31/10/2010 - 11:02

الكفاح من أجل السلام أم تسوله؟../ هاني المصري

الكفاح من أجل السلام أم تسوله؟../ هاني المصري
تصادف استئناف المفاوضات الثنائية المباشرة، بدون شروط مسبقة، بعد قمة واشنطن مع الترويج لحملة سلام فلسطينية في صفوف الإسرائيليين، هذه الحملة التي تخلط ما بين الكفاح من اجل السلام وبين تسوله، وتدل على طبيعة السلام الذي يمكن أن نصل إليه، إذا استمرت استراتيجية الحياة مفاوضات طريقاً وحيداً.

لم نشاهد شيئاً جديداً جوهرياً بالاحتفالات التي شهدتها واشنطن. فالمشهد معاد وممل. فلقد شهدنا قمماً سابقة في واشنطن وعواصم أوروبية وفي دول المنطقة، ولكنها كلها كانت مؤتمرات متشابهة في أنها لا تملك أية صلاحيات، وهدفها الوحيد الإعلان عن انطلاق جولة جديدة من المفاوضات والتغطية عليها، وتضليل العالم مرة أخرى بالادعاء بأنها قابلة لتحقيق السلام.

فالمفاوضات التي دشنت في واشنطن في الثاني من أيلول لا تحمل جديداً يذكر. فهي مفاوضات تتحكم بها إسرائيل كلياً، وهي تتميز بأن الآمال المعقودة عليها متدنية جداً، أن لم نقل معدومة، لذلك لم نلاحظ اهتماماً حقيقياً بها لا من شعوب المنطقة ولا من وسائل الإعلام المختلفة التي انشغل معظمها بقضايا أخرى وجدها أكثر أهمية.

الجديد هذه المرة أن لعبة المفاوضات تتم على المكشوف، ولا احد يستطيع أن يدعي انه خدع أو لم يكن يعرف. فالمفاوضات تمت وفقاً للشروط الأميركية والإسرائيلية، وهي مرهونة بما يتفق عليه الطرفان، بدون ضمانات ولا مرجعيات ما يترك الحرية كاملة لإسرائيل لتقبل ما تريد وترفض ما تريد، ولتواصل تطبيق مشاريعها التوسعية والعنصرية.

في هذا السياق نستطيع أن نفسر لماذا عارض الشعب الفلسطيني وقواه الحية بأغلبية كبيرة هذه المفاوضات، بما في ذلك داخل "فتح" والمنظمة؟ ولماذا يخشى الفلسطينيون من نجاحها أكثر مما يخشون انهيارها. فنجاح المفاوضات يعني فقط أن حلاً جائراً سيفرض على الفلسطينيين، وأهون الشرور أن المفاوضات ستدور في حلقة مفرغة، لتوحي أن هناك عملية سلام بدون سلام أو ستنهار المفاوضات مع تحميل الفلسطينيين مرة أخرى المسؤولية عن انهيارها.

إن من انتظر أن تحمل قمة واشنطن مفاجأة صدم. فالخطاب الذي ألقاه نتنياهو والتصريحات التي أدلى بها، واللقاءات التي عقدها بينت على الملأ أن المفاوضات بدأت بلا أمل، لأنه لم يسبقها وقف الاستيطان ولا مرجعية متفق عليها، وبلا دور دولي فاعل، وفي ظل سيطرة الأمن الإسرائيلي على غيره من العناوين.

قد يقول قائل إن عملية الخليل ساعدت على وضع الأمن الإسرائيلي في صدارة الاهتمام، وهذا صحيح جزئياً، ولكن من كان يعتقد أن "حماس" وهي التنظيم الفلسطيني القوي الحاصل على الأغلبية بالانتخابات التشريعية، والذي يسيطر على غزة، سيقف مكتوف اليدين، بينما أميركا وإسرائيل وبعض العرب والقيادة الفلسطينية يتصرفون وكأنه غير موجود، بحيث تبدأ مفاوضات مصيرية، يشارك بها وفد باسم الشعب الفلسطيني بدون إشراكه. "حماس" لاعب رئيس في غزة والضفة والشتات، قبل عملية الخليل وبعدها، وإذا لم يتم إشراكها فهي قادرة على قلب الطاولة على اللاعبين أو تخريب اللعبة على الأقل.

