31/10/2010 - 11:02

الكلام عن الحرب يتأكد بقنابل «دييغو غارسيا» أم يتبدد؟../ خليل حرب

الكلام عن الحرب يتأكد بقنابل «دييغو غارسيا» أم يتبدد؟../ خليل حرب
تجددت التكهنات حول احتمالات الحرب على إيران بعدما نشرت صحيفة «صنداي هيرالد» الاسكتلندية قبل عشرة ايام تقريراً كشفت فيه عن شحن عشر حاويات من كاليفورنيا الى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، تحتوي المئات من القنابل الخارقة للتحصينات، والتي قد تستخدمها القوات الأميركية في حال قرر الرئيس باراك اوباما اللجوء الى خيار عسكري.

وبطبيعة الحال، فإن الكلام عن الحرب في المنطقة، لم يكن ينتظر هذا التقرير الاسكتلندي المنقول عن بيانات شحن للجيش الأميركي حصلت عليها الصحيفة والتي تحمل تاريخ كانون الثاني الماضي. ومعلوم ان جزيرة دييغو غارسيا، البريطانية السيادة، كان لها دور بارز، وما زال، في الحربين الدائرتين في أفغانستان والعراق، والتي يستخدمها الأميركيون بموجب اتفاقية وقعت عام 1971.

لكن الحديث عن نقل هذا العدد الكبير من القنابل الخارقة للتحصينات، وفي مثل هذا التوقيت، وبعد انتهاء ما كان يفترض انه «مهلة» أميركية منحت لطهران حتى نهاية عام 2009 للتجاوب مع شروط الدول الست، عزز المخاوف بأن ادارة اوباما ربما تتحضر، للتعامل مع التهمة التي يحاول الإسرائيليون إلصاقها بإيران، بانها «الخطر النازي» الجديد الذي يهدد العالم، وبأنها تخفي برامجها النووية في باطن الأرض.

كما عزز التقرير خيال المراقبين والمحللين، لدرجة دفعت مدير مركز الدراسات الدولية والدبلوماسية في جامعة لندن دان بليتش الى القول «انهم يستعدون لتدمير ايران...القاذفات الاميركية مستعدة اليوم لتدمير 10 آلاف هدف في ايران خلال ساعات».

لكن بليتش نفسه الذي قال للصحيفة الاسكتلندية ان قرار الحرب ما زال بيد اوباما وربما يقرر انه من الافضل ان تتحرك الولايات المتحدة بدلاً من ترك اسرائيل تقوم بهذا العمل، عاد وقال لـ«السفير» إن العالم «لم يصل الى نقطة اللاعودة» في الذهاب الى الحرب.

وقال بليتش، الذي عمل في السابق مستشاراً لحكومات بريطانية وأميركية، إن كلامه التحذيري يعكس «وجهة نظره بأن أي هجوم تنفذه الولايات المتحدة، سيكون كبيرا»، محذراً من مخاطر «إثارة عش الدبابير» في الشرق الاوسط، داعياً في المقابل الى التركيز على جهود التوصل الى «تسوية إقليمية تتضمن نزع الأسلحة النووية من اسرائيل وفقاً لالتزامات الامم المتحدة ومعاهدة منع الانتشار النووي، وإقامة منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط».

وفي حين ان رئيس «الحملة الاسكتلندية لنزع الاسلحة النووية» الان ماكينون يعرب عن مخاوفه من معنى هذه المعلومات، التي تذكره بما كان سائداً «قبل الحرب على العراق عام 2003»، فإن الكاتب في مجلة «نيوزويك» الاميركية كريستوفر ديكي يربط بين ما يجري إيرانياً وإسرائيلياً وفلسطينياً، بالقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يعمل على إشعال حرب «عالمية ثالثة» في العالم الإسلامي، بدعوى حماية إسرائيل، ضارباً المصالح الأميركية عرض الحائط.

ديكي الذي انتقد حكومة نتنياهو قائلاً إنها «تحاول ابتزاز الشريك الأميركي عبر اللعب على الحبلين، بالتهديد بتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، وتعريض المصالح الأميركية في منطقة الخليج للخطر، كلما مارست الإدارة الأميركية مزيداً من الضغوط على إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية».

يرى الكاتب الاميركي أن ضربة إسرائيلية ضد إيران، ستثير «تبعات» لا تحمد عقباها، خليجياً وعراقياً وأفغانياً. معهد «راند»، المقرب من وزارة الدفاع الأميركية، يقر في الوقت ذاته، أن الحرب على العراق «أعادت رسم المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط»، بما في ذلك «صعود النفوذ الإيراني في المنطقة.. وبحدود أكثر مما هو معترف به». وفي تقرير مؤلف من 217 صفحة، يعتبر «راند» أن إقامة «تحالف مناهض لإيران ليس خياراً غير واقعي فحسب، بل إنه قد يعزز موقع المتشددين الإيرانيين، في وقت تشهد فيه المنطقة توترات وانشقاقات غير مسبوقة ومتنامية»، محذراً من المبالغة في إظهار الدعم الأمني الأميركي للحلفاء الإقليميين «لكي تتجنّب واشنطن إعطاء الانطباع بأنها تخلق منظومة أمنية من طراز الحرب الباردة، من أجل الوقوف في وجه إيران»، مقترحاً في توصياته إجراءات «بناء الثقة، للتقريب بين إيران وجيرانها».

