31/10/2010 - 11:02

المشهد الفلسطيني بعد زيارة بوش../ عوني فرسخ

المشهد الفلسطيني بعد زيارة بوش../ عوني فرسخ
المشهد الفلسطيني بعد زيارة الرئيس بوش غيره قبل الزيارة العتيدة. فالرئيس بما قاله وفعله في القدس ورام الله المحتلتين أحدث نقلة نوعية في مستوى التحديات التي تواجه شعب فلسطين وأمته العربية، فهو بإعلانه فشل الأمم المتحدة اسقط من اعتباره قرارات ودور المنظمة الدولية، وبالتالي غدت القوة الغاشمة هي الفيصل في الصراع العربي- الصهيوني، ويبدو انه في كل ما قاله وفعله صدر عن قناعة بأن مرحلة التغول الأمريكي والعربدة الصهيونية لما تزل قائمة، مما يرجح أن يكون العام 2008 عام صدام لا سلام خلافا لما بشرنا به.

والرئيس بوش بإعلانه تأييد الدعوة العنصرية باعتبار الكيان الصهيوني “دولة يهودية” لم يأخذ بحسبانه انه بذلك يؤيد مسبقاً اقتراف جريمة التطهير العرقي بحق مليون وربع مليون عربي هم وحدهم أصحاب الوجود الطبيعي والتاريخي في الأرض العربية المحتلة عام ،1948 ثم إنه عندما يعتبر خط الهدنة لعام ،1949 والمستوطنات في الضفة، حدودا لما اسماه “الوطن القومي للشعب اليهودي” يتجاهل أن 92% من الأرض القائم عليها الكيان أملاك عربية بأسانيد غير مطعون بها، فضلا عن تجاوزه الصفة الدولية لمنطقة القدس التي حالت دون نقل السفارة الأمريكية إليها.

ثم إنه بدعوته لتوطين اللاجئين والتعويض عليهم يهدر حقوق ستة ملايين ونصف مليون لاجىء بالعودة واسترداد املاكهم وتعويضهم عن استغلال الصهاينة لهم، كما يقضي بذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948 الذي والت تأكيده بحيث اكتسب قوة القانون الدولي العام، فضلا عن أن منع عودتهم عدوان على حق شعبهم في تقرير مصيره، مما يشكل جرما دوليا، باعتبار حق تقرير المصير قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي. وتأسيسا على ذلك دعم المجتمع الدولي عودة اللاجئين، وليست حقوق اللاجئين الفلسطينيين أقل مشروعية من حقوق لاجئي البوسنة الذين عادوا بموجب اتفاقية دايتون سنة ،1995 أو لاجئي قبائل الهوتو الذين عادوا إلى رواندا سنة 1999.

وليس صحيحا ظن الرئيس الأمريكي أن في مقدور الرئيس عباس التنازل عن حق العودة باسم منظمة التحرير الفلسطينية. ذلك لأن حق العودة حق شخصي للاجئ وورثته ولا يسقط بالتقادم، ولا تملك أي هيئة فلسطينية أو عربية التنازل عنه، وإن هي فعلت ذلك ففعلها باطل ولا اعتبار قانوني له. كما انه لا يمكن مقايضته بإقامة “الدولة”، حتى وإن قامت على كامل الأرض المحتلة سنة ،1967 ولم ينتقص شيء من سيادتها وحرية قرار سلطتها، وليس مسخ دولة مسخرة في خدمة “امن” المحتلين الصهاينة. ذلك لأن العودة وإقامة الدولة حقان مشروعان، من بعض الحقوق التي كفلتها لشعب فلسطين شرعة حقوق الإنسان ومبادىء الأمم المتحدة. والتعويض الذي يعرضه الرئيس بوش لا يقارن بالقيمة الراهنة لأملاك اللاجئين التي تجاوز (680) مليار دولار، فيما يقارب عائدها السنوي (30) مليارا، وفق أدق دراسات الخبراء العرب المختصين.