تأسيساً على ذلك، كنت ولا أزال من المطالبين بإعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام، قبل المشاركة بالمفاوضات، حتى نفاوض أو نقاوم أو كليهما معاً من موقع قوة ونحن موحدون.

لقد أكد نتنياهو في واشنطن، على مواقفه السابقة وأضاف عليها مطالبته بالاتفاق على إعلان مبادئ لا يتناول القضايا الأساسية، لكي يضع الفلسطينيين تحت اختبار جديد حتى يثبتوا فيه جدارتهم مرة أخرى في تنفيذ ما يطلب منهم لتحقيق امن الاحتلال وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بالمفاوضات.

إن المفارقة المحزنة جداً أن الوفد الفلسطيني الذي لا يملك سوى عدالة قضيته وإيمان شعبه بقدرته على النصر، وبضرورة حل قضيته حلاً عادلاً، يبدأ بالمفاوضات الجديدة من نقطة منخفضة جداً، من برنامج اقل بكثير من برنامج الحد الأدنى (برنامج العودة وتقرير المصير والدولة)، وذلك من خلال انطلاقه، كما أكد الرئيس وصائب عريقات، مما تم الاتفاق عليه مع اولمرت، الذي لا تعترف به حكومة نتنياهو، وليس من البرنامج الفلسطيني والمرجعية الدولية.

فالتأكيد على مبدأ تبادل الأراضي، وإنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وعلى الانسحاب من مساحة تساوي المساحة التي تم احتلالها عام 1967 وليس منها، وعلى وقف المقاومة المسلحة ونبذها والتعهد بمنعها، والاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقات السابقة وخارطة الطريق، والتنسيق الأمني، ومبدأ ضم الأحياء العربية في القدس الشرقية المحتلة للدولة الفلسطينية والأحياء اليهودية (أي المستوطنات) فيها لإسرائيل، والموافقة على حل قضية اللاجئين حلاً متفقاً عليه وفق صيغة كلينتون أي بدون عودة إلى فلسطين 1948، وأخيرا أصبح تجديد التجميد الجزئي للاستيطان هو أقصى ما يطلبه الوفد الفلسطيني، ويمكن أن يعرض عليه "ميني تجميد" بعد أن كان رفض مسرحية التجميد.

أما الوفد الإسرائيلي فهو يبدأ المفاوضات من نقطة مرتفعة جداً، من برنامج الحد الأقصى الإسرائيلي. فنتنياهو يرفض عملياً الاتفاقات السابقة وخارطة الطريق، وكل ما تم الاتفاق عليه مع اولمرت وفي المفاوضات السابقة.

في ظل هذا الوضع فإن أي تسوية يمكن التوصل إليها ستكون في نقطة ما في المسافة بين الموقفين الفلسطيني المتنازل جداً، والإسرائيلي المتطرف جداً. أي ستكون التسوية إذا حصلت، محصلة للهبوط في الموقف الفلسطيني أكثر، بينما سيبقى الموقف الإسرائيلي مهما هبط مرتفعاً جداً ومتمسكاً بالأهداف التوسعية الإسرائيلية.

من نحن يا صائب عريقات؟

عشية بدء المفاوضات بدأت حملة فلسطينية لترويج السلام، بتمويل أميركي وبمبادرة وتنفيذ من أصحاب مبادرة جنيف هدفها الإثبات للإسرائيليين أن هناك شريكاً فلسطينياً للسلام مع إسرائيل. إن توقيت الحملة، قد يكون مصادفة أو مقصوداً، ولكن المهم مضمونها والى ماذا يمكن أن تؤدي.

الاعتراض الجوهري على هذه الحملة أنها تتعامل مع الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، وكأنه مجرد نزاع محدود، شأنه شأن النزاع بين الشركات، أو نزاعات الدول المتجاورة على الحدود والأراضي التي تفصل ما بينها يمكن حله بتنازلات متبادلة وحملات علاقات عامة.

انه صراع وجود لا حدود. صراع على الأرض والحقوق ويستهدف الماضي والحاضر والمستقبل، وله جذور تاريخية واقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية ودينية. صراع بين الاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال.

