31/10/2010 - 11:02

العرب المسيحيون وزيارة البابا/ عصام زكي عراف

-

العرب المسيحيون وزيارة البابا/ عصام  زكي عراف
من ينعم النظر في مقال المحامي نبيل دكور، الذي نشر في موقع عرب 48 بتاريخ 4-5-2009 تحت عنوان "أين الفلسطينيون الوطنيون المسيحيون في الداخل من زيارة البابا؟"، لا يسعه إلا أن يشهد للكاتب ببراعته الفائقه في تكديس ذلك العدد الكبير من الأخطاء في مقال لا يبلغ عدد كلماته الستمائة كلمة.
يريد الكاتب أن يتوجه الفلسطينيون المسيحيون إلى البابا، بصرخة استغاثة ليشفع لهم عند أرباب العزة، وأصحاب الأمر والنهي (بيبي نتنياهو وليبرمان وحاشيتهما) لكي يعيدوا الحقوق المسلوبة للمسيحيين في فلسطين.

إن تاريخ زعماء الكنيسة لا يشهد لهم على الغالب بنصرة الضعفاء والمظلومين، وما زالت أصداء تصريحات البابا الحالي عن ممارسات المسلمين تتردد، وإن خفتت قليلا.
هل كان الڤاتيكان حقا، في يوم من الأيام ملاذا للمظلومين والضعفاء؟
ألم تبارك الكنيسة وتؤيد - ومعها الفاشيون والنازيون في أوروبا - القوى اليمينية بزعامة الجنرال فرانكو، خلال فترة الحرب الأهلية الإسبانية التي أحرقت الأخضر واليابس؟
هل هناك من إنسان سوي يصدِّق أن الڤاتيكان لم يكن يعلم، خلال الحرب العالمية الثانية، بالجرائم التي كان النازيون يرتكبونها ضد اليهود والغجر وغيرهم؟ أم أن رضى موسوليني وهتلر ومن لف لفهما كان أهم بكثير من دماء الأبرياء التي أريقت دون ذنب؟
أين كانت الكنيسة يوم كان الجنرال پينوشيه يرتكب الجرائم ضد أصحاب الضمير والأحرار من أبناء شعبه وغالبيتهم الساحقة من الكاثوليك؟
أين كانت الكنيسة يوم كان فرديناند ماركوس يقود نظاما مغرقا في الفساد ويرتكب الجرائم ضد أصحاب الضمير من الوطنيين والأحرار من أبناء شعبه وجلهم من أتباع الكنيسة الكاثوليكية؟
أين كانت الكنيسة يوم قتل الدكتاتور الإندونيسي سوهارتو أكثر من نصف مليون شخص من شعبه (وفيهم العديد من المسيحيين) حسب قوائم قدمتها له الاستخبارات الأميركية والبريطانية؟

أين كانت الكنائس يوم احتل سوهارتو ببركة أمريكا وبريطانيا وأستراليا سنة 1975 تيمور الشرقية وأخضع أهلها المسيحيين الكاثوليك لأسوأ أنواع الظلم والقهر، وارتكب المجازر على مشهد ومسمع من العالم؟

قائمة التساؤلات عن تغاضي الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من الكنائس والمؤسسات الدينية المسيحية - وغير المسيحية - عن الجرائم التي ارتكبت ضد الأبرياء في كل مكان وزمان، طويلة، جدا وما ذكرته ليس سوى غيض من فيض منها.

كان الأوربيون وبالا على المسيحيين في الشرق منذ قديم الزمن. قبل الحملات الصليبية المشؤومة، كان معظم سكان بلاد الهلال الخصيب (العراق وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان والأجزاء الجنوبية من تركيا اليوم) من العرب النصارى، وخلال سنوات ملكهم المشؤوم، تناقصت نسبة المسيحيين إلى نصف ما كانت عليه من قبل.

مثال آخر حديث العهد، لا تزال أحداثه الدامية مستمرة أمام أعيننا، هو المصير المظلم الذي آل إليه حال النصارى في العراق، وفيهم من أعرق الطوائف المسيحية في الشرق. قبل الغزو الأمريكي - الأوروبي كان في العراق ما يقرب من مليون مسيحي يعيشون بسلام ووئام مع باقي إخوتهم من العراقيين (كما كان حال اليهود قبل قيام الحركة الصهيونية)، وكان طارق حنا عزيز، وزير الخارجية، وهو مسيحي كاثوليكي، من رجال الدولة المرموقين لسنوات طويلة. في ظل الحراب الأمريكية والبريطانية وغيرها من الحراب "المسيحية"، تعرض المسيحيين ويتعرضون حتى اليوم إلى أسوأ حملات الاضطهاد والتنكيل والإرهاب في تاريخهم، من قتل واختطاف وتفجير لكنائسهم وبيوتهم، واعتداء على أعراضهم وممتلكاتهم، وقد فر حتى الآن ما يقرب من نصفهم من العراق والغالبية العظمى من الباقين، إن لم يكن كلهم، ينتظرون الفرصة للفرار من الجحيم الذي وضعهم فيه "إخوانهم" من المسيحيين الغربيين.

