31/10/2010 - 11:02

القوّة الأميركيّة «الناعمة».. القيادة الأفريقيّة نموذجاً../ علي شهاب*

القوّة الأميركيّة «الناعمة».. القيادة الأفريقيّة نموذجاً../ علي شهاب*
يستخدم واضعو الاستراتيجية العسكرية الأميركية مصطلح «القوة الناعمة» للتعبير عن الأسلوب الجديد في إدارة الغزو بالاعتماد على جملة من الخطوات التي توفر السيطرة والتحكّم من دون الحاجة إلى تدخّل أو احتكاك مباشر بالبيئة المعادية.

في 6 شباط 2007، أعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، أمام لجنة التسلّح في مجلس الشيوخ، أنّ الرئيس جورج بوش اعتمد قراراً بإنشاء قيادة عسكرية أميركية جديدة للقارّة الأفريقية بدلاً من الوضع الراهن الذي يقسّم القارة إلى ثلاث قيادات عسكرية، وهي القيادة التي عُرفت باسم «أفريكوم» AFRICOM كاختصار لعبارة Africa Command.

ومن أجل فهم أهداف القيادة الجديدة، لا بدّ من إدراك الأهمية الاستراتيجية للقرن الأفريقي بالنسبة إلى واشنطن.
إن منطقة القرن الأفريقي على الدوام هي محطّ أنظار الدول الاستعمارية الكبرى، نظراً لما تتمتّع به من أهمية جغرافية واستراتيجية؛ ونظراً لأنّ دوله تطلّ على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكّم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب. ومن ثم، فإنّ دوله تتحكّم في طريق التجارة العالمي، وخاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة. كما أنها تُعدّ ممرّاً مهمّاً لأيّ تحرّكات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي.

ولا تقتصر أهمية القرن الأفريقي على اعتبارات الموقع فحسب، بل تتعدّاها للموارد الطبيعية، وخاصة البترول الذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة في السودان، وهو أحد أسباب سعي واشنطن وبكين تحديداً لإيجاد حلّ لقضية الجنوب، علماً بأنّ الدراسات تشير إلى أن الولايات المتحدة ستستورد، خلال عقد من الزمن، 25 في المئة من احتياجاتها النفطية من القارة الأفريقية، وبصفة رئيسيّة من نيجيريا والجزائر وأنغولا.

أمّا إذا أردنا الخوض في أهداف إنشاء «أفريكوم»، فبالإضافة إلى النفط والموارد الطبيعية، تشير التصريحات العسكرية الأميركية إلى تقصير من قيادتي «يوكوم» و«سنتكوم» في التعامل مع المستجدّات في أفريقيا نتيجة لانهماكهما في الحرب على العراق وأفغانستان، في واقع يفّسر الخطوة الأميركية.

وفي الآونة الأخيرة، عمدت واشنطن إلى توثيق صلاتها مع دول المنطقة. ويُلاحظ أنها بدأت بجيبوتي. ويعود سبب اختيار جيبوتي بالتحديد لعدة اعتبارات يمكن حصرها بالتالي:

ـ موقع جيبوتي بالقرب من اليمن ومضيق باب المندب.
ـ صلاحية موانئها ومطاراتها للاستخدام في نقل العتاد الحربي إلى منطقة الخليج.
ـ تمتّعها بحالة من الاستقرار السياسي.
ـ موافقة جيبوتي، من حيث المبدأ، على الوجود الأجنبي على أراضيها. (هناك وجود عسكري إسباني وفرنسي وألماني وأميركي في جيبوتي).

ومن هنا تمّت الاتصالات الأميركية مع النظام هناك، وأدت إلى قبول الرئيس الجيبوتي عمر جيله السماح بوجود قوات أميركية على أراضي بلاده. وبالفعل وصلت القوات الأميركية إلى البلاد أوائل عام 2002، وتمركزت في قاعدة «ليمونيه» التي يبلغ عديدها 900 جندي، وإن كانت بعض التقديرات الأفريقية تُقدر عديدها بـ 1900 جندي.

اكتمل قوام هذه القوّات في الثالث عشر من أيلول 2002 بوصول حاملة الطائرات «يو إس إس مونت ويتني» إلى المنطقة، وعلى متنها 400 جندي ينتمون لكل أفرع القوات المسلحة الأميركية.

في المقابل، عملت دول مجاورة، وخاصة إثيوبيا وإريتريا، على كسب ودّ واشنطن لكي تقف بجانبهما في مواجهة بعضهما، فعرضت إريتريا على واشنطن، أثناء زيارة وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رمسفيلد إليها، في العاشر من كانون الثاني 2002، استخدام ميناءَي «عصب» و«مصوع» لضرب العراق.

وإلى الأمر نفسه ذهبت إثيوبيا التي عملت على التركيز على قضية القوى الإسلامية «الإرهابية» في المنطقة؛ حيث عاودت أديس أبابا أثناء زيارة رامسفيلد في أواخر عام 2006 التشديد على إمكان قيامها، نيابة عن واشنطن، بشنّ حرب على القوى الإسلامية في المنطقة.

وبالإجمال، يمكن حصر أهداف إنشاء القاعدة الجديدة في أفريقيا بالأسباب الآتية:

ـ تأمين إمدادات النفط من الدول الأفريقية، حيث إنّ خليج غينيا وحده مصدر 15 في المئة من إمدادات البترول الخام الأميركية.
ـ مكافحة «الإرهاب» في القرن الأفريقي.
ـ دعم القيادتين الوسطى (سنتكوم) والأوروبية (يوكوم)، والتخفيف من مهامهما.
ـ محطّة انتقال سريع إلى الخليج. ـ منافسة الصين، اللاعب القوي في أفريقيا.