فالحملة لترويج السلام تنطلق من رؤية مغلوطة للغاية هي أن السلام ممكن وقريب جداً بعد أن تم التوصل إلى اتفاق حول مختلف القضايا، كما قال عريقات، وانه بحاجة إلى كسر الحاجز النفسي، أو إلى حملات متلاحقة للعلاقات العامة.

إن السلام العادل أو المتوازن بعيد، والدولة المستقلة الحرة على حدود 1967 ليست على مرمى حجر، والدليل على ذلك ما يجري على الأرض والهوة الشاسعة جداً بين الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني.

تأسيساً على ما سبق فإن اخطر ما في هذه الحملات أنها تشوه طبيعة الصراع وتقفز عن حقائقه وتحمل الضحية المسؤولية عن عذابها، وتساوي في أحسن الأحوال بين الضحية والجلاد، بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وبسبب هذا المفهوم المشوه للصراع يمكن أن نفسر، ما قاله صائب عريقات في هذه الحملة.

فهو قال: أعرف أننا خذلناكم ( وفي ترجمة أخرى خيبنا أملكم) أعرف أننا لم نتمكن من تقديم السلام طوال الـ19 سنة الماضية.

ليسمح لنا أبو علي أن نسأله: ما المقصود بكلمة إننا.
اما أن المقصود بها نحن الفلسطينيين، وهذا أمر خطير جداً لأنه يحمل الضحية المسؤولية عما فعله الجلاد بها.
أو أن المقصود بأننا أي نحن الفلسطينيين والإسرائيليين، أو المفاوضين من الطرفين، وبهذا يساوي عريقات بين الضحية والجلاد، بين المحتل والواقع تحت الاحتلال.

وهنا نسأل: من الذي يتحمل المسؤولية عن عدم التوصل إلى السلام نحن آم هم ؟؟ ألم تذهب القيادة الفلسطينية بعيداً جداً في التنازلات من اجل السلام. وماذا حققت بالمقابل. وماذا فعلت إسرائيل من اجل السلام؟

على إسرائيل إن تنظم حملات سلام لتكفر عن احتلالها وعدوانها وعنصريتها ضد الفلسطينيين. وإذا كان لابد من تنظيم حملات توعية من اجل السلام، فلابد أن تنطلق من مواقع الكرامة والدفاع عن الحقوق والثقة بالفلسطينيين وقضيتهم والإيمان بقدرتهم على تحقيق حقوقهم وأهدافهم، ومن اجل ترويج الرواية الفلسطينية، التي تقوم على الحقائق.

و أخيرا أتساءل ماذا حققت حملات الترويج السابقة للسلام، سواء لمبادرة جنيف، أو لمبادرة السلام العربية؟ إنها أضاعت الجهد و المال وعمقت الخلافات والانقسامات الداخلية وحرفت الأنظار عن حقيقة الصراع.

ماذا نكسب إذا أقنعنا الإسرائيليين بأننا نحبهم و نريد السلام و خسرنا حب وثقة الفلسطينيين؟.
وأسأل ياسر عبد ربه أين شريكه يوسي بيلين، وأين حزبه السابق والأحزاب التي تؤيد السلام ؟. ولماذا ترك بيلين السياسة، ومن يؤيد الآن اتفاقية جنيف في إسرائيل رغم من انطوت عليه من تنازلات فلسطينية بالجملة والمفرق، مع أن من أقدم على توقيعها أشخاص قياديون في المنظمة و السلطة، في حين أن من وقع عليها من الإسرائيليين هامشيين جدا ولا يمثلون أحدا تقريبا في إسرائيل؟

أسأل هل أصبح الإسرائيليون بعد حملات السلام أكثر قرباً للسلام أم ابعد؟ لعل نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ومعارضة أغلبية الإسرائيليين لدفع ثمن استحقاقات السلام تقدم الجواب الحاسم على هذا السؤال؟

إن السلام لا يتحقق بحملات العلاقات العامة، ولا بالتوسل والتسول وإنما بالكفاح وبالوحدة على أساس البرنامج الوطني والشراكة، وبالكفاح الرامي لإيجاد حالة، تجعل إسرائيل ومن يدعمها، يدفعون ثمناً جراء الاحتلال، أكثر من الأرباح التي تعود عليهم!!!

التعليقات