31/10/2010 - 11:02

المفاوضات غير المباشرة: الخشية من العقاب وفقدان الأمل../ هاني المصري

المفاوضات غير المباشرة: الخشية من العقاب وفقدان الأمل../ هاني المصري
كما كان متوقعاً وافقت منظمة التحرير على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية، وذلك بعد أربعة أيام على موافقة لجنة المتابعة العربية.

المفارقة بهذا الأمر كانت غريبة وعجيبة. فالأصل بالأمور أن توافق المنظمة أولاً ثم تحصل على الدعم العربي. ما حصل هذه المرة معاكس تماما. فما الذي أوصل الوضع الفلسطيني الى هذه الدرجة من الضعف؟ فبعد أن قاتلت المنظمة عشرات السنين من أجل أن يكون هناك قرار وطني مستقل، وبعد أن شاركت بحروب وعقدت اتفاقيات بصورة منفردة، أصبحت بحاجة للاستقواء بالعرب لتمرير القرار في المؤسسة الفلسطينية.

اللجنة التنفيذية للمنظمة كانت في وضع لا تحسد عليه، فقد وضعت أمام خيارين: أن توافق أو توافق. فقد سبق السيف العذل. فالقرار العربي سبق وصادر القرار الفلسطيني. وبدون المظلة العربية كان من المشكوك به أن تكون هناك موافقة فلسطينية بسبب المعارضة السياسية والشعبية الواسعة جدا لاستئناف المفاوضات وفقا للشروط الإسرائيلية.

إن قرار لجنة المتابعة العربية الذي صدر بموافقة ومبادرة فلسطينية قبل عرض الأمر على المؤسسات الفلسطينية يمثل تجاوزا للمرجعية الفلسطينية التي عبرت عن نفسها في القرار الصادر عن اجتماع المجلس المركزي الأخير، الذي تضمن رفض استئناف المفاوضات بدون وقف الاستيطان وتحديد مرجعية واضحة لعملية السلام، وبدء المفاوضات القادمة من النقطة التي انتهت إليها المفاوضات السابقة.

وهنا لا ينفع لتبرير القرار الفلسطيني القول بأن المفاوضات غير المباشرة تختلف عن المفاوضات المباشرة، فمثل هذا القول مجرد تخريجه للعودة للمفاوضات تحفظ بعض ماء الوجه الفلسطيني وتشكل تمهيدا لعودة المفاوضات المباشرة ولو بعد حين.

في العادة، تجري المفاوضات غير المباشرة بين أطراف تكن العداء لبعضها البعض، ولا تعترف ببعضها، أما أن تجري مفاوضات غير مباشرة - بين أطراف ترتبط ببعضها باتفاقيات وأجرت مفاوضات لا تعد ولا تحصى، بحيث أصبح المتفاوضون يعرفون بعضهم بعضا أكثر مما يعرفون أصدقاءهم وزملاءهم - فهذه بدعة من بدع الزمان.

كيف بالله عليكم سيتجنب صائب عريقات التفاوض مباشرة مع اسحق مولخو الذي سيكون موجودا بالغرفة المجاورة وهما يعرفان بعضهما عز المعرفة.

لقد أجازت اللجنة التنفيذية قرار الموافقة على إجراء مفاوضات غير مباشرة بصعوبة كبيرة، حيث شهد الاجتماع نقاشا عاصفا، وتحفظت أو اعترضت أو رفضت العديد من الفصائل والشخصيات المستقلة هذا القرار فيما يدشن نهاية شهر العسل الذي ميز العلاقات الداخلية في المنظمة، وتحديدا منذ وقف المفاوضات قبل 14 شهراً، وحتى الآن.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: كيف نفسر المجازفة بل المغامرة غير محسوبة العواقب، التي أقدمت عليها القيادة الفلسطينية في ظل الانقسام الفلسطيني بين المنظمة و"حماس" و الجهاد الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى وسط الخلاف الذي قد يتحول الى انقسام جديد داخل المنظمة نفسها، وربما داخل فتح كذلك؟.

تأتي الموافقة الفلسطينية بدون تحقيق أي من المطالب التي طالبت بها القيادة الفلسطينية، ومن غير الحصول على الأجوبة الشافية على الأسئلة التي قدمتها للإدارة الأميركية.

لقد جاءت الأجوبة الأميركية ضبابية. فبالنسبة لمرجعية المفاوضات أحالت الإدارة الأميركية المسألة الى البند الوارد بهذا الخصوص في خارطة الطريق، التي مضى على وجودها أكثر من سبع سنوات بدون نجاح.

وإضافة الى ما تقدم اعتبرت الإدارة الأميركية أن خطاب اوباما في الأمم المتحدة (الذي شدد على يهودية إسرائيل) وتصريحات كلينتون ذات العلاقة، والتي تضمنت مواقف عامة قابلة للتفسيرات المتناقضة، هي المرجعية.

كما تضمنت الردود الأميركية أن إدارة اوباما أخذت علما بالرفض الفلسطيني لخيار الدولة ذات الحدود المؤقتة، وأعلنت أنها سترحب بقيام دولة فلسطينية نتيجة للمفاوضات، وأكدت على عزمها على أن تنتهي المفاوضات خلال 24 شهراً. لاحظوا أن الإدارة الأميركية سترحب (ولا تلتزم) بقيام دولة فلسطينية بدون تحديد حدودها ولا عاصمتها ولا مقوماتها.

