31/10/2010 - 11:02

المرأة العربية سلاح دمار شامل؟../ فيصل جلول

المرأة العربية سلاح دمار شامل؟../ فيصل جلول
تشترك أطراف عديدة في مشروع عالمي، يُقدم بوصفه خشبة خلاص للمرأة العربية، من التخلف والسيطرة الذكورية القروسطية، ويمول من صناديق تسمى (كذباً) غير حكومية. هل يجب أن نشد على أيدي أصحاب هذا المشروع بنصوص مؤيدة، أم نعترض على مساعيهم بنصوص نقدية؟ الجواب عن السؤال ليس سهلاً كما يبدو للوهلة الأولى؟

يعتبر أسياد عالمنا المعاصر أن المرأة في بلداننا أحد أهم “أسلحة الدمار الشامل”، لذا تراهم يفتشون عنها، ويرسمون الخطط للوصول إليها، وتغيير نمط حياتها، وجعلها كنظيرتها الغربية على أن يكون مثالها الأعلى: مونيكا بللوتشي أو أدريانا كارامبو أو جولييت بينوش أو شارون ستون أو جوليا روبرتس أو أنجلينا جولي أو كلاوديا شيفر أو نعومي كامبل، وربما نانسي وأليسا وهيفاء وروبي ومادلين وغيرهن من اللبنانيات والمشرقيات اللواتي يشغلن القسم الأكبر من الشاشات العربية، ويستأثرن بالوقت الأهم من المشاهدين العرب.

وعندما أنسب لأسياد العالم نظرتهم المذكورة إلى المرأة العربية، والمسلمة بوصفها أحد أهم أسلحة الدمار الشامل في بلداننا، فإنني لا أتوخى المبالغة، وذلك للأسباب التالية:

* أولاً: أسياد العالم - والصهاينة من ضمنهم - يخافون من الديمغرافيا العربية المتفجرة عندنا، ومن الانحسار الديمغرافي عندهم، مثال: كان عدد سكان مصر في مطلع القرن التاسع عشر ثلاثة ملايين نسمة، وكان عدد سكان فرنسا عشرين مليون نسمة، واليوم فاق عدد المصريين عدد الفرنسيين وإذا استمرت الدورة الديمغرافية الغربية والعربية على وتيرتها الراهنة، فقد تختفي إيطاليا من الوجود خلال ثلاثة أرباع القرن، بسبب النقص في الولادات، وقد يصبح عدد الفلسطينيين أكثر من عدد “الإسرائيليين” بعشرة أضعاف، وهم كذلك اليوم على مستوى رئاسة الوزراء، ذلك بأن رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية لديه 15 طفلاً في حين يحتفظ أولمرت بولد واحد وربما لا شيء.

إذن تمثل المرأة العربية والمسلمة في عرف أسياد العالم خطراً مفترضاً، يرقى إلى خطر أسلحة الدمار الشامل، فهي تنجب وترعى وتربي أولادها وفق التقاليد العربية والإسلامية، وبالتالي لعبت وتلعب دوراً مركزياً في الحضارة العربية الإسلامية.

* ثانياً: في الحسابات الليبرالية ينظر إلى سكان الكرة الأرضية بوصفهم مستهلكين، وبالتالي يتوجب تحريرهم من المعوقات التي تعرقل اتصالهم بالسلع الاستهلاكية، وعليه ينظر للعالم الإسلامي بوصفه يضم مليار مستهلك، نصفهم من النساء اللواتي يمكن أن يشكلن قوة شرائية لا يستهان بها للسلع الوافدة من وراء المحيطات، إن كانت شروط حياتهن مصممة على المثال الغربي.

* ثالثاً: تعتبر المرأة ركناً تأسيسياً في المجتمع، وكل محاولة لتغيير شروطها هي بالضرورة محاولة لتغيير شروط المجتمع، وبالتالي تحريك نصفه ضد النصف الآخر، وهنا يرى أسياد العالم أن إقناع المرأة بمثال هيفاء ونانسي وروبي يقود بالضرورة إلى اعتماد قيم سائدة عالمياً وكلية القدرة، وبالتالي الانضباط في الهرمية الحضارية المعولمة بلا ممانعة وبلا اعتراض وفق المعادلة التالية: أنتم العرب متخلفون ونحن متقدمون. تقدمكم هو في السير على خطانا، لتصبحوا مثلنا، وكل ممانعة من طرفكم هي فعل رجعي لا جدوى ولا طائل منه.

مشكلة هذه المعادلة تكمن ليس فقط في أننا لن نصبح مثلهم، لأننا لا نحتفظ بشروط تقدمهم، بل لأننا عندما نحتفظ بشروط تقدمهم تنتفي أسس المعادلة نفسها وتسقط هرمية التخلف والتقدم، وهو ما لا يرغب فيه أسياد العالم، وإن أكدوا العكس فإن تأكيداتهم تمر على الأغبياء وحدهم، وهؤلاء لا يشكلون غالبية العرب والمسلمين أقله في الأمد المنظور. اكتفي بهذا القدر من الأسباب، وأعود إلى قضية المرأة من زاويتنا نحن عبر سؤال آخر: هل المرأة الغربية نموذج للحرية والتقدم؟ ما خلا المظهر الخارجي يبدو أن واقع المرأة في بلدان السيادة العالمية لا يتناسب مع صورتها الترويجية تماماً، كما أن نانسي وهيفاء وروبي لا يعكسن واقع المرأة اللبنانية والمشرقية عموماً.

في هذا الصدد، تشير استطلاعات الرأي في فرنسا إلى أن امرأة من كل عشر نساء تتعرض للضرب من زوجها أو صديقها. إذا افترضنا أن فرنسا تضم 35 مليون امرأة، فهذا يعني أن أكثر من ثلاثة ملايين يتعرضن للعنف المنزلي. إذن رغم الصورة المشرقة المروجة في وسائل الإعلام مازالت النساء يتعرضن للضرب بالملايين في بلد النور. لا حاجة في هذا المقام للحديث عن الاغتصاب والتحرش الجنسي، وعن قضايا حميمية بين الزوجين، فالإحصاءات المنتشرة في الغرب حولها لا تدعو إلى الفخر.

لا نريد مما سبق تمجيد التخلف الذي تعيشه بعض النساء في عالمنا العربي والإسلامي، مع التأكيد على أن مصير المرأة في بلداننا يتعلق جوهرياً بالمصير الذي نختاره لمجتمعاتنا، وهذا المصير أراه أقرب إلى النموذج الياباني منه إلى النموذج الغربي. بعبارة أخرى نريد التقدم للرجل وللمرأة من الموقع المختلف، فالعالم ما كان وهو ليس الآن ولن يكون أبداً على صورة واحدة ومثال واحد.

"الخليج"

التعليقات