31/10/2010 - 11:02

المطلوب: خطوة إلى الوراء! / د. جمال زحالقة

المطلوب: خطوة إلى الوراء! / د. جمال زحالقة
يتابع الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ما يجري في الضفة والقطاع بقلق مشروع ومشاعر يختلط فيها الأسى بالغضب والسخط على ما حدث في غزة وما تلاه من تطورات سياسية وميدانية. فقد ارتكب نشطاء حماس في غزة جرائم وفظائع تستحق الإدانة الحازمة والواضحة. ما حدث في غزة ليس تحريراً ثانياً، وليس نصراً لأحد، وليس إعادة للأمن والاستقرار، وليس استئصالاً لبؤر الفساد، بل مراهنة خاسرة ومرفوضة على الحسم العسكري وسيطرة على مراكز السلطة بقوة السلاح، وسرعان ما سيتبين أن هذا نصر هو الهزيمة بعينها. فالمستفيد الأول مما حدث هو إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، اللتان طالما راهنتا على استغلال حالة الفوضى على الساحة الفلسطينية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. صحيح ان الساحة الفلسطينية شهدت تآمراً على الحسم الديمقراطي في الانتخابات من قبل بؤر للفساد وقيادات مشبوهة، إلا أن ما حدث في غزة تعدى بكثير مواجهة هذه الظاهرة.

إن المطلوب من حماس هو خطوة إلى الوراء، وإبداء استعداد واضح وصادق لرفع يدها عن السيطرة العسكرية الانفرادية ولإعادة ترتيب الأمور في قطاع غزة استناداً إلى الشرعية الوطنية الشاملة قبل الحديث عن أي شرعية دستورية. إن اللجوء إلى التبريرات لا يجد نفعاً، بل يزيد الطين بلة. بدلاً عن ذلك، تقتضي المسؤولية الوطنية التحرك سريعاً لمنع تكريس فصل الضفة عن القطاع سياسياَ ولقطع الطريق على كل من يحاول استغلال الوضع الجديد لتبرير الانسياق وراء المخططات الأمريكية والإسرائيلية على حطام البرنامج الوطني الفلسطيني.

وصف إيهود أولمرط، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ما حدث في الأسابيع الأخيرة بأنه تطور إيجابي، وأكد أنه سيعمل كل ما في جهده لتكريس الفصل السياسي والجغرافي بين الضفة والقطاع وأنه سيتعامل هو وأمريكا وأوروبا "بسخاء" مع حكومة فلسطينية خالية من حماس. وهناك قوى متنفذة في السلطة تراهن على الاتكاء على الشرعية الأمريكية والإسرائيلية كمنطلق لوجودها في الحكم (المحلي طبعاً) وسلوكها السياسي وجريها وراء سراب تسويات وهمية. هنا تقع مسؤولية تاريخية على قيادة فتح بالذات، فاللجوء إلى حكومة طوارئ، لا يحل الأزمة بل يعمقها، ويساهم بغض النظر عن النوايا في شق الصف الفلسطيني. المطلوب هنا أيضاً خطوة إلى الوراء، والعمل على إقامة حكومة مصالحة وطنية شاملة لإنقاذ الشعب الفلسطيني من مخاطر التشرذم والانشقاقات والاحتراب الداخلي.

في الوضع الحالي، الذي نشأ، خطوة إلى الوراء من حماس وخطوة إلى الوراء من فتح، هما خطوتان إلى الأمام للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. التراجع عن خطوة فرض الواقع من طرف واحد، هي أمر ضروري لفتح الباب مجدداً لرد الاعتبار للبرنامج الوطني وترتيب البيت الفلسطيني وإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية. لقد كشفت الأحداث الأخيرة أن المشكلة ليست بين فتح وحماس وحسب، بل ربما أساساً داخل كل منهما. فلو أخذنا تصريحات خالد مشعل لوجدنا بوناً شاسعاً بينها وبين التطورات الميدانية التي فرضتها العناصر العسكرية لحماس في غزة، وهذا أمر بحاجة لمراجعة وضبط كمقدمة لحوار وطني فلسطيني حقيقي. أما فيما يتعلق بفتح فهناك إجماع على نشوء حاجة ماسة لإعادة ترتيب بيتها الداخلي والتخلص مما علق بها من فساد ومن عناصر مرفوضة جماهيرياً ووطنياً، ولإبداء استعداد حقيقي للشراكة في كافة المؤسسات وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية.

بعد مضي ستين عاماً على النكبة وأربعين على نكسة حزيران، تقف حركة التحرر الوطني الفلسطيني أمام خيار تاريخي، إما الوحدة والتلاحم، وإما الضياع أربعون عاماً عجافاً في صحراء التيه والخراب.


التعليقات