31/10/2010 - 11:02

الشهداء يرتكبون جرائم حرب بحق قوات الاحتلال

قلنا هناك ألف سبب لإدانة العمليات الانتحارية وخاصة ضد المدنيين في الحافلات والأسواق والمراكز الإسرائيلية، ولكن ما قيمة هذه الأسباب الألف وإسرائيل تخلق مليون سبب للعملية الانتحارية القادمة.

الشهداء يرتكبون جرائم حرب بحق قوات الاحتلال

بإمكان إسرائيل أن تدعي أنها لا تتحمل المسؤولية عن مجزرة الشاطئ، ولكن قافلة الشهداء الذين سقطوا فقط منذ أن تسلم عمير بيرتس منصب وزير الأمن في الرابع من الشهر الماضي ووصل عددهم إلى 82 شهيدًا، تؤكد أنها تمارس عمليات اغتيال جماعية تطال أبناء العائلة الواحدة، مثل حالة عائلة المغربي حيث استشهد الوالد والابن وابن الشقيق وقريب رابع من نفس العائلة، وحالة عائلة غالية في شاطئ السودانية في شمال القطاع (7 شهداء)، وحالة سقوط شقيقين وابن عم لهما من عائلة الزعانين، وشقيقين من عائلة أبو سلعة في الأمن الوقائي، كما استشهد شقيقان من عائلة قاسم في مخيم جباليا في اليوم الذي استشهد فيه مزارع في بيت لاهيا (54 عامًا)، واستشهدت جدة وابنتها وحفيدتها من عائلة أمن في مدينة غزة أثناء اغتيال محمد الدحدوح وهو شقيق لشهيدين (مع التذكير هنا أن الشهيد جمال أبو سمهدانة هو أيضًا شقيق لشهيدين استشهد أحدهما في لبنان والثاني في الانتفاضة الأولى في قطاع غزة)، كما استشهد شقيقان من عائلة حنايشة في قباطيا بالقرب من مدينة جنين في يوم سقط في ستة شهداء، كما سقط 4 شهداء من عائلة دغمش في مدينة غزة.

فهل تعتقد إسرائيل أنها ستكون أفضل حالًا إذا ما كانت المجازر "العائلية" في الشهر الأخير أقل بمجزرة؟

ربما يعتقد خبراء الأسلحة الراجمة في جيش الاحتلال، بعد أن حقق جيش الاحتلال مع جيش الاحتلال، أنه بالإمكان تجنيد قوانين الفيزياء لإزالة مجزرة عن عاتق الجيش. وربّما يعتقدون أن التشدق بفيزياء المقذوفات هو وجبة دسمة تفرح بها وتهلل لها وسائل الإعلام، وتدفعها لتناول نبأ نفي نبأ لكونه لا يقل أهمية، من حيث الاحتفاء الإعلامي، عن النبأ نفسه.

ونحن، وإن كنا بتواضع نعرف كيف نحلل مسار المقذوفات بزاوية معينة وحساب زمن سقوطها وحساب أقصى ارتفاع قد تصله المقذوفة، والمدى الذي ستقطعه والسرعة التي تصطدم بها بالهدف، لسنا بحاجة إلى الخبرات الفيزيائية في القتل حتى لا تبهرنا أو تثيرنا أو تخدعنا فيزياؤهم التي تخلص إلى أن مسار القذيفة القاتلة المفترض لا يتلاءم مع مسار القذائف الخمسة التي أطلقتها البوارج الحربية.

هناك عدة أسباب تبقي الدماء على خنجر القاتل؛ الأول فيزيائي بموجبه لا يمكن، ببساطة، استبعاد احتمالات أخرى مثل إطلاق القذيفة القاتلة من موقع آخر في شمال القطاع وليس بالضرورة من عرض البحر، وهذا ما أشار إليه الخبير الدولي، غرلسكو، الذي عمل في وزارة الدفاع الأميركية أكثر من 7 سنوات في هذا المجال.

والسبب الثاني وهو فيزيائي أيضًا يتعلق بزخم التفجير، وشدّته واتجاهه ومركزه. ففي حين أشار جيش الاحتلال إلى الإمكانية القائلة بأن الانفجار ناجم عن لغم أرضي تمت إعادة تصنيعه من قذيفة إسرائيلية بصناعة أميركية كانت قد أطلقت سابقًا ولم تنفجر، فإن تحليل الإصابات الشديدة، وغالبيتها في الرأس والأطراف العلوية وليس في الأطراف السفلية، وتطاير الشظايا ومسارها، بحسب الخبير الدولي (الأميركي) يثبت العكس.

والسبب الثالث هو أن قيادة جيش الاحتلال في منطقة قطاع غزة نفسها سارعت إلى تبرير المجزرة، وأشارت إلى أن المنطقة التي وقعت فيها المجزرة هي منطقة مفتوحة، وبالتالي تعتبر ممنوعة أمام الفلسطينيين ويتواصل القصف المدفعي عليها من شمال القطاع، وتخلص إلى عدم استبعاد أن تكون القذيفة قد أطلقت من شمال القطاع، وأن ما حصل هو نتيجة محزنة لخلل في التنفيذ!

وبالنظر إلى المجزرة الأخيرة، التالية لمجزرة الشاطئ، التي أطلق فيها صاروخ ثان بفارق زمني عن صاروخ أول كان يكفي (الفارق الزمني) لتجمع عدد كبير من المدنيين بينهم أطفال ورجال من طواقم الإسعاف، فمن يصدق حينئذ أن الاحتلال لم يستهدف المدنيين ولم يستهدف عائلة غالية؟ بالإمكان تصديق الادعاء بأن أبناء عائلة غالية ذهبوا ضحية خطأ في التنفيذ (التصويب) فقط إذا كان الهدف "الصواب" هو عائلة أخرى أكبر عددًا.

