31/10/2010 - 11:02

الغلاف واحد في ملفات لبنان وأولمرت والسوري الإسرائيلي.. والفلسطيني!../ النائب المحامي سعيد نفاع

الغلاف واحد في ملفات لبنان وأولمرت والسوري الإسرائيلي.. والفلسطيني!../ النائب المحامي سعيد نفاع
كان في كلمات نبيه برّي رئيس مجلس النواب اللبناني الناطق المخول باسم "المعارضة" اللبنانيّة، عمق يتخطى الكلمات بكثير. ففعلا كيف ولماذا لم تستطع مساحة لبنان البالغة عشرة آلاف كيلو متر ونيف أن تجمع الفرقاء اللبنانيين بينما استطاع ذلك كقوله، طائرة قطريّة وفندق قطري ؟

بعد ارتكابي "الجناية الكبرى" وزيارتي للدولة "العدو" سورية وانطلاق التحقيق معي عن لقاءات مزعومة لم أعلن عنها حسب التحقيق، مع قيادات سوريّة وفلسطينيّة خلال هذه الزيارة، طلب لقائي وزارني دون سابق إنذار مدير وزارة الخارجيّة الإسرائيلية في حكومة رابين د.ألون ليئيل مقدما نفسه كرئيس الحركة للسلام الإسرائيلي السوري المسماة " لنتكلم مع سوريّة" والتي تضم في صفوفها العديد من الشخصيات الإسرائيلية التي تقلدت في السابق مراكز هامة وعلى سبيل المثال يعكوب بيري رئيس جهاز الشاباك (المخابرات) الأسبق .

فاجأني جزئيا بما في جعبته وفاجأني أكثر بأنه لم يقنعني بالسبب الذي دفعه للقائي، رغم أنه غطاه بنية حركته التوجه للجهات المعنيّة مطالبة بوقف التحقيق معي ومع وفد المشايخ، وبتبرير أن السلام بين الدول يبدأ بلقاءات بين مواطني هذه الدول! وفعلا بعد أيام وصلتني نسخة عن رسالة وجههتها هذه الحركة للسلطات المختصة ضمنتها الطلب أعلاه.

لقد قلت له سأسجّل كل التفاصيل التي قالها وربما أستعملها يوما فأعطاني الضوء الأخضر، لم أنشر عن الأمر حتى الآن ولكن على ضوء التطورات الأخيرة في الملف اللبناني و"الاولمرتي" والإسرائيلي السوري أرى المناسبة سانحة للنشر، بل أرى أن نشرها هام وفيها حسب اعتقادي إجابات إن لم تكن الإجابات عن أسئلة كثيرة تُتداول هذه الأيام وعلى ضوء الملفات أعلاه والملفات فلسطينيا وعراقيا وإيرانيا .

يمكن أن يكون ملف أولمرت الأخير وراء تزامن النشر عن المحادثات السوريّة الإسرائيلية الجارية بوساطة تركيّة، ولكن كيف ولماذا بدأت مفاوضات مع سوريّة كان يرفضها أولمرت أو على الأصح كان ممنوعا منها على يد صديق إسرائيل الأكبر ولأن في أقصى شرق العالم العربيّ تنهض إيران؟!
أزيد على كلام ،"البهدلة الأدبيّة"، لنبيه برّي... كيف لم تتسع زمانيا ثمانية عشر شهرا لجمع القيادات اللبنانيّة واتسعت لها خمسة أيام، توصلت فيها إلى اتفاق كان بالامكان التوصل إليه كثيرا قبل نهاية الثمانية عشر شهرا ؟

لعل الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في إيجاد الروابط بين كل هذه الملفات بعيدا عن التسطيح الذي تشهده اليوم الكثير من الاجتهادات، وكأن "الجامبو" أو "الإيرباص" القطريّة ما كانت لتتسع لهذه القيادات لولا ما حدث في بيروت والجبل وطرابلس في الأيام التي سبقت، إلا إذا رأينا الذي حدث مرتبط بالملفات أعلاه، وبغض النظر عن النتائج الميدانية العسكريّة والتي منها المخفي أو عدم المعلن، أعظم.

لم يعد يختلف إثنان أن المشروع الصهيو- أميركيّ لاقى فشلا في إخراجه ولذلك لم تأت حلقاته كيفما خُطّط لها أن تكون، رغم الثمرات الجمّة التي قطفها. لم يعد يختلف اثنان أن فشله الجزئي في العراق مثلا خلقته ديناميكية جاءت بتقاطع مصالح أميركيّة إيرانيّة سوريّة. لم يعد يختلف اثنان أن سوريّة تخطّت ما كان مبيتا لها في هذا المشروع بموقفها الممانع والبراجماتي في آن، وكذلك فعل حزب الله بجهوزيّته للمقاومة وترجمتها الميدانية خلال وبعد حرب تموز. وآمل بل أعتقد أن القوى الوطنيّة اللبنانيّة في ال-14 من آذار تخطّت المشروع والتي كانت كذلك ضحيّته ولو من المتراس الآخر، حتى لو جاء هذا التخطّي متأخرا، وقد قيل لبعض رموزها: إنكّ تتكئ على عكاكيز غربيّة وعربيّة في بعضها ستفلت أو تُزال عن سبق إصرار من تحت إبطك عند أول مصلحة لأصحابها، ومصيرك سيكون مصير بطل حكايتنا الشعبية: "الفيل يا ملك الزمان!" .

