31/10/2010 - 11:02

المسارات المفتوحة../ خالد خليل

المسارات المفتوحة../ خالد خليل
نجحت إسرائيل في السنوات الأخيرة بتغيير موقعها في معادلة الأمن القومي في منطقة الشرق الأوسط، بعدما وثّقت علاقاتها بالنظام الرسمي العربي، لتتحول إلى مرحلة التنسيق التام معه في أولويات الأمن والاستقرار في المنطقة، حيث أصبح هذا النظام بمعظمه مجندًا في المعركة الأمريكية- الإسرائيلية الكبرى ضد ما يُسمى "الإرهاب"، الذي تندرج في إطاره جميع حركات المقاومة بأشكالها المختلفة، علاوة على الدول والأنظمة "الإرهابية"، وفقًا للمفهوم الأمريكي مثل نظام البعث في العراق والنظام الإيراني في الجمهورية الإسلامية، ونظام طالبان في أفغانستان.

منذ عام 2001 وحتى الآن نجحت الولايات المتحدة بالقضاء على النظام البعثي ونظام طالبان واستبدالهما بالقوة بنظم أخرى مموّلة وموجهة من أمريكا وحلف شمال الأطلسي. وبحسب الاستراتيجية الأمريكية لم يتبقَ سوى النظام الإيراني المصنف أمريكيا كخطر استراتيجي على الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي وأمن الخليج بشكلٍ عام.

وتعتقد أمريكا وإسرائيل أن الحل الأمثل للمنطقة يكمن في تغيير النظام الإيراني-الإسلامي واستبداله بنظام ليبرالي تابع للولايات المتحدة أو متحالف معها، الأمر الذي من شأنه أيضًا حسم المسألة مع النظام السوري الذي رغم تصنيفه داعمًا للإرهاب في لبنان وفلسطين والعراق، إلا انه نظام قابل للكسر ولي العنق حتى دون تغيير جذري له، وفقًا للرؤية الأمريكية والإسرائيلية، خاصة إذا ما تمّ تجريده من حليفه الرئيسي إيران وتعميق العلاقات الاقتصادية معه من قِبل أوروبا والولايات المتحدة لإخراجه من أزماته الاقتصادية الحادة.

يلاحظ في الآونة الأخيرة أن إسرائيل وأمريكا نجحتا أيضًا بالتأثير على الموقف الروسي تجاه إيران وسوريا، إن كان من خلال انتزاع موافقة مبدئية على العقوبات أو في مجال وقف تزويد إيران وسوريا بالأسلحة في مقابل تعميق العلاقات الغربية والإسرائيلية مع روسيا فيما يتعلق بالتبادل العلمي والأسلحة والعلاقات التجارية بشكلٍ عام. وتشهد هذه العلاقات تطورًا متصاعدًا تحديدا منذ استلام مديديف للسلطة.

في ظل حكومة نتانياهو تمت إعادة صياغة الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية بشكلٍ أكثر وضوحًا وتحديدًا كما ورد على لسان جميع أقطاب هذه الحكومة، بدءً من رئيس الوزراء ومرورا بوزير الحرب باراك وانتهاءً بوزير الخارجية ليبرمان، ووفقًا للصياغة الجديد تعتبر إيران العدو الأول والخطر الاستراتيجي الأكبر على إسرائيل والمنطقة، وبناءً عليه تعمل إسرائيل مع أنظمة "الاعتدال العربي" على محاصرة إيران ومخاطرها. ليس خافيًا أنّ هذا الهدف انتقل من مرحلة الإعلان إلى مرحلة التنفيذ، ما تجلى واضحًا في الحملات والأزمات المفتعلة مِن قِبل النظام المصري والسعودي مع إيران في عدد من الملفات التي كان آخرها حرب صعدة في اليمن واتهام النظام الإيراني بدعم الحوثيين من أجل تقويض النظام اليمني وتهديد الحدود السعودية.