بناءً على ما تقدّم، يمكننا تفسير الإعلان الأميركي تأسيس قوة عسكرية جديدة خاصة بالقارة الأفريقية تحت اسم «أفريكوم»، بموجبها تصبح القارة بأكملها، باستثناء دولة واحدة هي مصر، التي ستظل خاضعة للقيادة الوسطى (سنتكوم)، ابتداءً من 30 أيلول عام 2008 تحت قيادة عسكرية أميركية واحدة. مع الإشارة إلى أنّ مركز إدارة هذه القيادة قد حُدّد في مدينة شتوتغارت الألمانية، وحتى إشعار آخر، بعدما فشلت المساعي الأميركية بإقناع الحلفاء الأفارقة باستضافة «أفريكوم». وإن كانت هذه المساعي ركّزت في الفترة السابقة على ستّ دول هي إثيوبيا وغانا وكينيا ونيجيريا والسنغال وجنوب أفريقيا، لكنها توسّعت أخيراً لتشمل الجزائر والمغرب وليبيا ومصر وجيبوتي، قبل أن يخرج البنتاغون بنتيجة مفادها أنه «لم يُتَّخَذ بعد أي قرار بشأن المكان الذي سيكون فيه المقرّ العام» للقيادة الجديدة.

وبشكل عام، أبدى زعماء الدول التي استقبلت الوفد الأميركي قلقاً من «الإرهاب» في أفريقيا، من دون إبداء استعدادهم لاستضافة القيادة الجديدة في بلادهم، ما دفع بوكيل وزارة الدفاع الأميركية بريان هنري إلى الإعلان أن الولايات المتحدة تعتزم «توزيع قيادة عسكرية جديدة لأفريقيا عبر عدة دول بدلاً من الاحتفاظ بمقرّ قيادة واحد للقارة»، موضحاً أنّ «العاملين لن يتمركزوا في مقرّ قيادة واحد كبير، بل سيُوَزَّعون عبر دول مختلفة في شتى أنحاء القارة»، علماً بأن قائد القيادة الأميركية في أوروبا «يوكوم» أعلن في شهادة أمام الكونغرس أنه في حال نجاح النموذج المعتمَد في «أفريكوم» فمن الممكن تعميمه على بقية القيادات الأميركية في العالم.

وفي أحدث تقرير مقدَّم إلى الكونغرس عن بنية القيادة الجديدة بتاريخ 16 أيار 2007، يشير مكتب البحوث في الكونغرس إلى أن الموقع المفضَّل بالنسبة إلى وزارة الدفاع الأميركية هو البلد الذي يوفر «استقراراً سياسياً ونظاماً صحياً وتعليمياً متطوراً نسبياً، ومعدلاً منخفضاً من الفساد»، من دون ترشيح أي بلد محدد. لكن التقرير يؤكد أن انتقال القيادة من شتوتغارت إلى أفريقيا قد يستغرق سنوات.

وعن الأدوار الموكَلَة إلى القيادة الجديدة، علقت صحيفة «يونغا فيلت» الألمانية بالقول إنّ «أفريكوم هي سادس قوة أميركية للتدخّل الإقليمي السريع في العالم، وجاء تأسيسها تنفيذاً لخطة وضعها المعهد الإسرائيلي ـ الأميركي للدراسات السياسية والاستراتيجيات المتقدمة التابع للمحافظين الجدد».

وأوضحت الصحيفة الألمانية أن الأهداف الحقيقية لتشكيل «أفريكوم» هي تأمين واردات النفط الأميركية القادمة من نيجيريا، والسيطرة على منابع النفط في منطقة خليج غينيا الممتدة من ليبيريا إلى أنغولا. وأرجع الاهتمام الأميركي بهذه المنطقة إلى اكتشاف النفط هناك أخيراً بكميات هائلة لم يسبق اكتشافها في أي مكان آخر في العالم.

بدوره، علّق الجنرال بيتر بايس، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي بقوله «إن الإرهابيين يريدون إعادة إنشاء خلافة إسلامية لهم في القارة الأفريقية وفي بعض أجزاء آسيا، ونحن بحاجة لأن نعدّ أنفسنا بطريقة تجعلنا قادرين على مواجهة هذا التحدّي»، مضيفاً أن «إنشاء قيادة لأفريقيا هو أنسب طريقة للتصدي لهذه المسالة».

هذا ومن المقرَّر أن يتراوح عديد القيادة الجديدة ما بين 400 إلى 1000 موظّف أميركي ينتمون الى الوزارات الرئيسيّة (الخارجيّة والدفاع)، على أن يرافق ترتيبات إنشاء القيادة حركة بحرية أميركية ناشطة في خليج غينيا تحديداً الذي تشغله حالياً «مدرسة عائمة» مؤلفة من قطع أميركية تزور دول المنطقة بهدف:

ـ تدريب أطقم سلاح البحرية وخفر السواحل في الدول الأفريقية.
ـ تحسين البنية التحتية البحرية، كحماية الموانئ والسفن ومنصات البترول.
ـ تعزيز «الوعي بالملكية» البحرية (أي المياه الخاضعة للبلد)، ما يرتبط بالتمكن من رصد واكتشاف حركة مرور السفن غير المشروعة أو المعادية.
ـ تعزيز القدرة على اعتراض طرق السفن في البحر، كامتلاك القدرة على وقف مرور السفن غير القانونية، علاوة على امتلاك القدرة على القيام بعمليات البحث والإنقاذ.
"الأخبار"

التعليقات