31/10/2010 - 11:02

القول الفصل: كفى!../ د.جمال زحالقة

القول الفصل: كفى!../ د.جمال زحالقة
وصل الصراع الفلسطيني الداخلي ذروة جديدة، والأصح حضيضاً جديداً، في المواجهات الدامية في حي الشجاعية، والتي كانت محصلتها أحد عشر قتيلاً وأكثر من مئة جريح وحوالي 200 معتقل ووصل عدد الفارين إلى إسرائيل 181 فلسطينياً. إن ما حدث يستحق الشجب والإدانة، ولا تبرير له مهما اجتهد المتحدثون الرسميون، ومهما ساقوا من كلام.

بعد التوصل إلى اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل، اعتقدنا أنه يجب استغلال الهدوء النسبي لترتيب البيت الفلسطيني، وأن الفرصة مواتية للشروع بالحوار الوطني لتجاوز حالة الانقسام والتشرذم، خاصة وأن المفاوضات التي راهنت عليها السلطة الفلسطينية متعثرة وعبثية وحتى وهمية. جاء ت العملية الإرهابية الإجرامية في شاطئ غزة، والتي ذهب ضحيتها ستة من عناصر حماس، لتنسف الأمل، الضعيف أصلاً، بالتوصل إلى تفاهم للبدء بالحوار الوطني. تلا ذلك حملات الاعتقالات والاعتقالات المضادة في غزة والضفة، إلى أن وصل الأمر إلى حملة "تحرير" الشجاعية من قبضة فتح، تحت ستار البحث عن مطلوبين بالتورط بعملية الشاطئ.

لقد استغلت حماس قضية المطلوبين لسحق ما تبقى من قوة فتح في غزة، استغلتها لإحكام قبضتها على القطاع، ولا يأت ذلك في إطار الصراع على المشروع الوطني والمواقف السياسية، بل في إطار معركة على السلطة والسيطرة، لا علاقة لها بمصالح الناس ولا بالمصلحة الوطنية.

أمر فظيع حدث في غزة. قتلى وجرحى ومعتقلون وهاربون، رعب وخوف وقمع وتنكيل، كل ذلك ليس من الاحتلال، بل من فلسطينيين فقدوا البوصلة وقبروا ضمائرهم في خضم صراع على سلطة تحت الاحتلال، صراع على سلطة قبل أن تكون هناك سلطة حقيقية. لم يكن الأمر فظيعاً فحسب، بل رافقه الخزي والعار، حين اضطر الفلسطيني إلى الهرب من الفلسطيني نحو المحتل، الذي استغل الوضع ليعري تماماً الملاحقين وملاحقيهم.

ترفض الأغلبية الساحقة، والصامتة حتى الآن، من الشعب الفلسطيني ممارسات سلطتي رام الله وغزة. فالناس لا تقبل ولا تتفهم الاستمرار في مفاوضات عبثية، خاصة وأنها الرهان الوحيد لسلطة لا تملك مشروعاً سوى مفاوضات تتلوها مفاوضات، بينما الاحتلال مستمر في توسيع المستوطنات في حصار غزة وخنقها وتحويل الحياة فيها إلى جحيم. والناس لا تقبل ولا تتفهم ما تقوم به حماس من قمع لمعارضيها ومن انتهاك لحقوق الإنسان الفلسطيني، الذي يتلقى ضربات الاحتلال تارة، وضربات الأخوة تارة أخرى.

قد يشعر أبناء وبنات شعبنا باليأس والإحباط من المشاهد الفظيعة والمخزية، لكن هذا ليس برنامجاً للمستقبل، وقد يشعروا بالخزي والعار، وهذا ليس مشروعاً للخلاص. قد يغضبوا ويشتموا ويتخبطوا، فهذا حقهم وهذا شعورهم، فالأخطر منه هو اللامبالاة وعدم الاكتراث بالاقتتال الداخلي وبحالة الانقسام التي تترسخ أكثر فأكثر.

بعد هذا كله المطلوب هو البحث عن مخرج من المأزق ومن الأزمة الخانقة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. هنا لا بد من التذكير بأمور يجب أن تكون بديهية، لكنها ليست كذلك. يجب التذكير بأن الحسم العسكري مرفوض، وبأن الاقتتال الداخلي مرفوض، وبأن انتهاك حرمة حقوق الإنسان الفلسطيني مرفوض، وبأن محاولات الاستئصال مرفوضة.

لا توجد حلول سحرية للخروج من المأزق، فالأزمة عميقة وطريق الخروج منها وعرة وصعبة، إذا أخذنا بعين الاعتبار ما تراكم في النفوس من أحقاد وضغائن، وما تضمره وتعلنه الأطراف المتصارعة من نوايا وأهداف تعرقل الوصول إلى ما يتمناه الشعب الفلسطيني بأسره من وضع حد لجحيم الاحتلال، ولما تسكبه الأيدي الفلسطينية من زيت على ناره.

طريق المخرج معروفة، لكن هناك رفض وعناد بعد السير فيها، واختيار طرق بديلة عنها. للخروج من المأزق الحالي، لا بد من العودة إلى البرنامج الوطني الفلسطيني، الذي هجرته الأطراف المتصارعة، وإلى الوحدة الوطنية التي تحاربها هذه الأطراف، ظنا منها أنها تستطيع الانفراد بالسلطة. لكن ما يرفضه الطرفان المتنازعان اليوم هو الأساس الوحيد الممكن للاتفاق بينهما. لا توجد قوة في الدنيا تجبرهما على الاتفاق سوى أن يتحرك الشارع الفلسطيني بقوة ليقول لهما: كفى!

التعليقات