31/10/2010 - 11:02

الشرق الأوسط يتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم (لبنان وفلسطين)../ هاني المصري

الشرق الأوسط يتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم (لبنان وفلسطين)../ هاني المصري
حفلت وقائع الاسبوع الماضي بثلاثة اخبار مهمة، الخبر الأول، والاهم: اتفاق الدوحة الذي يمثل اختراقاً يمكن ان يتحول الى إنجاز اذا سارت الامور على ما يرام، وتم تطبيقه بما ينقل لبنان من حالة الانقسام والاستقطاب والانزلاق نحو الحرب الاهلية، الى الوفاق والسلم الاهلي، على اساس صيغة اقرب ما تكون الى "لا غالب ولا مغلوب".

الخبر الثاني: الاعلان في دمشق وتل ابيب وانقرة في وقت واحد عن استئناف المفاوضات السورية-الاسرائيلية بصورة غير مباشرة وبوساطة تركية وسط احاديث ان المفاوضات جدية، وانها يمكن ان تصبح مباشرة في القريب العاجل.

الخبر الثالث: عقد مؤتمر التنمية والاستثمار في مدينة بيت لحم بمشاركة مئات المستثمرين العرب والاجانب وسط توقعات وايحاءات فلسطينية عالية، حول امكانية اقناع المستثمر العربي بالمجازفة والاستثمار في فلسطين على أساس التصرف عند الحديث عن الاستثمار وكأن الاحتلال غير موجود، او كأنه عامل ثانوي او محايد، او يرغب بحدوث الاستثمار في فلسطين وليست هي هدفه ومحل اطماعه العدوانية والتوسعية والاستيطانية والعنصرية.

الاخبار الثلاثة المذكورة تدعو الى التفاؤل وتشيع اجواء ايجابية في المنطقة، ولكنها ليست الاخبار الوحيدة التي شهدها الاسبوع الماضي، فقد فشلت خلال هذا الاسبوع الوساطة المصرية الرامية للتوصل الى تهدئة بين الفلسطينيين واسرائيل، لأن حكومة اولمرت وضعت شروطا للتهدئة تفصل ما بينها وبين رفع الحصار وفتح المعابر بحيث تحدث التهدئة اولاً، وتربط ما بين التهدئة واطلاق الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليت دون ادراج ذلك في الصفقة حول تبادل الاسرى التي يجري التفاوض حولها منذ فترة طويلة دون تقدم يذكر، وذلك وسط تصريحات واستعدادات ميدانية اسرائيلية على الأرض تشير الى اقتراب توجيه ضربة عسكرية لغزة.

كما شهد الاسبوع الماضي زيارة بوش للمنطقة وتحديداً لاسرائيل للمشاركة في احتفالاتها بالذكرى الستين لتأسيسها، واطلق خلال هذه الزيارة تصريحات يكاد يتخلى فيها عن وعده باقامة دولة فلسطينية، وصب جام غضبه ضد ايران وسورية وحزب الله وحماس، ورفع العلاقات الاميركية-الاسرائيلية الى مستوى القداسة، ورافقت الزيارة تسريبات اميركية بان ادارة بوش تدرس جديا احتمال توجيه ضربة عسكرية ضد ايران قبل انتهاء فترة رئاسته.

كما تم تداول انباء عن ان ايران تستعد للاستفادة من الفترة المتبقية لرئاسة بوش وتحديداً في الاشهر الاخيرة التي يكون الرئيس الاميركي فيها مثل البطة العرجاء لفرض وقائع في المنطقة وتحديداً في العراق، تؤكد دورها المتعاظم في المنطقة استعداداً وتمهيداً للرئيس الاميركي القادم الذي يمكن ان يعقد الصفقة التاريخية مع إيران اذا كان باراك او باما وبدرجة اقل، او هيلاري كلينتون او يستمر بالمواجهة والتصعيد اذا كان جون ماكين مرشح الحزب الجمهوري الذي اذا فاز سيمضي في نفس سياسة بوش وربما ينافسه أكثر في التطرف والتصعيد والحرب والعدوان.

وحمل الاسبوع المنصرم وتحديداً بالتزامن مع عقد مؤتمر بيت لحم طرح اسرائيل لمناقصة جديدة لبناء 682 مسكناً جديداً في مستوطنة "بيتار ايليت" الاستعمارية قرب بيت لحم. هذا الخبر الذي يكشف الحقيقة التي تعيشها فلسطين، والتي لا يمكن اخفاؤها بفيلم، وانها تحت الاحتلال وتعاني من العدوان العسكري بكل اشكاله، وتوسيع وتكثيف الاستيطان واستكمال بناء الجدار، وتعميق فصل القدس عن بقية الاراضي الفلسطينية المحتلة وتهويدها، وعزل منطقة الاغوار أكثر وأكثر، والاستمرار في سياسة الحصار واقامة الحواجز والاعتقالات اليومية وفرض دور امني على السلطة لا يتناقض مع بقاء اليد العليا لاسرائيل في السياسة والاقتصاد والأمن وكل شيء.

