31/10/2010 - 11:02

المسكوت عنه في خطاب بوش../ عوني فرسخ

المسكوت عنه في خطاب بوش../ عوني فرسخ
لا تقف أهمية الخطاب السياسي عندما ينطق به، وإنما عندما يسكت عنه أيضا. وكثيرا ما كان المسكوت عنه أهم وأخطر، فيما المنطوق به ستار خادع للمستهدف من الخطاب. وفي خطاب الرئيس بوش في لقاء انابولس ما هو مسكوت عنه أشد خطورة على حاضر ومستقبل شعب فلسطين وأمته العربية مما أفصح عنه على خطورته، ولما كان السكوت في معرض الحاجة بياناً فلسكوت شهود الحفل العرب على ما نطق به الرئيس وما سكت عنه دلالات خطرة كذلك.

وحين يتزامن عقد لقاء انابولس مع الذكرى الستين لصدور قرار تقسيم فلسطين، ويشارك فيه ممثلو الامم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدائمون وأكثر من ثلثي دول الجامعة العربية، مع تجنب عقده في رحاب الأمم المتحدة، ففي ذلك دلالة اعادة تأكيد التزام القوى الراعية للمشروع الصهيوني بالغاية من اقامته مع تقصد استبعاد المنظمة الدولية كمرجعية في الحكم على تنفيذ ما هو مستهدف في المرحلة المقبلة. كما انه في قول الرئيس محمود عباس إن ما قبل “انابولس” مختلف عما بعدها، وإنها فتحت الباب لمفاوضات جادة حول قضايا الحل النهائي، ما يؤشر الى أن ما قاله ولم يقله الرئيس بوش، وما سكت عنه شهود الحفل العرب، إنما يؤشر لمعالم طريق المفاوضات التي يبشر بقرب بدئها الرئيس أبو مازن، والاجراءات التنفيذية الملازمة لها.

الرئيس بوش أعطى الاهمية الاولى لتأكيد التزام إدارته ب”إسرائيل” كوطن قومي للشعب اليهودي، مستخدما ذات الصيغة الواردة في تصريح بلفور قبل تسعين عاما. وإذا كان الوزير البريطاني قد تجاهل الهوية القومية لعرب فلسطين وأسقط حقهم في تقرير المصير، فإن الرئيس الامريكي تجاوز الأمرين على خطورتهما. إذ في تأكيده الالتزام ب”إسرائيل” وطنا قوميا لليهود تجاهل وجود 1.3 مليون مواطن عربي، هم وحدهم أصحاب الوجود التاريخي والطبيعي والمشروع داخل ما يسمى الخط الأخضر. فضلا عن أن في تغييب ذكرهم قبولاً ضمنياً بالتطهير العرقي ومؤشر سكوت ادارته المسبق على اجراءات التسفير القسري “الترانسفير” التي سيتعرضون لها.

وحين يقصر الرئيس بوش مطالبة “إسرائيل” على انهاء احتلال عام 1967 فانه بذلك يضفي المشروعية الامريكية على ما كان محتلا قبله، متجاهلا أن “إسرائيل” تحتل 50% من القسم العربي بموجب قرار التقسيم ومعظم منطقة القدس الدولية، وان 92% من الارض القائمة عليها املاك شخصية لمواطني 530 مدينة وقرية عربية، هجر 85% من أهاليها باعتماد القيادة الصهيونية، بزعامة بن غوريون، سياسة التهجير القسري، كما يؤكد ذلك المؤرخون “الإسرائيليون” الجدد. فضلا عن كون استعادة اصحابها لها مشمولة بالقرار 194 الذي قبلت “إسرائيل” عضواً في الأمم المتحدة باعلانها الالتزام بتنفيذه.

