31/10/2010 - 11:02

"العربية" السعودية.."الجزيرة" القطرية!../ زهير أندراوس

ليس سراً أن النظام الحاكم في المملكة العربية السعودية يسعى بكل ما أوتى من قوة وثروة ونفط إلى السيطرة على وسائل إعلام عربية مرئية وبصرية ومسموعة في جميع أرجاء المعمورة، بهدف منع الإعلام من كشف عورات هذا النظام وعلاقاته مع رأس الامبريالية العالمية: الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا النظام الشمولي والديكتاتوري المتعفن يعتقد أن شراء الذمم في عصر العولمة ينقذه من الانتقادات، ويشكل درعا واقيا له من الأحرار في الوطن العربي، الذين يحاولون فضح هذا النظام الذي بات رهينة بأيدي الرئيس الأمريكي جورج بوش، وتابعه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ومن لف لفهما من العرب والعجم الذين لا يألون جهداً في طعن الأمتين العربية والإسلامية بهدف خدمة أسيادهم في واشنطن ولندن ومن غير المستبعد أيضاً في تل أبيب.

نسوق هذا الكلام بعد أن طالعتنا صحيفة "الشرق الأوسط" التي تصدر في لندن، وتسمي نفسها صحيفة العرب الدولية، بنبأ جاء فيه أن وزير الخارجية القطري، الشيخ جاسم بن حمد أل ثاني قام وعائلته قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في بيروت بزيارة سرية إلى تل أبيب، اجتمع خلالها إلى عدد من قادة الدولة العبرية!

والمثير حقا للاستغراب والدهشة أن مراسل الصحيفة اعتمد على مصدر إسرائيلي رسمي، الذي أكد هذا النبأ، واشتكى، كما كتبت "الشرق الأوسط"، من أن الزعماء العرب الذين يلتقون مع أركان هذه الدولة، اتخذوا تكتيك النفي كوسيلة للتخلص من الحقيقة. وأكدت الصحيفة أن الحديث بين وزير الخارجية القطري وبين المسؤولين في تل أبيب دار أيضاً حول ما تبثه فضائية الجزيرة التابعة للإمارة.

في هذا السياق يجب تسجيل عدد من الملاحظات في محاولة لوضع بعض النقاط على عدد من الحروف في مسألة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإمارة قطر:

أولاً: الهدف من وراء هذا النشر المسيء هو توجيه طعنة من الخلف لقطر، خصوصاً وان العلاقات بين البلدين تشهد في الآونة الأخيرة توتراً ملموساً. علاوة على ذلك فان المسؤول القطري نفى ما أوردته الصحيفة جملة وتفصيلا.

ثانياً: لو أن الخبر كان صحيحا، لكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية المتطوعة لتسويق سياسة المستويين الأمني والسياسي في هذه الدولة، أقامت الدنيا ولم تقعدها، وطبلت وزمرت لهذا "السبق الصحافي". ولكن ما يدعم توجهنا هو أن الصحافة العبرية تجاهلت الخبر الذي نشر في "الشرق الأوسط"، لم تقتبسه ولم تحاول تطويره، الأمر الذي يقطع الشك باليقين أن الخبر هو من إبداعات المصدر الإسرائيلي والصحيفة السعودية. بكلمات أخرى، هذا الخبر يؤكد تقاطع المصالح السعودية الإسرائيلية، على حساب دولة عربية "شقيقة"!.

ثالثاً: إن الاعتماد على مصدر إسرائيلي رسمي لتشويه سمعة الوزير القطري يثبت أن وراء الأكمة ما وراءها، فهل أصبحت إسرائيل أيضاً تتحكم في وسائل إعلام عربية؟ هل باتت جريدة "الشرق الأوسط" السعودية مرتعاً لتجميل صورة هذه الدولة في الوطن العربي؟. الاعتماد على المصدر الإسرائيلي له أبعاد ومدلولات كثيرة، وهو ليس تطبيعاً فقط، إنما تطويعاً مرفوضاً جملة وتفصيلاً.

