31/10/2010 - 11:02

الشق الغاطس في الأزمة الفلسطينية../ فهمي هويدي

الشق الغاطس في الأزمة الفلسطينية../ فهمي هويدي
في الأفق الفلسطيني إشارات قوية تدل على أن ما نشاهده على السطح ليس سوى مجموعة من الحيل والألاعيب، التي تحاول إخفاء أزمة أعقد وأعمق بكثير مما نتصور.

فيما تطالعنا صحف الصباح القاهرية بأخبار اجتماعات مع ممثلي الفصائل الفلسطينية محورها قضية المصالحة، نفاجأ بأخبار أخرى من رام الله تمضي في اتجاه معاكس تماماً. فقبل أسبوعين نقل آفي بسخروف محرر صحيفة »هآرتس« على لسان العقيد دياب العلي قائد الأمن الوطني في رام الله قوله إنه يتعين الاستعداد لاحتمال استرداد السلطة في غزة بالقوة. وهي خطوة تتطلب موافقة وتنسيقاً مع ثلاث دول هي إسرائيل ومصر والأردن.. وسوف يتطلب ذلك استخدام سلاح من نوع مختلف ومضاعفة أعداد قوات الأمن الوطني، بحيث تصل إلى 15 ألف جندي. وذكر محرر الصحيفة أن الأمن الوطني يضم الآن 7500 جندي، وأن 90% من الضباط استُبدلوا خلال الـ 18 شهراً الماضية، بعناصر أكثر شباباً وكفاءة. وأن الجميع يتدربون في أريحا بالأدرن، بمساعدة وإشراف أميركيين. مما ذكره أيضاً أن التنسيق الأمني مع إسرائيل نجح في منع عشرات العمليات الفدائية، وأن الأمن الوقائي اعتقل خلايا عملت ضد إسرائيل من بين عناصر الجهاز ذاته، وأنه أُنشئت وحدة خاصة لمنع تسلل »عملاء« حماس إلى صفوفه.

يديعوت أحرونوت نشرت في 19/9 تفصيلات أكثر وأخطر حول التنسيق الأمني مع إسرائيل ضد المقاومة، فقد حضر اجتماعا خصص لهذا الغرض كبير معلقيها ناحوم برنيع، أكثر الصحافيين الإسرائيليين صدقية، وذكر أن الاجتماع حصل يوم الأحد 7/9 في مقر القيادة الإسرائيلية في الضفة، وحضره من الجانب الفلسطيني المفتش العام للشرطة حازم عطا الله، إضافة إلى ثمانية من قادة الأجهزة في حكومة رام الله. (نشر أسماءهم، لكني لم أتمكن من مراجعتها من المصادر الفلسطينية).

قال برنيع في تقريره المنشور إنه فوجئ بالاستعداد المفرط للعمل مع إسرائيل من قبل القيادة الفلسطينية، وأنه سمع بأذنيه من الجالسين كماً كبيراً من المعلومات المثيرة، سجل منها في تقريره ما يلي:

- قول رئيس المخابرات العسكرية في حكومة رام الله ماجد فراج إن حماس هي العدو، ولن يكون هناك حوار أو مصالحة معها. وقد قررنا خوض المعركة ضدها حتى النهاية. صحيح أنكم (الإسرائيليين) توصلتم إلى هدنة معهم، أما نحن فلا.
- أضاف فراج قائلاً: إننا نتولى أمر كل مؤسسة حمساوية تبلغوننا بها. أعطيتمونا مؤخراً أسماء 64 مؤسسة، وقد انتهينا من معالجة 50 منها ووضعنا أيدينا على أموالها، وإسرائيل حوّلت لنا 150 حساباً بنكياً يشتبه في علاقتها بالتنظيمات »الإرهابية« فتم إغلاق 300 حساب. وفي السابق كنا نفكر ألف مرة قبل اقتحام المساجد، لكننا الآن أصبحنا نقوم بذلك عند الحاجة. لكنه نصح الإسرائيليين بألا يفعلوها.

- مفتش الشرطة حازم عطا الله قال: حتى آخر السنة الحالية سندخل في مواجهة شاملة مع حماس، وإذا لم يتم الاستعداد الجيد لها فإننا سنتقاسم المسؤولية عن الهزيمة نحن وأنتم والاميركان. وحينئذ طمأنه العميد يؤاف موردخاي رئيس الإدارة المدنية في الضفة قائلاً: سنشكل طاقماً مشتركا معكم، وسنساعدكم في التدريب والعتاد.