لا تختصر مثل هذه المواقف الأجواء السائدة داخل الولايات المتحدة، فهناك بالتأكيد العديد من صقور الحروب من سياسيين ونواب وصحافيين وكتاب، لكنها تشير الى مستوى النقاش الدائر على اكثر من صعيد والذي يرتقي احياناً كثيرة، وبخلاف ما هو معتاد، الى حدة في النقد والاتهامات التي تطال اسرائيل كما هو وارد في مقال «نيوزويك» مثلاً، او كما ورد في مقال آخر في صحيفة «لوس انجلس تايمز» للكاتب دويل مكمانوس الذي يفند زعم «الصقور» داخل الولايات المتحدة، بأن «الخيار العسكري هو الخيار المتبقي، كما حدث في حرب عام 2003»، عندما قررت واشنطن غزو العراق، مشيراً الى ان الجيش الاميركي لا يرغب في خوض حرب ثالثة، إلى جانب حربي العراق وأفغانستان، داعياً الى اعتماد خيار «الاحتواء» كبديل عن الحرب.

يعدد مدير مركز «ناتو ووتش» ايان دايفز، الذي يتخذ من لندن مقراً له، سلسلة من الأسباب التي تستبعد لجوء اوباما الى الخيار العسكري في الوقت الراهن حتى على الرغم من التقارير حول نقل القنابل الخارقة للتحصينات الى جزيرة دييغو غارسيا.

يتحدث دايفز لـ«السفير» واضعاً خطوة نقل هذه القنابل المتطورة في إطار «تعزيز القدرات» وتوفير كافة الخيارات أمام الرئيس الاميركي، اذا ما قرر الذهاب الى الحرب، وهو قرار «ما زال بعيداً»، بحسب ما يؤكد الباحث البريطاني، مذكراً بأن الرسالة التي حرص «البنتاغون» على توجيهها في المرحلة الماضية، هي ان أي هجوم على إيران سيخلق اضطراباً وسيكون مكلفاً على الجهود الأخرى في المنطقة.

القنابل، برأي دايفز، ربما تكون وجهتها الحقيقية أفغانستان حيث تصاعد النشاط العسكري الاميركي هناك خلال الأسابيع الماضية، ما قد يعني انها عملية «إعادة تخزين» لذخائر، موضحاً أن طراز القنابل وكميتها، تبدو «غير مناسبة» لهجوم على التحصينات الإيرانية التي ربما تستهدف، وتحتاج على ما يبدو الى قنابل اكثر قوة تدميرية.

ولهذا يستخلص دايفز قائلا «لم نقترب من نقطة اللاعودة. والحرب ليست محتومة دائماً» على الرغم من ان المفاوضات على شفير الفشل بسبب خليط من الأسباب المعقدة.

وقال دايفز انه «اذا سألت لماذا رفضت إيران اليد الممدودة لأوباما، فعليك ان تنظر الى إرث سنوات بوش، بما في ذلك كيف ان حرب العراق عززت موقع ايران في المنطقة، واذا سألت لماذا من الصعب استمالة الصين، فتذكر التغيير في موازين القوى، بالإضافة الى تنامي تعطش الاقتصاد الصيني للنفط الإيراني، واذا سألت لماذا تؤدي ادارة اوباما هذا الدور بهذا الشكل، فعليك ان تنظر الى الضغوط التي تمارس من الكونغرس والخوف من ان اسرائيل قد تقوم بعمل عسكري من طرف واحد ضد المنشآت النووية الإيرانية».

«هناك مساحة أمام حل دبلوماسي»، يقول دايفز، ويرفض الرأي المؤيد للحل العسكري، لأنه سيكون خياراً فاشلاً في تدمير البرنامج النووي الايراني. وعدد الخبير في شؤون حلف شمال الاطلسي خمسة اسباب تبرهن على مقولته، اولها ان الهجوم سيؤدي في احسن الأحوال الى وقف تقدم البرنامج النووي الايراني مؤقتاً، وسيؤدي على الأرجح الى تسريعه بشكل سري، وستنسحب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، وتلغي كل عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وثانياً، يشير دايفز، الى ان ايران لديها القدرة على الرد على المصالح الاميركية والغربية في العراق وأفغانستان وغيرهما. وثالثاً، ان الولايات المتحدة تفتقر للقدرة على فتح جبهة ثالثة في الشرق الاوسط.
ورابعاً، سيكون من الصعب توقع التداعيات الإقليمية. وخامساً، سيكون أي عمل عسكري ضد ايران بمثابة «المسمار في نعش الحركة الديموقراطية» في ايران نفسها.

تظل مثل هذه المقولات في اطار التحليل الذي يحتمل وجهي الصواب والخطأ. فالقرارات تتخذ في اروقة اخرى، خارج اعمدة الصحف وزوايا الكتاب والصحافيين. في لقاء مؤخراً مع مسؤول اوروبي رفيع المستوى، التفت للاجابة على سؤال عما اذا كانت اسرائيل تسعى الى الحرب، قائلا بلهجة قاطعة «بالطبع»!
"السفير"

التعليقات