31/10/2010 - 11:02

المحاولات اليائسة والإنقاذ المستحيل../ عوني صادق

المحاولات اليائسة والإنقاذ المستحيل../ عوني صادق

العرض الذي قدمه رئيس الوزراء “الإسرائيلي” إيهود أولمرت إلى السلطة الفلسطينية بوصفه اقتراحاً لتسوية نهائية للقضية الفلسطينية، كما نشرت تفاصيله صحيفة “هآرتس” (11/8/2008)، ترافق مع عودة رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، أحمد قريع، من واشنطن وتصريحاته حول الحصيلة النهائية لهذه المفاوضات التي استمرت شهوراً وانتهت إلى فشل ذريع عبر عنه قريع مراراً، ودلت عليه تلميحاته الأخيرة إلى احتمال مطالبة الجانب الفلسطيني بدولة واحدة “لقوميتين” بما يعنى إقراره بسقوط واستحالة الوصول إلى ما يسمى “حل الدولتين”. هذا العرض، بما أفصح عنه وأعلنه وما لم يفصح عنه أو يعلنه، يؤكد على حقيقتين كان يجب أن تكونا بدهيتين وكان على الفلسطينيين أن يعرفوهما، على الأقل، منذ تبينت آفاق الحل الذي قيل إنه موجود في “اتفاق أوسلو” وتأكد للفلسطينيين أنه غير مقبول، لأنه حل، وكما يراه الصهاينة في التطبيق، لا يتفق مع أي حد أدنى لتطلعات الشعب الفلسطيني، وهما:

1) أن القيادات السياسية في الكيان الصهيوني، بدءاً بإسحق رابين الذي ولد الاتفاق على يديه، لم تكن تنوي في أي وقت من الأوقات الاعتراف بالحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، بل كانت منذ البداية تحاول الوصول إلى شرعنة الاغتصاب وتحقيق الأهداف التوسعية ذاتها في الأرض والسيطرة على ما يتبقى منها، وما تعتبره تخلياً منه عن “أرض إسرائيل” والذي اعتبرته دائماً “تنازلات مؤلمة”، بأقل الخسائر الممكنة وبموافقة الجانب الفلسطيني.

2) أن القاعدة العامة في مسألة المفاوضات تظل فاعلة وسارية المفعول وصحيحة، وهي أن نتائج أية مفاوضات في ظل ميزان قوى مختل لمصلحة طرف من الأطراف لن تنتج إلا ما يقبله ويوافق عليه هذا الطرف، وبالتالي وجب أن يكون الفشل الذي انتهت إليه المفاوضات بعد خمسة عشر عاماً متوقعاً ومنتظراً، ولا يصح أن يحمل أية مفاجأة لأي مفاوض حسن النية مهما ضعفت بصيرته.

مع الوصول إلى النتيجة التي وصل إليها المتفاوضون والتي تجسدت في عرض أولمرت الأخير، يتبادر إلى الذهن سؤال: هل كان إيهود أولمرت ووفده المفاوض يتقدمان بهذا العرض الذي تقدما به وهما يتصوران أن الجانب الفلسطيني سيقبل به؟ وإذا كان الجواب بالنفي، ويجب أن يكون بالنفي، فلماذا تقدما به الآن؟ بالنسبة للشق الأول من السؤال، من المبالغة غير المبررة أن يتصور أحد أن أولمرت تصور أن الرئيس محمود عباس أو أن أحمد قريع يستطيعان أن يقبلا عرضه، لسبب بسيط لا تحتاج معرفته للدخول في تفاصيل العرض، وهو أن ليس هناك فلسطيني، كائناً من كان، ومهما كانت مواصفاته، سيئة أو حسنة، قادر على إنهاء الصراع التاريخي عبر التخلي عن القدس.

إذن، لماذا يتقدم أولمرت بعرضه في هذا الوقت بالذات، وقت يفترض أنه “زمن البط الأعرج” بالاصطلاح الأمريكي؟ فنحن جميعا نعلم أن جورج بوش وإيهود أولمرت ومحمود عباس، وهم من يقودون المفاوضات الجارية، في حكم المنتهية صلاحياتهم، وكلهم ذاهبون في مطلع العام المقبل، وقد يذهب أولمرت قبل ذلك، الأمر الذي قد يجعل العرض في نظر أي مراقب مجرد محاولة يائسة لملء الفراغ الباقي بأية لعبة ليس لها من هدف غير تمضية الوقت ليس إلا. مع ذلك، فإنه يمكن لأولمرت أن يرى في محاولته اليائسة “محاولة إنقاذية” له ولغيره. فمن جهة، قد يفكر أولمرت في أنه إن نجح في تمرير عرضه على الجانب الفلسطيني يمكن أن يخلق لنفسه فرصة جديدة للبقاء في السلطة، حيث يسهل عليه ساعتئذ التراجع عما وعد به من حيث عدم التنافس على رئاسة حزب “كاديما” في السابع عشر من سبتمبر/ أيلول المقبل، وسيكون بطلا في نظر “الإسرائيليين” لأنه يكون قد نجح في ما عجز عنه كل أسلافه. ومن جهة أخرى، يمكن أن يخدم بعرضه المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، ويقايض بها على مطالب ترفض إدارة بوش الاستجابة لها الآن. أما إن فشل في تمرير هذا العرض فإنه يكون قد حاول وأثبت أنه مخلص ومطيع للتعليمات الأمريكية.

المشكلة أن عمليات “الإنقاذ” دائماً تحتاج إلى أفعال “نوعية”، والمشكلة في محاولة أولمرت “الإنقاذية” أنها لا تنطوي على شيء من تلك الأفعال، بل هي لا تمتلك أي إمكان على “خداع” من يقدم العرض لهم، وصاحبها لم يكلف نفسه أن “يناور” ليغطي على أكبر نقيصتين في أي عرض يمكن أن يقدم للفلسطينيين، فهي تقول لهم بحزم وبصراحة ووضوح: لا عودة للاجئين، ولا عودة للقدس. فمن من الفلسطينيين يستطيع أن يقبل عرضاً كهذا؟ هذا يؤكد مرة أخرى أن أولمرت، مهما حاول أن يخدع نفسه، يظل على وعي كامل بوضعه الميؤوس منه وعجزه الكامل عن فعل أي شيء، ليتبين أن ليس وراء محاولته غير اليأس والملل، وربما رفع العتب.

يبقى تحذير لا بد منه، مع افتراض أن لا حاجة إليه. الآنسة “كوندي” قادمة، وعلى الرئيس محمود عباس ألا يستمع إلى ما ستقول، لأن ما ستقوله لن يكون أقل من دعوة إلى الإفك والغواية، بل والخطيئة الكبرى، التي لا غفران بعدها مهما حسنت النيات.
"الخليج"

التعليقات