- أبو الفتح قائد جهاز الأمن العام قال للإسرائيليين: ليس هناك خصام بيننا، وينبغي أن نعمل من أجل هزيمة عدونا المشترك (يقصد حماس). لذلك عليكم أن تبذلوا جهداً لمساندة أبو مازن، بإطلاق السجناء الأحداث ورفع بعض الحواجز والمستوطنات.

خرج ناحوم برنيع من الاجتماع بانطباع خلاصته أن مواجهة عنيفة بين فتح وحماس حول السيطرة على الضفة ستحدث في كانون الثاني يناير القادم مع انتهاء مدة ولاية أبو مازن، لان الرجل عازم على البقاء حتى يناير عام .2010 ولأنه لا يستبعد أن يعلن أبو مازن غزة منطقة متمردة ويتعين إنهاء تمردها بالقوة، فإن قادة الأمن الفلسطينيين طلبوا من أجهزة الأمن في إسرائيل أن تعكف معهم على إعداد الخطة الميدانية التي تحقق هذا الهدف، وأن تسهم في توفير السلاح وتدريب القوات اللازمين لإنجاز تلك المهمة.

هذا الاحتشاد الأمني الذي يجري التجهيز له بالتوازي مع اجتماعات المصالحة المستمرة في القاهرة، يتجاهل حقيقة التصدع الحاصل في بنيان السلطة وحركة فتح ذاتها. وهو ما عبرت عنه كتابات نشرت مؤخراً لمثقفين فلسطينيين بارزين لا علاقة لهم بحركة حماس، ومنهم من هو محسوب على حركة فتح ذاتها. وعناوين تلك المقالات دالة في هذا السياق. فقد نشرت الشرق الأوسط مقالين لبلال الحسن أحدهما تحت عنوان: خلافات تنذر بالخطر داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية (7/9) عنوان الثاني »خلافات تكبر وتتسع وتهدد مستقبل السلطة الفلسطينية« (21/9). ونشرت الحياة اللندنية مقالاً لماجد كيالي عنوانه »المشروع الفلسطيني بين مفاعيل الأزمة والانهيار«.

المقالات الثلاثة محورها أزمة الواقع الفلسطيني الناتجة من عوامل ثلاثة هي: الفشل السياسي الذي حققته السلطة التي لم تستطع أن تحقق شيئاً يذكر من المطالب الفلسطينية ـ استعداد بعض أركان السلطة للتفريط بالثوابت الفلسطينية وفي المقدمة منها حق العودة، وكذلك التفريط في الأرض باسم تبادل أجزاء منها مع الفلسطينيين ـ ما أسماه بعضهم بخطف القرار الفلسطيني عن طريق تجاوز المؤسسات الشرعية مثل منظمة التحرير واللجنة التنفيذية، لكي ينتهي الأمر بتركيز القرار الفلسطيني في يد فئة محدودة في السلطة والحكومة (د. أسعد عبد الرحمن).

تحدث بلال الحسن عن لقاءين تشاوريين عقدا في عمان يوما 22/8 و 1/9، بين بعض الأعضاء البارزين في المجلس الوطني، وبعض أركان السلطة، وجهت فيه انتقادات حادة لقيادات السلطة. ومن هؤلاء عزام الأحمد رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي الذي قال إنه لم يعد مطلوباً شطب منظمة التحرير، بل صياغة سلطة فلسطينية على المقاس الأميركي.

في أحد اللقاءين قال تيسير قبعة نائب رئيس المجلس الوطني إن ثمة جهات فلسطينية تتآمر من أجل تصفية القضية الفلسطينية إلى جانب إسرائيل وأميركا. وتساءل: كيف أقاتل عدوي وأنا أعطيه أسماء المناضلين؟ وكيف أقاوم العدو وأنا أنسق معه أكثر مما أنسق مع شعبي؟

في تعليقه على التصدعات الحاصلة في السلطة الفلسطينية، التي تتجاوز كثيراً حدود الصراع بين حركة فتح وحماس، قال بلال الحسن إنه لا مبالغة في القول إن الحالة الفلسطينية تنذر بالخطر، وإنها مؤهله لأن تعود إلى الفوضى، وربما إلى الانهيار.

إذا تتبعنا المشكلة في عمقها فسنجد أنها تكمن في ما يسمى باختطاف القرار الفلسطيني من جانب فئة بذاتها، مشكوك في صدقية تمثيلها للشعب الفلسطيني. وهو ما دعا باحثاً مستقلاً وجاداً، هو الدكتور سلمان أبو ستة المنسق العام لمؤتمر حق العودة، إلى المطالبة بإحياء مرجعية جامعة للشعب الفلسطيني، واستعادة تجربة عام 1964، التي تكللت بإنشاء منظمة التحرير ومجلسها الوطني بقيادة أحمد الشقيري، وتحققت عالمياً في عام 1974 بقيادة ياسر عرفات باعتراف الأمم المتحدة بالمنظمة وبحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وباعتماد مجلسها الوطني بين برلمانات العالم واعتماد سفارتها في الخارج.