ما جاء في الفقرة أعلاه بكل مركباته وأبعاده هو الذي جعل الطائرة الجامبو أو الإيرباص القطرية تتسع للقيادات اللبنانيّة ليس قبل أن تتزود بالوقود من العراق ومن تركيا... ومن غزّة، فعلى المدى الأقرب لم يعد الملف اللبناني والحاصل في لبنان، وليس من باب العفّة إنما من باب قصر الشفّة، من أولويات أولمرت وحكومته وبالتالي ليس من أولويات إدارة البيت الأبيض في "الويلات" المتحدة الأميركيّة، أمّا الملف الإيراني وعلى ضوء التقاطع المصالحيّ الحاصل على الساحة الخليجيّة عموما والعراقيّة خصوصا، وما يحصل من حصار لمقاومته الوطنيّة في الموصل ومؤخرا في مدينة الصدر، فهو مؤجل بوضعه ليس في الخزنات إنما على طرف الطاولة مفتوح الغلاف.

تبدّل أمكنة الملفات هذا، إغلاقها المؤقت أو ترتيب وضعيتها لا يجيء بمعزل عن الملف المفتوح دائما والذي لولاه لما فتحت الكثير من الملفات، الملف الفلسطيني وبالذات جزءه "الغزّي". لكن الملف هذا المنسيّ إعلاميا على الأقل بعد أن صارت الدماء اليوميّة فيه تجيء في آخر النشرات الإخبارية، هو في حقيقة الأمر المُموضع دائما في وسط الطاولة حتى وإن علاه مؤقتا ملف آخر ولعله الآن الأسهل لتحقيق ما لم يّحقق لا في لبنان ولا في العراق، والأيام المقبلات حبلى لا يمكن أن تلد إلا مخلوقا مشوّها فالقابلات يشحذن أكثر الأظافر والأنياب للانقضاض عليه قضما إضافيا.

وحيث أن الصراع الشرق أوسطي منذ زمن لم يعد صراع وجود بل صراع حدود، وحيث أن وحدة المسارات العربيّة لم تعد ملزمة منذ بعد مؤتمر مدريد، وحيث أن مبدأ الأرض مقابل السلام صار بوصلة بعد هذا المؤتمر، وحيث أن هنالك مبادرة عربيّة كل الدول العربية جزء منها، وحيث أنه وانطلاقا من كل ذلك حسمت القيادة السوريّة خيارها ومنذ زمن بأن السلم مع إسرائيل الضامن للحقوق والشرعيّة الدوليّة هو خيارها الاستراتيجي وهي قادرة رسميا وشعبيا على تحقيق هذا الخيار، على خلاف الحكومة الإسرائيلية غير القادرة لا رسميا ولا شعبيا على مثل هذه الخيارات، فلا القيادات الإسرائيلية اليوم تتحلّى بالتاريخيّة ولا بالمكانة التي تؤهلها لخيارات تاريخيّة ولا الشعب الإسرائيلي مستعد لمثل هذه الخيارات وهو المُخوّف دائما والخائف من أي سلام وجزؤه التوراتي متمسك بأرض الميعاد واليميني بأرض الأجداد، ومن هنا التشكك في نجاح المفاوضات أو على الأصح الاتصالات الجارية اليوم في تركيا.

كل ذلك ورغم أن أسسها حتى التفصيلية وإذا صحّ ما جاء به "زائري" أحد المدراء العامين لوزارة الخارجيّة سابقا باتت واضحة، فحسب ادعاءاته والتي استغربتها وطلبت تسجيلها وأعلمته أني يمكن أن أنشرها فلم يتردد، فإن الأمور سارت وتسير حول الآتي:

أولا: منذ شهر 4\06 وحتى 7\06 جرت اتصالات برعاية سويسرية فيما بين رجل الأعمال الأميركي -السوريّ إبراهيم سليمان بتنسيق مع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ووزير الخارجية السوري وليد المعلم والجنرال المتقاعد (م. ن) المسؤول عن الملف الإسرائيلي في مكتب رئاسة الجمهورية السوريّة، ومن الجانب الإسرائيلي الحركة أعلاه للسلام مع سوريّة بعلم ومباركة مكتب رئيس الوزراء أولمرت، وآخر هذه اللقاءات قبل أن تتجدد، كانت خلال حرب تموز وقد قطعت لأن إسرائيل رفضت أن يتم لقاء على مستوى وزارات الخارجيّة.