منذ ظهور البراعم الأولى للحركة القومية العربية كان العرب النصارى من أخلص دعاتها وقد تنبه الغرب والصهيونية لذلك، فوضعوا نصب أعينهم تهجير المسيحيين من الشرق العربي بشتى الوسائل، ومن أهمها زرع الفتنة الطائفية والعداوة بين المسلمين والمسيحيين، وقد أنفقت الحركة الصهيونية المال الكثير لمحاربة الجمعيات الإسلامية - المسيحية القومية التي كان يرعاها الحاج أمين الحسيني والمطران غريغوريوس حجار الملقب بمسيح الشرق ومطران العرب.

الدعوة إلى الاستغاثة بالبابا، ليست سوى دعوة إلى الاستجارة من الرمضاء بالنار، وستفوح منها رائحة الطائفية شئنا ذلك أم أبينا، فالظلم الذي لحق بالفلسطينيين لم يفرق يوما بين مسيحي ومسلم ولا بين كاثوليكي وأرثوذكسي أو ماروني ولا بين سني وشيعي أو درزي.

الكابوس الذي يقض مضجع الغرب منذ عهد بعيد هو قيام دولة تضم تحت لوائها، جميع الناطقين بالضاد، من المحيط إلى الخليج، وتتحالف مع الفرس والأتراك والأكراد والأفغان والأرمن وغيرهم لتجعل من الجميع قوة لا تسمح للغرب بالعبث بمصيرها ونهب ثرواتها، بل قد تصبح القوة الكبرى في العالم إذا ما استطاعت أن تسخر مواردها البشرية والطبيعية لخدمة شعوبها، وقد فعل كل ما في وسعه للحؤول دون قيام كيان قوي كهذا، بدءا من الوقوف في وجه إبراهيم باشا، إلى حرب القرم، إلى اتفاقية سايكس -پيكو إلى إقامة دولة إسرائيل، إلى ما نشاهده اليوم في دارفور ولبنان وكردستان وغير ذلك.
يقول الكاتب القدير، مارون عبود (أبو محمد) (1886-1962)، في مقال له بعنوان "كنيسة العلم والثقافة" مخاطبا العرب حيث ما حلوا:
"اللسان يوحدكم فاحفظوا ذكر أنبيائكم ورسلكم في قلوبكم، وهم لو عادوا اليوم لما قالوا لكم غير هذا، لا بل قالوه يوم جاؤوا. كل الديانات تعلّم الخير وتنهى عن الشر، أما البلوى فمن أكثر رعيان القطيع. متى تقاتلت الغنم على المرعى؟ أليس الرعاة هم الذين يتقاتلون؟ فاسمعوا وعوا كما قال قس بن ساعدة."

أما إذا كان الكاتب يصر على التوجه إلى البابا، فأنا لا أرى مانعا من تحرير رسالة إليه، يوقع عليها كل من يرغب بذلك من الفلسطينيين واليهود وغيرهم، يطلبون منه فيها، أن يُسمع صوته لرفع المعاناة عن أبناء شعبنا جميعا دون استثناء، ولا شك أن وقعها عندئذ سيكون أبلغ، هذا إذا قدّر لها أن يكون لها وقع!
من الإنصاف أن أذكر، أنّ رئيس أساقفة كانتربري، روان ويليامز، المعروف بجرأته ونزاهته، كتب مقالا في "السنداي تايمز"، في الثالث والعشرين من شهر كانون أول - ديسمبر 2006 يتهم فيه جورج بوش وتوني بلير باتباع سياسة تؤدي إلى هجرة المسيحيين من الشرق.

وفي الختام، أرى من واجبي أن ألفت نظر المحامي نبيل دكور أنني أحصيت في مقاله ما لا يقل عن مائة وعشرين خطأ في الإملاء والنحو وغير ذلك من الهفوات، وهذا كثير، بل كثير جدا، من محام ووطنيّ، لأن المحاماة توجب الدقة في التعبير، والوطنية توجب إتقان اللغة العربية!

مع تحيات
عصام زكي عراف
قرية معليا
الجليل الغربي

التعليقات