وعندما تناقلت جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية مسؤولية جيش الاحتلال عن المجزرة، قبل المزاعم الإسرائيلية التي تنفي مسؤولية الجيش، سارع البيت الأبيض إلى التضامن مع إسرائيل في "مصابها الإعلامي" الذي ارتكبه الشهداء الفلسطينيون، معتبرًا أن قتل المدنيين الفلسطينيين يدخل في إطار حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها! ربما حتى لا يلام الجنود الأميركيون في "دفاعهم عن أنفسهم" من المدنيين في العراق.

وأعرب توني بلير عن تضامنه مع إسرائيل "للنتيجة المحزنة التي وقعت جراء الرد الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ"، وأخاله عانق أولمرت باكيًا حظ إسرائيل العاثر، متضامنًا معها في ألمها للمصاب الذي حل بها! وغاضبًا على الفلسطينيين، الذين باستشهادهم وصموا إسرائيل بارتكاب جريمة حرب، ونالوا من أخلاقية "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"! كما يزعم أولمرت، وكأن ما نال إسرائيل من "المصيبة الإعلامية" يفوق ما نال الفلسطينيين من الموت والدماء والدمار!

أما السكرتير العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، فقد تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية، نقلًا عن مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة، أنه هاتف أولمرت، مساء السبت الماضي، طالبًا من إسرائيل أن ترد بشكل معقول لا يخالف القانون الدولي، فانتهره أولمرت بالقول: ولماذا لم ترغب في التحقيق في سقوط 300 صاروخ على إسرائيل؟

ويبدو أن الصدمة عقدت لسان أنان، فبادر للإعراب عن دهشته لهذا العدد الهائل من الصواريخ، وربما اعتذر عن كلماته التي تفوه بها، وربما وعده بإجراء تحقيق في جرائم الحرب التي يرتكبها الفلسطينيون بحق قوات الاحتلال.

مسكين كوفي أنان. ربما قد يكون نسي أن إسرائيل قد اعترفت، منذ أسابيع معدودة فقط، أنها تمطر قطاع غزة يوميًا بأكثر من 300 قذيفة مدفعية، ووصل عددها في الشهر الأخير إلى أكثر من 5700 قذيفة، وربما يكون نسي أن صواريخ القسام لم تسقط قتلى وبالكاد يصاب عدد قليل بحالات من الهلع، وربما نسي لماذا يطلق الفلسطينيون هذه "الألعاب النارية" بالمقارنة مع ترسانة أسلحة الاحتلال. ربما نسي أنان قرارات الأمم المتحدة.

لنترك العالم يعرب عن تضامنه مع إسرائيل، وفي أحسن الحالات سيعرب عن قلقه "العميق" ليوم أو يومين، يتفاوت عمق القلق حسب توقيت آخر مجزرة ومدى الحرج الإعلامي ومدى لباقة المتحدث "القلِق" في التخلص من الموقف والانتقال للسؤال التالي. وبينما تتوالى التصريحات الإعلامية من نوع آخر على شاكلة "حذّر من التصعيد.. وصعد من التحذير.. وشعر بعدم الرضا.. ورضي بعدم الشعور... وأرّق مضجعه.. ونغّص فؤاده.. وكدّر يومه..."، يتواصل النزيف الفلسطيني.

فأكثر من مثل هذا العدد من الشهداء بكثير سقط جرحى في الشهر الأخير فقط، بضمنهم أفراد من نفس العائلة، وتشمل الأطفال والنساء والمسنين، ينضافون إلى عشرات الآلاف من الجرحى الذين يبقون في الغالب وراء الإعلام في الصفوف الخلفية يتألمون بصمت على مدار الساعة ويداوون جراحهم، بعضهم دفن بعضًا من أطرافه، ليكملوا مسيرة الحياة حاملين ندوبهم وإعاقاتهم وأحزانهم بعيدًا عن الأضواء، حيث لا يتم ذكرهم إلا بالأرقام، إلا إذا أعادتهم إليها مجزرة أخرى إليها، وإذا كان الإعلام قد سلّط الأضواء على "الوجبة الإعلامية الدسمة"، أي الطفلة هدى، فليس لذاتها كطفلة أصيبت بجروح، بل بسبب فقدانها والديها وخمسة أشقائها في المجزرة..

يجدر ألا ننسى أن للشهداء والجرحى عائلات، في الغالب عانت، ولا تزال، مرارة التهجير وعذاب المعتقلات والسجون وذل الفقر والجوع وهول القتل أيضًا. وهنا نترك للقارئ أن يتخيل حالة ليست نادرة في التاريخ الفلسطيني، تتمثل في مشاعر أم لاجئة في مستشفى وهي في حيرة من أمرها، أتذهب يمنة لرؤية ابنها الشهيد أم يسرة لرؤية الابن الثاني المصاب بجروح خطيرة أم تعود بسرعة للبحث عن أحياء تحت أنقاض بيتها؟

قلنا هناك ألف سبب لإدانة العمليات الانتحارية وخاصة ضد المدنيين في الحافلات والأسواق والمراكز الإسرائيلية، ولكن ما قيمة هذه الأسباب الألف وإسرائيل تخلق مليون سبب للعملية الانتحارية القادمة.

التعليقات