31/10/2010 - 11:02

المنطقة على فوهة بركان../ علي جرادات

المنطقة على فوهة بركان../ علي جرادات
بات واضحاً بما لا يقبل مجالاً للشك أن منطقة الشرق الأوسط، وفي قلبها المنطقة العربية، مقبلة على حسم سياسي من طبيعة إستراتيجية، وتلعب السياسة الأمريكية الإسرائيلية المشتركة، دوراً أساسياً في تحديد الوجهة العامة لهذا الحسم، بل ويُجمع العديد من المحللين والمراقبين على تقدير أن هذه المنطقة من العالم، أصبحت ترقد على فوهة بركان، يكاد أن ينفجر، ذلك لأسباب عدة، لعل أهمها وأكثرها جوهرية:

أولاً: استمرار الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، على حاله، بل وتصاعد جذوته في كل من فلسطين ولبنان وسوريا، خاصة بعد ثبوت عقم التصور الأمريكي المنحاز للصلف الإسرائيلي، وعجزه عن إيجاد تسوية سياسية متوازنة لهذا الصراع. فبعد مرور أكثر من عقد ونصف العقد على مؤتمر مدريد عام 1991، لم تتمخض عملية التفاوض بين إسرائيل والأطراف العربية تحت الرعاية الأمريكية، عن نتائج تذكر، اللهم عن معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، فيما ظلت القضية الفلسطينية، جوهر الصراع، دون تسوية، تلبي ولو الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية المغتصبة، وما زالت جبهة هضبة الجولان السوري المحتل، على حالها، هي منذ انتهاء حرب العام 1973، تعيش حالة رمادية بين السلم والحرب، فيما جاء التصعيد الإسرائيلي المدعوم أمريكيا في لبنان، فضلاً عن الاحتلال الأمريكي للعراق والتحالف السوري الإيراني، ليُسَخّن هذه الجبهة (الجولان)، ويضعها في وضع جديد لم تشهده منذ 35 عاماً.

ثانياً: ارتفاع وتيرة الطموح القومي لإيران، وسعيها لامتلاك الطاقة النووية، ولعب دور إقليمي فاعل في المنطقة، هو في حال نجاحه، سيكون في المحصلة النهائية على حساب التفوق الإسرائيلي والنفوذ الأمريكي، شاءت واشنطن ذلك أم أبت، خاصة بعد غياب القوة العربية العراقية، التي حطمها الاحتلال الأمريكي، وأزاحها كقوة موازنة للقوة الإيرانية في منطقة الخليج تحديداً، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً.

ثالثاً: الفشل العسكري الذي منيت به قوة الردع الإسرائيلية، في عدوانها على لبنان في تموز العام 2006، وكل ما خلقه ذلك من أزمة إسرائيلية داخلية، ما زال القادة الإسرائيليون يرون أن حلها ممكن عبر شن المزيد من الحروب والاعتداءات، وليس عبر الاقتناع، بأن لا حل لها (الأزمة)، غير الانصياع لضرورات الحلول السياسية، والتخلي عن خيار الاحتلال والتوسع والعدوان.

تلك مجموعة من الأسباب، يشكل كل واحد منها على إنفراد، فضلا عما بينها من ترابط وتشابك، عامل تفجير كامن لمنطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت لأسباب غنية عن الشرح، وخاصة بعد أحداث نيويورك في 11 أيلول 2001، وما تلاها من حروب أمريكية لم تحسم نتائجها بعد، وما زالت دائرة في كل من أفغانستان والعراق، المنطقة الأكثر سخونة في العالم، ويشكل الحسم فيها العامل الأهم في حسم استمرار السيطرة الأمريكية على العالم من جهة، والعامل الأكثر فعالية في تحديد مصير التفوق الإسرائيلي في المنطقة من جهة ثانية.