والرئيس حين يعيد تأكيد التزام إدارته برسالة الضمانات التي اعطاها لشارون سنة ،2004 المتضمنة الغاء حق العودة، فانه بهذا يضيف لاهداره حقوق عرب الارض المحتلة سنة 1948 إهدار حقوق 5.6 مليون لاجىء، أعادت الجمعية العامة للامم المتحدة تأكيد حقهم بالعودة في كل دورات انعقادها المتوالية حتى العام ،1991 بحيث صار حقا مشمولا بالقانون الدولي العام في نظر العديد من فقهاء القانون الدولي. وبالتالي يكون الرئيس الامريكي قد أهدر حقوق 8.7 مليون مواطن عربي فلسطيني.

ثم إنه حصر مطالبته “إسرائيل” بعدم توسيع الاستيطان وبازالة البؤر الاستيطانية “غير المرخصة”، مما يعني قبول ادارته بالمستوطنات، وبالحزام الاستيطاني المحيط بالقدس الشرقية، وبالتبعية بالطرق الالتفافية. في مخالفة صريحة لقرارات الامم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 التي لا تجيز تغيير الواقع في الارض المحتلة، فضلا عن تجاهله وجود نصف مليون مستوطن، مدربين عسكرياً يمتلكون (240) الف قطعة سلاح، ومسكونين بثقافة عنصرية شديدة العداء للمواطنين العرب وحقوقهم المشروعة.

كما أنه لم يشر إلى رفع حصار الجوع المفروض على قطاع غزة، والمتوقع تشديده بالالتزام بما تقضي به خريطة الطريق المعتمدة مرجعية للمفاوضات المقبلة. ثم إن الرئيس لم يأت على ذكر جدار الفصل العنصري، الذي أدانت إقامته محكمة العدل الدولية. فضلا عن أنه لم ينبس ببنت شفة حول ما تشكله ترسانة “اسرائيل” النووية من خطر قائم، ولا أعلن تأييده لدعوة تجريد المنطقة من كل سلاح ذري موجود او قد يوجد.

وفي تأكيده أن تكون فلسطين وطناً قومياً للشعب الفلسطيني، لم يبين حدود “الدولة” القائمة عليها رؤيته، متجاهلاً انه بإقراره مشروعية ما احتل قبل ،1967 والمستوطنات والطرق الواصلة فيما بينها وبين ما سبق احتلاله، لا يتبقى من “الدولة” سوى معازل “ابرتهايد” متناثرة. فضلا عن أنه مطلوب من سلطتها، حتى تفوز بالرضا الصهيوني والقبول الامريكي، ان تخوض حرباً ضروساً مع قوى المقاومة المشروعة في القانون الدولي وشرعة حقوق الانسان. مما يعني في التحليل الاخير أن “دولة” رؤية الرئيس الأمريكي لن تخرج عن كونها استنساخاً أكثر بؤسا لسلطة حكم الذات التي تمخضت عن اتفاق أوسلو.

وفي مخاطبته ممثلي الدول العربية ورد قوله: “يجب أن تقوم الدول العربية بمد اليد ل”إسرائيل” والعمل اتجاه تطبيع العلاقات معها، والاثبات بالقول والفعل ان “إسرائيل” وشعبها لهم وطن دائم في الشرق الاوسط”، متجاهلا ما تميز به العرب تاريخياً من انفتاح غير محدود على مواطنيهم اليهود، ولم تعرف أي من أقطارهم “معاداة السامية”.

كما أنه تعمد تجاهل أن العداء القائم انما يعود لكون “إسرائيل” دولة غير طبيعية النشأة والدور، فرضت عنوة على الأرض العربية، لتكون أداة قوى الاستغلال الكوني في تأصيل واقع التجزئة والتخلف والتبعية، لكي يتواصل استغلال الوطن العربي موقعاً وموارد وأسواقاً وقدرات بشرية. وكنتيجة لذلك تفجر الصراع ولسوف يتواصل ما دامت مسبباته قائمة. ثم انه لم يشر للجولان المحتل بكلمة مجاملة لممثل سوريا التي دعاها استجابة لالحاح “أصدقائه” العرب كما قال. والسؤال الاخير: بعد الذي قاله وسكت عنه الرئيس بوش، أي صدقية أبقى لمسوقي أوهام الرهان على الدور الأمريكي في الصراع العربي الصهيوني؟
"الخليج"

التعليقات