31/10/2010 - 11:02

العلاقات الفلسطينية العربية في العهد الجديد /مـاجـد عـزام*

العلاقات الفلسطينية العربية في العهد الجديد /مـاجـد عـزام*
دخلت القضية الفلسطينية فصلاً جديداً، وحتى عهداً جديداً مع فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، ومع ترسيم المجلس التشريعي الجديد، وأداء الأعضاء للقسم، ومع تكليف السيد إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة الجديدة، تنتقل قيادة السلطة أو جزء منها إلى حركة حماس، التي أضحت في موقع متقدم يمكّنها معنوياً ونفسياً وبالطبع سياسياً من التأثير الإيجابي على العلاقات الفلسطينية العربية، التي عانت الكثير من العثرات في العقد الأخيرة، وشابتها العديد من الثغرات التي يمكن إرجاعها بشكل أساسي إلى سوء أداء القيادة الفلسطينية السابقة وعجزها عن إدارة دفة العلاقات الخارجية بشكل يحصل أكبر قدر ممكن من الفائدة والمصلحة الوطنية العليا.

من البديهي القول بأن العلاقات الفلسطينية مع العالم الخارجي يجب أن تناط بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأمام التهميش المنهجي والمبرمج للمنظمة في العقد الأخير والاحتفاء بالجسد والإطار على حساب الروح والمضمون من قبل قيادة السلطة، أضحت المنظمة عاجزة ومشلولة، وأصبحت العلاقات العربية أسيرة لشؤون وشجون السلطة بشكل عام، وعملية التفاوض مع (إسرائيل) بشكل خاص، غير أن الواقع المستجد بعد الانتخابات نسف ومن البداية العديد من مسلّمات المرحلة الماضية.

وهنا تحديداً تكمن مهمة حماس الأولى هي في إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية وفق المزاج الشعبي والجماهيري السائد، والذي لا يختلف بشكل جذري بين الداخل والخارج. ومن المؤكد أن إعادة بناء منظمة التحرير هي الخطوة الأولى اللازمة والضرورية نحو إدارة علاقة صحيحة متوازنة وسليمة مع الدول العربية وفق قاعدة المصلحة الفلسطينية، واستنهاض الطاقات العربية الرسمية والشعبية، لدعم الشعب الفلسطيني حتى ينال حقوقه في الحرية والسيادة والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على أن تكون القدس عاصمتها.

حماس، بما تملكه من إمكانيات وعلاقات متجذرة مع القوى الحية ومؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية، مؤهلة لإحداث انتفاضة حقيقية في العلاقات العربية والفلسطينية على قاعدة الخيار والبرنامج الذي خاضت حماس الانتخابات على أساسه، والذي يرتكز على مبدأين مهمين هما المقاومة والإصلاح. وبما أن ثمة إجماع فلسطيني على المقاومة كخيار لانتزاع الحقوق، فإن هذا الأمر يجب ترجمته عبر مخاطبة الشارع العربي والتوضيح له أن التسوية ليست أكثر من أكذوبة، وأن الممارسات لإفهامه أن القضية الفلسطينية على طريق الحل هي غير صحيحة وربما تكون غير بريئة أيضاً، وأن من واجبه الالتفات إلى هذه النقطة وبالتالي استنباط التغيير فيها باتجاه الالتفات من جديد حول القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني على المستويات والصعد المختلفة: السياسية والإعلامية والاقتصادية والنفسية والمعنوية.

حماس، في الحكومة القادمة وأيضاً منظمة التحرير مطالبة بتقديم نهج جديد في التعامل مع الدول العربية، وأهم خطوة على هذا الطريق هي الالتزام بالإصلاح الداخلي واختيار شخصيات نزيهة وكفؤة ومحترفة وهي موجودة في الجمهور الفلسطيني، لتتبوأ المناصب المختلفة سواء داخل السلطة أو المنظمة أو في السفارات ومكاتب المنظمة في الخارج.

لا يمكن الحديث عن استجلاب الدعم للشعب الفلسطيني ولا يمكن أن ينال أي خطاب أو حوار المصداقية سواء مع المسؤولين أو القادة الجماهيريين العرب إلا إذا تمتع المسؤولون الفلسطينيون بالمصداقية والنزاهة والشرعية الشعبية التي وضعت الانتخابات التشريعية بذورها الأولى، والتي يجب أن تتشكل بانتخاب أو التوافق على أعضاء المجلس الوطني في الخارج.

نقطة أخرى مهمة تتعلق بالعلاقات العربية هي المتعلقة بكسر الإطار الذي وضعته حقبة أوسلو وعبر التركيز على العلاقات مع دول عربية بعينها وتجاهل دول أخرى. ومع الإقرار بوجود بعض الدول ذات الثقل السياسي والحضور المهم، إلا أن طبيعة القضية الفلسطينية وتعقيداتها تقتضي حشد أكبر قدر ممكن من الدعم العربي، وهذا ما يستلزم مدّ الجسور مع الدول العربية، وحماس وبما تملكه من علاقات شعبية في معظم الدول العربية مؤهلة حتى لقيادة هذه الثورة أو الانتفاضة على صعيد العلاقات العربية الفلسطينية.

شيء آخر مهم ينبغي الالتفات له هو عدم حصر العلاقات واللقاءات في الإطار الرسمي. لا يمكن نفي أهمية التواصل مع الحكومات والقيادات العربية الرسمية؛ غير أن الأهم من ذلك هو خلق علاقات مباشرة مع الجماهير العربية وممثليها سواء في الأحزاب أو النقابات ومنظمات المجتمع المدني المختلفة. ما زالت الجماهير العربية متعاطفة مع الشعب الفلسطيني، وكلما أتيحت لها الفرصة عبرت عن كامل دعمها للقضية الفلسطينية بغض النظر عن توجهاتها السياسية والفكرية.

لا يمكن بالطبع إعادة بناء وبثّ الحيوية على صعيد العلاقات العربية الفلسطينية دون الاهتمام باللاجئين الفلسطينيين في الخارج، الذين يجب أن يمثلوا جسر التواصل مع الشعوب العربية الأخرى. حماس كما غيرها من الفصائل تدرك أن المهمة جسيمة، فليس ثمة جسم أو إطار يعبر عن اللاجئين في الخارج، ومن هنا تكمن أهمية إعادة بناء منظمة التحرير، كما أن معظم من يتصدّون للعمل الفلسطيني في الخارج هو النطيحة والمتردية وما أكل السبع. الشرفاء إما في القبور أو في البيوت ويجب البحث جيداً عن هؤلاء. الشعب الفلسطيني مليء بالطاقات والمواهب التي لا تجد الأطر اللازمة والصحيحة للتعبير عن نفسها وإبداء قدراتها في خدمة القضية وحلم الوحدة.

في الأخير أعتقد أن حماس تدرك الخلل الأساس الكامن في العلاقات العربية الفلسطينية، كما في الأداء السياسي والتنظيمي الفلسطيني الهام وهو الأحادية والتفرد بالقيادة، على حماس كقائد للمشروع الوطني الفلسطيني أن تقيم أعرض وأوسع ائتلاف وطني في الداخل والخارج، خصوصاً في الخارج، لكي يكون بالإمكان إحداث طفرة حقيقية وفعالة، ليس فقط على صعيد العمل الفلسطيني الداخلي، وإنما أيضاً على صعيد العلاقات الفلسطينية العربية، على اعتبار أن من المستحيل الوصول إلى علاقات صحية وسليمة بينما البيت الفلسطيني يعاني من الثغرات والخلل.



* مدير مركز شرق المتوسط للخدمات الصحفية والإعلامية-بيروت

التعليقات