31/10/2010 - 11:02

المواقع الألكترونية و"الفوضى الخلاقة"../ راسم عبيدات*

المواقع الألكترونية و

........ العديد من المواقع الالكترونية، وتحديداً المختصة بالشؤون السياسية والأحداث اليومية الفلسطينية، والتي أصبحت تنتشر انتشار النار في الهشيم، في عصر العولمة والتقدم التكنولوجي، لا تراعي في المواد المنشورة على صفحاتها أدنى شروط المهنية، ولا مصلحة الوطن ولا المواطن، بل ولا تقوم بمراجعة وتدقيق المواد المرسلة إليها، لا تحريراً ولا صياغةً ولا نشراً، وأنا أشك أن لديها طواقم مختصة في الجوانب الصحفية والإعلامية للقيام بهذه المهام، وبما يبهت ويسطح، بل ويتفه من قيم المواد المنشورة، وهي تخلط الحابل بالنابل، وتبث سمومها في كل الإتجاهات.

فأنت عندما تقرأ بعض التعليقات على المواد المنشورة فيها تصاب بحالة من التقزز والغثيان، فهذه المواد المنشورة والمعلق عليها أقل ما يقال عنها أنها مسيئة، وتشجع على الاحتراب والفتنة والاقتتال الداخلي وهتك وتدمير النسيج المجتمعي، ناهيك عن النضح بالفئوية المقيتة والتخرصات والتفاهات والتقولات والأكاذيب من كل صوب وحدب وغيرها، وهذا كله يحاول البعض أن يبرره ويجمله تحت بند ويافطة حرية التعبير الرأي والرأي الآخر والديمقراطية وغيرها.

ونحن من أشد المدافعين عن حرية الرأي والتعبير والتعددية، ولكن لسنا مع فتح صفحات المواقع الالكترونية للردح والشتم والسب والتطاول والقذف، حتى أن بعض المواقع ومن خلال العديد من الشخوص الموتورة، أصبحت متخصصة في تعميم ثقافة الردح والقدح والتشهير، وفي المقابل فإنك تجد العديد من المواقع الأخرى، أصبحت مختصة في تعميم ثقافة التكفير والتخوين والانغلاق، وثقافة "إحنا وبس والباقي خس"، وباختصار فإن هذه المواقع بمجموعها الموصوف، تلعب دوراً تخريبياً وتدميرياً وخادماً لأهداف وأجندات ليس لها علاقة بالوطن ولا بالمواطن ولا بمصالحه العليا ولا حتى الدنيا، بل مصالحها وأهدافها أولاً، وبالتالي فإن الجهات الحاضنة والمشرفة والممولة لهذه المواقع، عليها أن تدرك وتعي جيداً مدى الضرر البالغ والفاضح الذي تلحقه هذه المواقع بوحدة الشعب الفلسطيني ونسيجه المجتمعي، فهي تعمق من حالة الشرخ والانقسام المجتمعية، كما أنها تشكل مداخل وأبواب مشرعة أمام كل المأجورين والمنتفعين والمرتزقة لتنفيذ أجنداتهم وأهدافهم والتصيد في الماء العكر.

إن إبقاء هذه المواقع وتوفير الحماية والدعم والإسناد لها، بعيداً عن المراقبة والأشراف من جهات مسؤولة، سيجعل الأمر شبيهاً بالسياسة الأمريكية المسماة بالفوضى الخلاقة، وهي تعميم حالة التجزئة والانقسام والتذرير بين الشعوب والمجتمعات خدمة لأهدافها وأجنداتها في استمرار نهب خيرات وثروات تلك البلدان واحتجاز تطورها وتقدمها، ودفعها إلى دوامة ومستنقع الحروب الداخلية، العرقية والمذهبية والطائفية.

وهنا عندنا وفي ظل الوضع القائم، والذي أصبح فيه الفلتان بكل أشكاله وتمظهراته سيد الموقف، وحيث التحشيد والتجييش الفئوي، والمليشيات العشائرية والحزبية، والتي وصل فيها تهتك النسيج المجتمعي وغياب سلطة القانون، حد عقد صلحات وتفاهمات بين قوى وأحزاب من جهة وعشائر وقبائل من جهة أخرى، وبما يؤشر على خطورة المرحلة المقبلة على شعبنا الفلسطيني، فاليوم مواقع ألكترونية ترعاها وتشرف عليها وتحضنها أحزاب وفصائل، تطبل وتزمر وتمجد هذا الفصيل أو ذاك، وغداً مواقع ألكترونية ترعاها وتشرف عليها وتمولها قبائل وعشائر، وفيها تمجيد وسرد لأمجاد وبطولات هذه القبيلة أو العشيرة وزعمائها وقادتها، وتحريض على العائلة الفلانية أو العلانية.