رابعاً: قطر تقيم منذ عدة سنوات علاقات مع إسرائيل بشكل علني ولتل أبيب ممثلية تجارية في العاصمة الدوحة. كما أن وزير الخارجية القطري الذي "زار تل أبيب" أكد في أكثر من مناسبة هذا الأمر، ولكنه بشفافية غير معهودة في الوطن العربي قال إن هناك دولاً عربية، دون أن يذكر اسمها، تهرول للتطبيع مع إسرائيل سراً.

خامساً: في فترة الحكومة الإسرائيلية السابقة قال النائب مجلي وهبة من حزب "كاديما" الحاكم، في مقابلة متلفزة، انه قام بزيارة المملكة العربية السعودية سراً، كموفد شخصي من رئيس الحكومة السابق ارئيل شارون، وقدم للعائلة المالكة النصائح فيما يتعلق بمحاربة التنظيمات "الإرهابية"، على حد تعبيره.

سادساً: إسرائيل استغلت "جريدة العرب الدولية" لتصفية حساباتها مع قطر ووزير خارجيتها. فالإمارة أعلنت بشكل رسمي عن تبرعها السخي لإعادة إعمار لبنان. بالإضافة إلى ذلك، صرح وزير الخارجية القطري خلال زيارته إلى بلاد الأرز بان المقاومة اللبنانية حققت انتصاراً على إسرائيل، وحيّا بسالتها وشجاعتها، أي أنه وقف إلى جانب المقاومين وليس إلى جانب المقاولين، الأمر الذي أغاظ إسرائيل، فقررت تسريب الخبر المزعوم للنيل من مواقفه الشريفة والصادقة، خصوصا وان السعودية ووكلاءها في لبنان قالوا مع بدء العدوان على لبنان، بان المقاومة عندما أسرت الجنديين الإسرائيليين، قامت بمغامرة غير محسوبة.

سابعاً: خلال العدوان الإسرائيلي الهمجي على لبنان قامت فضائية "الجزيرة" القطرية بنقل أخبار الحرب ونالت إعجاب واحترام المتلقي العربي بسبب تحيزها لمحيطها العربي اللبناني، الأمر الذي دفع إسرائيل وأجهزة مخابراتها إلى تضييق الحيز على هذه الفضائية، ووصلت الوقاحة الإسرائيلية أوجها عندما قامت باعتقال مدير مكتب الفضائية في فلسطين، الزميل وليد العمري، ومراسلها في إسرائيل، الزميل الياس كرام. بموازاة ذلك لم نسمع عن "بطولات" فضائية "العربية" التابعة للنظام السعودي خلال العدوان، بل قرأنا على مضض المقالات التي قام بنشرها مدير عام الفضائية، عبد الرحمن الراشد في جريدة "الشرق الأوسط"، التي كان في الماضي غير البعيد رئيس تحريرها، وهي مقالات مكتوبة فعلاً باللغة العربية، ولكنها في الوقت نفسه تروج لساسة ولسياسات أمريكا في المنطقة، وليست بعيدة في طروحاتها عن أفكار المحافظين الجدد، الذين باتوا يعانون من مرض مزمن وهو كره العرب والإسلام، الذي استعصى على اكبر الأخصائيين في عالم الطب إيجاد دواء له.

ثامناً: نميل إلى الترجيح بان النظام الحاكم في السعودية وزبانيته ووسائل إعلامه يستخفون بحنكة وحكمة وذكاء القارئ العربي، ويعتقدون انه لا يعرف أن يفرق بين الغث والسمين، وهذا الاستخفاف هو أنموذج معبر عن تعامل هذا النظام مع مواطني المملكة: تعامل يطبق ثقافة القطيع، هذا إذا كانت هناك ثقافة.

التعليقات