هذا علاوة على الحملات المنهجية للنظام المصري وأبواقه في التحريض المتواصل والمثابر على إيران وتبيان ما تشكله من أخطار على المنطقة وأمنها.

إسرائيل إذًا نجحت أن تنتقل من موقع العدو الأول للعرب والخطر الاستراتيجي الأساسي على الأمن القومي العربي، إلى موقع الحليف الاستراتيجي للأنظمة "العربية المعتدلة" في مواجهة الخطر الإيراني.

لا شك أن مخطط تحييد سوريا وإقصائها عن التحالف مع إيران وإدخالها بالتالي في التسوية السياسية، أو عزل إيران وضربها وتغيير النظام فيها هو مخطط متشابك ومتداخل الأهداف والآليات، إلا انه يصطدم بعوامل كثيرة من شأنها إعاقته وتعطيله، من ضمنها الموقف التركي الذي يتميز باستقلالية نسبية تتوافق مع استراتيجية تركيا التي تهدف إلى خلق توازن إقليمي لا تحكمه قوانين وقواعد التفوق الكلاسيكية، فتركيا لا ترى أن السياسة في الشرق الأوسط يجب أن تقوم على مبدأ التبعية للولايات المتحدة أو العداء لها، وترى أن مصالحها ودورها يتعززان أكثر بوجود النظام الإيراني "المشاكس" وليس بالضرورة "النووي". وفي حين ترفض تركيا أن تتسلح إيران نوويًا، فهي ترفض أيضًا التفرد النووي الإسرائيلي وإبقاء حالة التفوق اللامحدود لإسرائيل على هذا الأساس.

وباعتقادنا أن ثبات وصلابة الموقف التركي سيكون لهما دور أساسي في الاستراتيجية الأمريكية القادمة للتعامل مع إيران.

من المؤكد أن انشغال أمريكا في العراق وأكثر في أفغانستان يحول دون القيام بضربة عسكرية لإيران، لكنه لا يعني بأي حال من الأحوال تغيير استراتيجيتها تجاهها والقاضية بتقويض النظام الإيراني من الداخل وتغييره. وقد شهد عام 2009 نشاطًا أمريكيا محمومًا داخل إيران لتحقيق هذا الهدف، خاصة في أعقاب الانتخابات الإيرانية والركوب على موجة الاحتجاجات والمظاهرات المناوئة للنظام الإيراني والتي بجانب منها مدعومة أمريكيا وغربيًا، أو أصبحت كذلك بعد اشتدادها وتوسعها في الأشهر الأخيرة.

ربما تحاول الإدارة الأمريكية استبعاد إمكانية القيام بضربة عسكرية أو الامتناع عن التدخل المباشر في الشؤون الإيرانية، إلا أنها تبقى واردة ورهن التطورات السياسية الداخلية والإقليمية، وقد تصبح خيارًا لا بد منه في حال فشل الرهان على الاحتجاجات الداخلية ونجاح النظام بتقويضها.

الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط لم تتغير، وشعار استبدال سياسة القوة بالدبلوماسية بقي كما يبدو حبرًا على ورق وذرًا للرماد بالعيون بعد قرار أوباما الأخير بإرسال قوات جديدة لأفغانستان، حتى بعد حصوله زورًا على جائزة نوبل للسلام. التصعيد العسكري في أفغانستان وزيادة قواتها في المنطقة هو أيضًا تصعيد ضد إيران وتهديد لحدودها مع أفغانستان ويخدم بشكلٍ مباشر الإعداد لضربة عسكرية محتملة لإيران، وربما يكون الاتهام الجديد لإيران بإنتاج مكونات خاصة بإنتاج القنبلة الذرية يصب في هذا الاتجاه.

لكن من اللافت حتى الآن أن جميع الملفات العسكرية التي فتحتها أمريكا وإسرائيل في المنطقة ما زالت مفتوحة ولم يحسمها التفوق العسكري، وهذا ما يؤكد أنّ الصراع في المنطقة له أكثر من مسار: مسار الشعوب ومسار الأنظمة!!

التعليقات