هذا من زاوية التحليل، أما على صعيد الوقائع على الأرض، فإن هنالك العديد من المؤشرات، التي تشير إلى احتمال انفجار المنطقة، وكان إجراء المناورات العسكرية الأوسع في تاريخ إسرائيل، آخر هذه المؤشرات وأكثرها دلالة، ولا يلغي هذه الحقيقة كل ما قامت به الدعاية الإسرائيلية من عمليات تضليل، عبر القول بأن هذه المناورات لا تعدو كونها إجراء روتينيا، فهذه الدعاية كان يمكن أخذها على محمل الجد، لو أن المناورات العسكرية الإسرائيلية لا تندرج في إطار التدريبات العملية لتجاوز ثغرات عدوان تموز 2006 الفاشل على لبنان، ولو أنه لم يسبق هذه المناورات إقدام الإسرائيليين على تنفيذ عملية خاطفة في العمق السوري، قيل أنها استهدفت منشأة نووية سورية قيد الإعداد، علاوة على عملية اغتيال عماد مغنية، القائد العسكري لحزب الله، في قلب العاصمة السورية دمشق، مع كل ما ينطوي ذلك من احتمالات الانفجار على الجبهة الشمالية، دون نسيان ما هو جارٍ ومتصاعد من عمليات عدوانية إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في كل من غزة والضفة.

والحال؛ وبعيدا عن التضليل الإسرائيلي؛ وبعيداً عن زيف الدعاية الأمريكية حول الرغبة في دعم استقرار الشرق الأوسط، وإيجاد حلول دبلوماسية لصراعاتها، وفي المقدمة الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، فإن كل من واشنطن وتل أبيب، إنما تدفعان هذه المنطقة من العالم نحو شفير حرب لا تبقي ولا تذر، ويصعب على المرء تقدير ما تنطوي عليه من كوارث على كافة المستويات، خاصة إن هي جاءت بالتخطيط أو بالتداعي حرباً إقليمية، يتبدى يوماً بعد يوم أن القصف الجوي والصاروخي سيكون وسيلة حسمها الأساسية، وإلا ما معنى تركيز المناورات العسكرية الإسرائيلية على رفع مستوى جهوزية الجبهة الداخلية، وإعدادها لاحتمالات التعرض لهذا النمط من القصف، باعتبار أن هذه الجبهة تشكل البطن الرخوة، واليد الموجعة، للقدرة الإسرائيلية على المواجهة، كما أثبتت دروس الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان؟!!! كذلك ما معنى التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة، التي يتنافس على إطلاقها أكثر من مسؤول إسرائيلي، وكان آخرها تهديد بينيامين بن اليعزر، الذي توعد بمحو إيران عن الخارطة في حال أقدمت على تحدي إسرائيل؟!!!

إن هكذا تهديدات بقدر ما تعكس تفاقم الأزمة الإسرائيلية الداخلية، فإنها تشير بوضوح إلى الكيفية التي يخطط لها القادة الإسرائيليون للتعامل مع هذه الأزمة، والوسائل التي يرونها مناسبة لتجاوزها، إذ معلوم أن للسياسة عموماً، لغتان: دبلوماسية ناعمة، وحربية عنيفة، ما إن تستعصي الأولى وتعجز عن إيجاد حل لصراع سياسي ما، حتى تتقدم الثانية وتصبح ضرورة للتعامل مع هذا الصراع، وأعتقد أن هذا هو حال السياسة الأمريكية الإسرائيلية الراهنة، التي أراها سائرة نحو الإيغال أكثر فأكثر صوب لغة الحرب وويلاتها، وهذا استخلاص لا جديد، ولا مبالغة، فيه، ما دام القادة الإسرائيليون، ومن خلفهم القادة الأمريكيون، يديرون الظهر للغة الدبلوماسية في التعامل مع صراعات المنطقة، التي لا يمكن تسويتها، فما بالك بحلها، دون الإقرار بحقوق الشعوب وتطلعاتها،

التعليقات