وليستكمل الرئيس بوش عدوانه على حقوق الشعب العربي الفلسطيني اعتبر مقاومته للاحتلال. “إرهابا” متجاهلا كون مقاومة المحتلين بكل الوسائل المتاحة مشروعة في القانون الدولي، بل وبلغ في معاداته رموز المقاومة الامتناع عن زيارة ضريح الرئيس الراحل عرفات. وتذكرني فعلته المجافية للعرف الدبلوماسي بما نقل عن الشهيد صلاح خلف “أبو اياد” انه قال: “لن يغفر لنا الأمريكيون لأننا حملنا السلاح ضد أداتهم الصهيونية”. والرئيس بوش لم يغفر لأبي عمار انه عندما رفض التفريط بالقدس وحق العودة، برغم ضغوط كلينتون في كامب ديفيد عام 2000 وضع خطاً أحمر لن يستطيع تجاوزه أي من الدمى السائرة في الركب الأمريكي.

وعندما يؤكد الرئيس حرصه على “أمن” كيان استيطاني عنصري يمارس إرهاب الدولة صبح مساء، فإنه بالتبعية يقر إجراءات القمع والمنع ضد الصامدين في الأرض المحتلة، بما فيها من اغتيال واعتقال وتدمير بيوت وتجريف تربة واقتلاع أشجار، وتعسف على الحواجز والمعابر، وإعادة إنتاج للممارسات النازية بما هو اشد وأقسى. وبدلاً من أن يراجع قرار إدارته بفرض حصار الجوع على مواطني قطاع غزة، لممارستهم حقهم في اختيار ممثليهم، راح يحرضهم على سلطتهم المنتخبة أصوليا، فاضحا بذلك غاية ومضمون دعوته “الديمقراطية” ومسؤولية إدارته عن امتهان الديمقراطية في العراق المحتل. ولأن ما يصدر عن سلطة الثنائي عباس- فياض موحى به أمريكيا، فالرئيس بوش يتحمل تبعات إسناد إدارة “مفاوضات” قضايا الحل النهائي لمهندس “اتفاق” اوسلو، وما قد تفجره تنازلاته المؤكدة من صراع دام مطلوب لتمرير مخطط التصفية الأمريكي- الصهيوني.

وإذا كان شعب فلسطين قد افشل كل مشروعات التوطين، ومبادرات الصلح المتوالي عرضها منذ النكبة، برغم انه لم يكن يملك سوى إرادة الرفض، فالأمر المؤكد فشل مخطط التصفية الذي جاء الرئيس بوش يعلن عناوينه، وقد غدت القوى الملتزمة بالمقاومة خيارا استراتيجيا صاحبه المبادرة فلسطينيا، والأكثر قبولا وتأييدا عربيا وإسلاميا، واحتراما على الصعيد الدولي. ومع اليقين بأن ما قد يبرمه ثنائي عباس- فياض من “اتفاقيات” لن يكتب له البقاء، إلا أن النقلة النوعية التي أحدثها الرئيس بوش في مستوى التحديات تحتم العمل الجاد لإعادة إرساء الوحدة الوطنية على قاعدة الالتزام بالثوابت التي نص عليها “الميثاق القومي”، الذي قامت على الالتزام به منظمة التحرير الفلسطينية. وفي مقدمة ما هو مطلوب للحد من تداعيات الانقسام الراهن التوجه لتأصيل مشاعر الانتماء الوطني عند الفصائل جميعها، وبخاصة على مستوى القواعد، لأن ذلك ما يضبط شططها عند الزج بها في النزاعات المرجح إذكاؤها في مقبلات الأيام.

وانه لفي غاية الأهمية الحرص على عدم الانجرار لمستنقع “الفوضى الخلاقة” بالاستجابة لدواعي الفتنة، وذلك باعتماد القدر الأكبر من ضبط النفس واتخاذ كل ما قد يساعد في تنفيس الاحتقان القائم. وفي تقديري أن المسؤول تاريخيا عن ذلك القوى والعناصر الأكثر مصداقية بالتزامها الوطني. والرهان معقود على القوى والشخصيات المدعوة للمشاركة في المؤتمر الوطني المقرر عقده في دمشق. والسؤال الأخير: هل يجترح مؤتمر دمشق ما يؤمن تقديم الاستجابة الفاعلة للنقلة النوعية في مستوى التحديات التي أحدثها الرئيس بوش؟
"الخليج"

التعليقات