وأقصى ما وصلت إليه الإدارة الأميركية تقديم ورقة غير رسمية ولا تحمل عنوان (NON PAPER) جاء فيها أن الإدارة الأميركية ستشرح موقفها بعد انتهاء فترة الأربعة أشهر تقدم للأطراف فقط وليس على الملأ. يا قلبي لا تحزن!!

وأوضح فيليب كرولي الناطق باسم الخارجية الأميركية الموقف الأميركي عبر نفي أن تكون إدارته قد أعطت ضمانات مكتوبة أو وثائق، وأن بلاده ستسعى (لاحظوا مجرد سعي) جاهدة كيلا تعود عملية السلام الى نقطة البداية.

إن التفسير الوحيد الممكن لهذه المغامرة الفلسطينية غير المحسوبة، هو أن القيادة الفلسطينية تريد أن تحافظ على بقاء السلطة وتجنب تحمل المسؤولية عن فشل المفاوضات وتفادي تحول الضغوط الأميركية والإسرائيلية (والعربية) الى عقوبات سياسية اقتصادية.

فالقيادة الفلسطينية تذهب للمفاوضات هذه المرة بلا آمال وبدون أوهام، لا على إسرائيل ولا حتى الإدارة الأميركية. وما يهمها أن تتجنب الغضب الأميركي، حتى لا يكون مصيرها مصير ياسر عرفات.

إن خطورة الموافقة على استئناف المفاوضات بدون أفق سياسي جدي قادر على إنهاء الاحتلال تكمن في أنها مكافأة لإسرائيل تفتح شهيتها للمزيد من التنازلات الفلسطينية والعربية بلا مقابل.

وهذا سيؤدي الى التسريع بتطبيق المشاريع التوسعية والاستيطانية والعنصرية والعدوانية الإسرائيلية، التي تجعل الحل الإسرائيلي امرأ واقعا لا يمكن تجنبه.

كما أن استئناف المفاوضات في ظل استمرار العدوان والاستيطان وتهويد وأسرلة القدس والحصار الخانق لقطاع غزة، والتصعيد الإسرائيلي غير المسبوق على مختلف الجبهات وفي جميع المناطق، يجعل الموقف الفلسطيني الحالي هو الحد الأقصى، ما يفرض التنازل عنه لاحقا حتى تستمر المفاوضات.

لقد تنازل الوفد الفلسطيني سابقا عن مرجعية المفاوضات، ويمكن أن يحصل ذلك حالياً. صحيح أن القيادة لم توقع على اتفاق يتنازل عن الحقوق الوطنية، لكن الموقف الفلسطيني تآكل من اعتماد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية كمرجعية، الى اعتبار المفاوضات سيدة نفسها وهي المرجعية.

إن هذا الطريق أدى أيضا الى رمي أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية، والتعامل مع الصراع كأنه نزاع على الأرض أو حول طبيعة السلام، أو بين معتدلين ومتطرفين أو حول إثبات الجدارة الفلسطينية عبر بناء المؤسسات، وليس على أساس أنه صراع بين شعب تحت الاحتلال يناضل لدحر الاحتلال وانجاز الحرية والعودة والاستقلال.

إن الخشية من تحمل المسؤولية والعقاب وفقدان الأمل لا يصنعان سياسة صائبة وإنما يشكلان إمعاناً في السير في الطريق الذي وصل منذ زمن بعيد الى حائط مسدود.

وهنا لاينفع القول إن المفاوضات غير مباشرة وأن لا تنازل عن الشروط قبل استئناف المفاوضات المباشرة، (لان هذا ضحك على الذقون) ولا ينفع القول إنها مؤقتة وفترتها أربعة أشهر فقط، وإنها فرصة أخيرة، فمثل هذه العبارات استمعنا لها سابقاً.

إن دخول حمام المفاوضات ليس مثل الخروج منه. فاستئناف المفاوضات سيولد قوة دفع تجعل الخروج من المفاوضات متعذراً. ولعل هذا ما لحظه بيان اللجنة التنفيذية الذي تحدث عن إمكانية استئناف المفاوضات بعد مرور الأربعة أشهر أو وقفها مجدداً.

إن المعضلة لم تكن ولا هي الآن، في أن نفاوض أو لا نفاوض، في أن نقول نعم أو لا، فالمهم المضمون السياسي الواضح لما نفعله. فيمكن التفاوض عندما يكون التفاوض مجديا لتحقيق مكاسب أو لدرء مخاطر. ويمكن وقف المفاوضات عندما تكون بدون أية فوائد وخسارة صافية.
فالصراع معقد ومركب بحيث يحتمل الجمع ما بين نعم ولا، والجمع ما بين المفاوضات والمقاومة شرط بلورة رؤية استراتيجية فلسطينية جديدة تقوم على رؤية أن موازين القوى الحالية لا تعطى حلا عادلا ولا دولة حرة ومستقلة على حدود 1967، وأن الشعب الفلسطيني مطالب حتى يحقق أهدافه بالمزيد من النضال الطويل والعنيد لتغيير موازين القوى، ما يوجب جعل مسألة بناء المؤسسات والمفاوضات وكل شيء تابعا لعملية الكفاح لإنهاء الاحتلال!! وليس العكس!!.

التعليقات