ومن هنا يصبح الوطن مجموعة من العشائر والقبائل، التي لا يوحدها همً وهدفً مشترك ولا حتى روابط مشتركه، والوطن يشهد تراجع المفاهيم والقيم الوطنية لصالح قيم ومفاهيم عشائرية وجهوية وقبلية ؟، وتغيب المساءلة والمحاسبة وسيادة القانون، وأصبحنا كالسمك القوي يأكل الضعيف أو يستأسد عليه، وبعدها نتباكى على الوطن والمشروع الوطني والوحدة الوطنية، ونحن من يعمل على تدميرها وإلغائها من خلال الذهنية والعقلية الفئوية والعصبوية والانغلاق والتكفير، وبحيث غدا عندنا كل شيء مباح ولم يعد لدينا أية ضوابط أو كوابح أو خطوط حمراء.

فالقتل اليومي واقتحام دور العلم والعبادة والتدمير والتخريب الممنهج والمنظم، والتطاول على أي رمز أو عنوان، فرغم اتفاق مكة والذي قلنا أنه جداً إيجابي للشعب الفلسطيني من زاوية حقن الدم الفلسطيني، ومنعه من الانزلاق إلى المجهول، إلا أننا قلنا أن هذا الإتفاق أغلق الجرح على الصديد، بحيث لم يضع أسس وآليات يجرى بموجبها محاسبة كل الذين أوصلوا شعبنا الفلسطيني إلى هذه المرحلة، ليس فقط الذين اشتركوا في التنفيذ، بل الذين حرضوا وخططوا وحضنوا ودعما ووفروا الغطاء التنظيمي لهذا الفرد أو ذاك، أو لهذه الجماعة أو تلك، لأنه بدون ذلك فإن الدم الفلسطيني سيستمر في النزف، والجرح الفلسطيني سيبقى مفتوحا، فمن غير الجائز ولا المقبول، لا في عرف ولا عادة ولا قانون، أن الذين ارتكبوا جرائم بحق شعبنا الفلسطيني ومشروعه الوطني، يمنحوا رتبا ونياشين على تلك الجرائم، ويقفوا على رأس هرمه القيادي، فهذا بحد ذاته هو الكارثة والدمار، وبالتالي يصبح أي حديث عن الإصلاح، أو لجان التحقيق بلا معنى وجدوى وهدف، فغياب الآليات والصلاحيات والإمكانيات لهذه اللجان، يجعل منها لجان شكلية وورقية لذر الرماد في العيون.

وبالعودة إلى المواقع الالكترونية ودورها ومسؤوليتها، عما يجري في الساحة الفلسطينية من احتراب واقتتال داخلي، فالمعروف أن الإعلام هو السلطة الرابعة وله دور هام في كل قضايا المجتمع وشؤونه، وهو يلعب دوراً إيجابياُ أو سلبياً، وفق الطريقة والآليات التي يوظف فيها، ففي الحرب العدوانية الإسرائيلية في الصيف الفائت، رأينا كيف استطاع حزب الله، أن يوظف إعلامه بشكل مؤثر وفعال لخدمة وجهة كسب المعركة، والتأثير على العدو قبل الصديق، وبالتالي مهمة أي وسيلة إعلامية في هذه الظروف الدقيقة والحرجة والجد خطيرة، أن تتجند لمصلحة الوطن والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني، وليس لخدمة هذا الفرد أو ذاك، أو الفصيل والحزب، ومن خلال فتح صفحات مواقعها ومنتدياتها لحملات القدح والردح والشتم والتحريض والتخوين والتكفير، أي تزرع وتغرس بذور الفتنة في أوساط الشعب، ومن ثم تخرج علينا بعبارات الإدانة والاستنكار، فهذه السياسة مدمرة وقاتلة، وهذه المواقع إما أن تقول كلمة جامعة وموحدة، وإما أن تصمت وإلى الأبد.

التعليقات