ثانيا : يتم الانسحاب من الهضبة على مدى 10إلى 15 سنة وحتى حدود الرابع من حزيران. ثلث مساحة الهضبة والممتدة على طول الحدود من بحيرة طبريا جنوبا وحتى منحدرات جبال الشيخ شمالا تكون متنزها وطنيا وتحت السيادة السوريّة وبإدارة سوريّة، ويدخلها الإسرائيليون بشكل حر دون أية تأشيرة دخول.

ثالثا : المستوطنون يخلون، وتبقى أملاكهم كاستثمارات لهم داخل سوريّة مع حريّة الوصول إليها وتفعيلها.

رابعا: رغم أن أولمرت أبدى استعداده لنقل الاتصالات للمستوى السياسي ولفتح مفاوضات على هذه الأسس إلا أن الأميركيين رفضوا إعطاءه الضوء الأخضر.

رابعا: في شهر كانون ثاني \2007 نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية خبرا مسرّبا عن هذه الاتصالات وربما هذا ما حدا بزائري أن يعطيني الضوء الأخضر لاستعمال المعلومات إن أردت، فنفت الخبر سورية وإسرائيل رغم مصادقة الحكومة السويسرية على صحته.

خامسا: في شهر آذار 2007 أوصل الرئيس السوري عن طريق الأتراك نوايا إيجابية طالبا تدخلا أميركيا بمعنى علما أميركيا.

سادسا : في شهر تشرين ثاني\07 جُددت الاتصالات على المستوى المذكور وعقدت لقاءات في أثينا وآخرها في موسكو في الأسبوع الأول من شباط 2008.

إذا كانت الإدارة الأميركيّة منعت من إسرائيل رفع هذه الاتصالات للمستوى السياسي وحتى شباط 2008، فكيف يمكن تفسير التغيير في الموقف على غير أنه جزء من إعادة ترتيب الملفات أعلاه وخصوصا الفلسطينيّ المراوح مكانه في جزئه "الرام- اللاوي" والمبيّت له في جزئه "الغزاوي" وللتفرغ لهذا الجزء الذي يكشف يوميا عن عورة الحكومة الإسرائيلية وأولا أمام ناسها وهي بحاجة ماسة لسترها وأمامهم، والنجدات دائما تجيئها من صديقتها؟!

ولعل حزب الله بثقابة البصر والبصيرة التي أثبتت الأيام أنه يتمتع بها قرأ ومسبقا إعادة ترتيب الملفات هذا، فاستعجل حركته وبمعزل عن الكاميرات في مطار بيروت أو شبكات اتصال المقاومة الأرضية وليضع الملف اللبناني على الأقل مؤقتا في زاوية الطاولة الأريح له وقد طُويت بعض صفحاته!

قلنا أنه لا يختلف إثنان أن أولمرت وحكومته غير قادرين على اتخاذ أي خطوة تاريخيّة، ولا الشعب الإسرائيلي مهيأ أو قادر على الموافقة على مثل ذلك لا في الجولان ولا في فلسطين وتعرف ذلك القيادة السوريّة، إذا ما الجدوى من محادثات مباشرة أو غير مباشرة والحال كهذه؟

هنا نستطيع أن نفهم الأصرار السوري أولا على علانية الاتصالات وثانيا الحرص على أن تكون الإدارة الأميركية في الصورة ومباركة لها، ففي نهاية الأمر قرار وتعهد أميركيان هما الوحيدان القادران على إقناع أو إلزام إسرائيل بحكومتها وشعبها القبول بسلام ثمنه الانسحاب من هضبة الجولان وبترتيبات تحفظ أولا ماء وجه إسرائيل وتبعد الخطر الإيراني، ولذلك رأينا سرعة الساسة الإسرائيليين بإعلان شروطهم المسبقة لأي تقدم بفك التقارب السوري الإيراني، وبعد فترة طويلة من تعبئة الرأي العام الإسرائيلي أن الخطر المحدق هو إيراني.

ويبقى السؤال الصعب هل جاء ت إعادة ترتيب الملفات بمعزل عن بعضها ؟
المنطق يقول صحّت الاجتهادات أعلاه أم خطُأت، أن الجواب سلبي! بمعنى أن فتح الملف السوري كما إغلاق الملف اللبناني وتأجيل الملف الإيراني ولو مؤقتا جاءت ضمن إعادة ترتيب لكل هذه الملفات، وكل طرف يحاول تحسين موضعتها على الطاولة بما يضمن مصالحه، وعند أعداء المشروع الأميركو- صهيوني حتى ولو جاءت على حساب الآخرين من ذوي قرباه وله في ذلك تغطيته بعدم وحدانية المسارات.

في كل الحالات كان وسيكون الضحيّة أو دافع الثمن الأكبر لهذا الترتيب، الضحية المزمنة الدائمة، نحن شعب فلسطين في كل أماكن تواجدنا الأمر الذي يحتم علينا كذالك إعادة ترتيب ملفاتنا في وحدة مسارات خاصة بنا، دون أن ننسى أننا كنا شريكين في فصل المسارات ولا نلومنّ أحدا لا على فرقتها ولا على عدم قدرتنا على توحيدها على الأقل في مسارنا ومسيرتنا إن لم نفعل.

التعليقات