نبه الدكتور أبو ستة في مقال له بجريدة الحياة (نشر في 12/7) من أن الانتخابات التي أجريت في عام 2006 ورفضت حركة فتح الاعتراف بنتائجها، اشترك فيها 30% فقط من الشعب الفلسطيني، الذي يعيش في الأراضي المحتلة عام 1967. أما صوت 70% من الفلسطينيين الموزعين في البلاد العربية والأجنبية، فلم يسمع ولم يرصد له أي حضور منذ آخر اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عام 1988.

كما ذكر أن نصف الشعب الفلسطيني ولد بعد اجتماع الجزائر وهولاء ايضا لا يسمع لهم صوت اليوم. وأطفال الحجارة الذين أشعلوا انتفاضة عام 1987 هم الآن رجال ونساء لهم شأن في المجتمع الفلسطيني، ولكنهم محذوفون من الخريطة السياسية. من ناحية أخرى، فإن متغيرات عدة طرأت على المجلس الوطني خلال العشرين عاما التي أعقبت آخر اجتماع له في الجزائر. فأعضاؤه البالغ عددهم 445 توفي منهم 30 واستقال بسبب المرض وكبر السن 20 على الأقل، وعُيّن حوالى 25 عضواً لأسباب لم تعد قائمة، واعتزل آخرون العمل السياسي لأسباب متعددة، كما لم تكن متغيرات الخريطة السياسية أقل أهمية من الخريطة السكانية وخريطة عضوية المجلس الوطني. حيث ظهرت في الساحة قوى جديدة غيرت من معادلة الساحة السياسية مثل حماس والجهاد، وجاءت انتخابات 2006 لتعلن بجلاء عن هذه الحقيقة التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار.

في رأي الدكتور أبو ستة أنه لا يعقل أن يسلم مصير الشعب الفلسطيني إلى السلطة المشغولة بالحرب بين رام الله وغزة، خصوصاً أن تلك السلطة لا شرعية دولية لها، لأنها نتاج اتفاق بين الدولة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال. وهو اتفاق يستند إلى مرجعيات متعددة ليس بينها حقوق الشعب الفلسطيني. واتفاقية جنيف الرابعة تقضي صراحة ببطلان أي اتفاق بين الدولة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال إذا أضر الاتفاق بحقوق الشعب المحتل.

النتيجة التي خلص إليها أنه لا بديل لمنع انهيار الوضع الفلسطيني عن انتخاب مجلس وطني جديد، يعبر بصورة ديموقراطية وصادقة عن الواقع الفلسطيني. وهو ما تم الاتفاق عليه في القاهرة عام 2005، كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة تحضيرية لإجراء تلك الانتخابات، ولكن اللجنة لم تدع للاجتماع من ذلك الحين، وهناك تسويف مستمر في العملية من جانب السلطة القائمة، لا يفسر إلا بحسبانه تعبيراً عن رغبة الذين اختطفوا القرار الفلسطيني في استمرار الاستئثار به لأطول أجل ممكن.

ذلك كله مسكوت عليه في الوقت الراهن، بحيث لا يكاد له صدى أو أثر في المشاورات الجارية التي لم تمس الجذور من قريب أو بعيد. ومن الواضح أن الريح تجري في مسار آخر يصطنع إجماعاً فلسطينياً بين فصائل لم تحصل على أكثر 2% من الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وهذا الإجماع يراد له أن يوظف في ترتيب يفرض حلاً بالقوة على السلطة القائمة في غزة (عن طريق إرسال قوات عربية مثلا).

وقد تسربت رائحة ذلك الترتيب في التصريحات الساخنة التي أعقبت اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الأخير، وتحدثت عن فرض حل لمصالحة ملزمة للأطراف الفلسطينية. وهو كلام مغطى ردده أبو مازن، ونشر على لسانه في صحيفة »الحياة« في 25/9. لكن رجاله أفصحوا عن مقصود الإشارة بما لا يدع مجالا للبس في اجتماع التنسيق مع الإسرائيليين. الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول دور الجامعة العربية في الملف، وهل ستسهم في حل المشكلة ام انها ستصبح طرفا فيها، بحيث تكرر سيناريو تدخلها "للوساطة" في الازمة اللبنانية، وتحيزها لطرف دون آخر في الصراع بين فريقي 14 و 8 آذار.
"الشرق القطرية"

التعليقات