واقول لمن يتصرف مثل النعامة، اذا اخفى رأسه يعتقد ان لا احد يراه، واذا تحدث سواء عن قناعة أو كنوع من التضليل عن امكانية الاستثمار تحت الاحتلال، وان الأمن والاقتصاد يقودان للسلام، وعن وعود اسرائيل لتسهيل حركة واقامة المستثمرين، بأن اسرائيل لن تخيب امله. اسرائيل لا تريد الفلسطينيين اقوياء، لا وهم موحدون ولا وهم مفرقون، لأن إبقاءهم ضعفاء، ووضع سلطتهم بصورة دائمة على حافة الانهيار، يضعهم تحت ابتزاز دائم وضغط هائل يضعف موقفهم التفاوضي ويدفعهم لتقديم تنازلات لاسرائيل على طاولة المفاوضات او للتغاضي عما يقوم به الاحتلال أو مواصلة المفاوضات والتعايش مع الامر الواقع الذي يخلقه الاحتلال كل يوم بسياسة خلق الحقائق على الأرض.

لا يمكن اقامة تنمية حقيقية ومستدامة تحت الاحتلال، لان الاحتلال لا يريد وهو الذي بيده الفيتو، فالاحتلال لا يريد اقتصاداً فلسطينياً قويا ينافس الاقتصاد الاسرائيلي او يقلل من اعتماد الفلسطينيين على اسرائيل. لا مشكلة على الاطلاق، بل المطلوب اتخاذ كل الخطوات الممكنة لتحسين الاقتصاد الفلسطيني وتشجيع الاستثمار الفلسطيني والعربي والاجنبي وتخفيف الاعباء بشرط ان نلتزم برؤية واضحة وان لا يكون ما نفعله اولاً: جسرا للتطبيع العربي مع اسرائيل، وثانيا: الا يؤدي الى تكبيل الاقتصاد الفلسطيني بقيود بعيدة المدى تعرقله مثلما كان مع اتفاقية باريس الاقتصادية التي اعاقت ولا تزال تعيق، وستعيق اية امكانية للتنمية. وثالثاً: عدم ربط الاجراءات الاقتصادية بمسار سياسي فشل قبل ان يبدأ، وسيواجه الفشل المؤكد، وهو مسار انابوليس، لان هذا الربط يحكم على الاجراءات الاقتصادية بالفشل مسبقاً ويجعلها ثمناً بخساً مقابل السياسة الممارسة. رابعاً: وضع كافة الاجراءات ضمن خطة وطنية سياسية اقتصادية تقوم على اننا تحت الاحتلال، وتركز على تعزيز مقومات الصمود، والاستثمار في الاصول الانتاجية، وإيجاد فرص عمل دائمة لا مؤقتة، وتضع في حسابها ان المواجهة الفلسطينية-الاسرائيلية قادمة عاجلاً ام اجلاً. فبدون سلام لا يمكن توفير الامن ولا اقامة اقتصاد تنموي قوي ومستدام. وبدون سلام نحن نسير نحو الحرب عبر انتفاضة شعبية او مواجهة عسكرية.
وعلينا ان نستعد ونختار الطريق الانسب لنا لا ان نبقى في حالة انتظار قاتل.

ان الذي جعل اللبنانيين قادرين بمساعدة قطر والجامعة العربية، وبغياب ممثلين عن الدول العربية الكبرى على التوصل الى اتفاق الدوحة، وبمجرد توفر الارادة اللبنانية للاتفاق بعد ان رأى اللبنانيون بأم أعينهم ان شبح الحرب الاهلية عاد للتحليق في السماء اللبنانية التي إنْ وقعت سيخسر الجميع، قادر على جعل الفلسطينيين يستيقظون من سباتهم ويعملون على انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، وهذا بحاجة الى ارادة فلسطينية مستعدة لتغليب القواسم والمصالح المشتركة، والتنازل عن المطالب الفئوية، والاقتناع بأنه في ظل الانقسام لا معنى للمفاوضات، ولا يمكن اقامة سلطة قابلة للحياة في غزة وهي تحت مرمى النيران والحصار، ولا سلطة مزدهرة في الضفة وهي تحت الاحتلال. فالاحتلال سيلعب بالسلطتين ويبتزهما. ان منطقة الشرق الاوسط تتأرجح بين التفاؤل بانفراج بدأ بلبنان ويمكن ان يصل الى فلسطين اذا عرف قادتها كيف يتصرفون قبل ان يذهبوا وتذهب قضيتهم فرق عملة او بين الأرجل المتصارعة على المنطقة وفي المنطقة، وبين التشاؤم بحروب آتية هي في مرحلة الاعداد.

فهل نأخذ اتفاق اللبنانيين قدوة لنا، أم يركب كل طرف رأسه ويواصل عناده رغم ان العناد كفر. أليس كذلك؟؟
"الأيام"

التعليقات