ملك مجتمع يواجه تحدي الأسرلة وفصله عن شعبه وتشويه الهوية الوطنية والكرامة الوطنية ليل نهار ومنذ ستين عاما، فالمسألة هي مسؤولية وطنية تجاه شعبنا كله.

من الهام الإشارة إلى الصحوة التلقائية وغير التلقائية التي حدثت مؤخرا في مواجهة هذه المظاهر الخطيرة، وخلال شهر رمضان المبارك الجاري، وبالذات ما حدث في الناصرة يوم 19 أيلول خلال الإفطار الذي شاركت فيه وزيرة الخارجية تسيبي ليفني حيث ولأول مرة تظاهرت فروع أحزاب ضد قياديين فيها أو ضد شركائها وضد حضور الوزيرة بحد ذاته، وهي ظاهرة صحية تبعتها خطوات مثل قيام تيار وطني آخر بحل فرقة فنية مقربة أو تابعة له شاركت في الاحتفال بحضور الوزيرة، وتلاها انسحاب شخصيات وطنية سياسية قيادية من الإفطار الذي دعوا إليه ليتفاجأوا بحضور الوزير غالب مجادلة الإفطار في منتزه الجليل يوم 26 أيلول دون إعلان دعوته مسبقا. فالانسحاب والاحتجاج هما دفاع عن كرامتنا الفردية وعن كرامتنا كشعب ومسؤولية تجاهه.

على عكس ظاهرة اصطحاب الأولاد التي تلاشت تقريبا بوجود رادع حدده الداعون وتحاشيا للثمن، فان ظاهرة "اصطحاب الوزراء" تتطلب من كل منا أن يدفع طوعا ثمنا – ثمن المواجهة والحزم بالموقف، وفي المقابل نكسب صيانة أخلاقياتنا الوطنية أفرادا ومجتمعا. ولن نتخلص من فوضى أخلاق السياسة إلا بمدى ما نواجهها وبحزم. وعلّ ما جرى في الناصرة وفي متنزّه الجليل عبرة ونقطة انطلاق، وبلورة لفصل جديد من ميثاق أخلاقيات المجتمع غير المكتوب لكن المرجعي لنا جميعا.

التعليقات