31/10/2010 - 11:02

السياسة السورية مع الأمريكيين والفرنسيين: ضوابط السيادة وقواعد اللعبة../ د.عماد فوزي شعيبي

السياسة السورية مع الأمريكيين والفرنسيين:  ضوابط السيادة وقواعد اللعبة../ د.عماد فوزي شعيبي
بين نفاذ صبر الرئيس الأمريكي والمواعيد النهائية للرئيس الفرنسي، ومحاولة الأخير تقمص دور الأول في تناوب سياسته بين تصريحات نارية ورواق خلفي ديبلوماسي نشط يصحح ويعتبر دمشق مركزاً للعمل الإقليمي، تبدو السياسة السورية صعبة وصارمة توغل عميقاً في (لعبتها) الأكثر رصانة دون التفاتة إلى الصراخ الإعلامي، حيث ليس الإعلام مكاناً للعمل السياسي.

ومع أن ليس لنا أن نقيّم عدوى السياسة الأمريكية إلى نظيرتها الفرنسية بالتصريحات الرئاسية النارية!!، إلا أن تلك العدوى تصيب السياسة الفرنسية بالعجز المرافق لعدوى العجز الذي أصاب السياسة الأمريكية، ويصيب دمشق التي بدأت متحفظة في البداية عن الرد، (وهي في موقع يهيئها لذلك الرد بعد أن خرجت من عنق الزجاجة)، بمزيد من التمهّل والتأمل والحذر، إلى أن بلغ السيل الزبى، وهي تعلم تمام العلم أن كل ساعة تمر هي لمصلحتها لسنين قادمة، على أساس أن قواعد التعامل مع دمشق في العقود القادمة ترتسم اليوم كما تهيأت أرضيتها في السنوات الثلاث الماضية وهي سنوات الإعصار الذي مرّ دون أن يحطّم في السياسة السورية شيئاً.

السوريّ سيد الانتظار. الوقت هو القابل للمضغ والزمن هو الجائزة الكبرى. يعرف قيمة بلاده ويعرف وزنها الإقليمي. لا يلعب على التفاصيل. يمضغها و يعلكها. تهمه.؟ نعم ولكنه لا يضيع في متاهاتها، بمعنى أنه لا يبلعها ولا يهضمها. تهمه السياسات الكبرى: أي سورية والعالم العربي لسنين قادمة. والأهم السيادة ؛ حيث لا مكان في التعاملات معها لما يتجاوز السيادة السورية.

لا يستجيب السوريون للضغط. هذه هي سياستهم التاريخية، إنهم يعرفون (سرهم الشخصي)، ويعلمون أن ذروة الضغط قد ولت وان الانحدار في الضغط قد وصل إلى منتصف المسافة بين الذروة والقاع. ولهذا يجازف الأمريكيون والفرنسيون بالتأخر دائماً عن ولوج التعاون مع سورية مرتين: مرة بالضغط الإعلامي لأن مجرد الذهاب نحو الإعلام يعني تراجعاً عن مستوى الفعل السياسي الجاد ومرة أخرى، لأن السوريين يعتبرون الاستجابة للضغط ستعني مزيداً من الضغط والسلسلة لن تتوقف وهذا سيعني أن السياسة السورية ستصبح ريشة في أهواء الآخرين، وهو ما لا تفعله دمشق ولن تقبله. والجميع سيغادرون والسياسة السورية باقية.

اضطرت دمشق لكشف تفاصيل عامة عن الجهود السورية ـ الفرنسية. لم يرد وزير خارجيتها التعليق على تصريحات ساركوزي، في إعلامها تركاً للفرنسيين الفرصة كي يتراجعوا، لكن إعلامها وعلى التوازي مع ذلك، لم يتوقف للحظة واحدة عن الرد على جرعة بوش العالية. كان واضحاً أن العاصمة السورية تريد أن تقول بأن زمن العويل عليها قد ولى، وأن الإعلام سيقابل بالإعلام. وأن الديبلوماسية الفرنسية التي بدأت تفاضل بين وزارة خارجيتها ورئاستها لصالح الأولى سياسياً لا بد أن تواجه إعلامياً بما يرسل رسالة إلى أن لا قبول من حيث المبدأ لسياسات المنابر، وأن أي تجاوز لرصانة الرواق الديبلوماسي والسياسي رفيع المستوى، سيقابل من دمشق بتقريع إعلامي أو كشف يليق برصانة دمشق تبقى فيه السياسة السورية في موقع الرصانة، ولكنها تنبه إلى أن لديها ما يمكن أن تقوله على المنابر دون أن تفقد هيبتها.

وما حدث مع الفرنسيين رسالة للأمريكيين: "كفى ".

وبخصوص الهيبة، يستوقفنا هذا المستوى الذي وصلت إليه هيبة الرؤساء في عالم العولمة الأمريكية الحالية.

لم تكن هيبة الرؤساء لتسفح على منابر الإعلام كما هو الحال اليوم بعد الحرب الأخيرة على العراق.

ففي حالات استخدام القوة تذهب هيبة القوة وتذهب معها هيبة القيادة، خاصة إذا لم يتم استبدال القوة بإستراتيجية خروج تبقى هيبة ومكانة الساسة في الواجهة بديلاً من الاستنزاف الآني.

كما أن زمن الحروب المباشرة يدفع بالسياسة إلى دائرة الفعل المباشر والمكشوف فيفقد السياسيون هالتهم. إذ أن كل سياسة تحتاج إلى ثالوث كي تعمل بأفضل نموذج لها: الأسطورة التي تفضي إلى الهيبة والعقيدة التي تمنحها جمهورها والطقوس التي تشكل واجهتها.

أما وقد ولت الحروب المباشرة أو هي في طريقها إلى ذلك، فإن على الساسة العالميين أن يحترموا قواعد اللعبة: السيادة، الرصانة، وعدم الازدواج بين التصريحات والممارسات. فسورية ليست أداة لأحد.

يستطيع السوريون الذي لم يتجاوبوا مع سفح ماء واجهتهم السياسية، أن يلاعبوا الطرف الآخر (مطلق طرف) من موقع أقوى وأكثر هيبة، وهم بهذا يضيفون فوق اعتبارات الواقع، اعتبارات (الطقوس)، وهي ما ترتد بدورها لتعزيز اعتبارات الواقع التي تجعلهم سادة اللعبة. وإن كانوا مستعدين لتقاسم إرادات، فإنهم ليسوا مستعدين لذلك لا على حساب مصالحهم الاستراتيجية ولا على حساب مستقبل وجودهم الإقليمي، ولا على حساب أشياء أخرى...

التعليقات