31/10/2010 - 11:02

انتفاضة التغيير/رشاد أبو شاور

انتفاضة التغيير/رشاد أبو شاور
تردد هذا السؤال كثيرا، تحديدا في السنوات الأخيرة:
أنتم الشعب الفلسطيني البطل، كيف ترضون أن يقودكم (هؤلاء)؟!
كان السؤال جارحا، ومحرجا، لأن فيه تقليلا من قدر شعب الثورات، والانتفاضات، والتضحيات...

بعض من وصلوا إلي (القيادة) بالمصادفة، وتوسّلوا أساليب تحايليّة، بالرشاوى، بالدعم من جهات خارجيّة، بالفهلوة، استمرأوا الأمر، وبلغ بهم الشطط في الوهم حد الطموح إلى بلوغ المواقع الأولى في قيادة الشعب الفلسطيني العظيم.

هؤلاء تصرّفوا على أن الشعب الفلسطيني مجرّد قطيع، يقاد بالوراثة، فبعد رحيل (عرفات) ظنّوا أن الطريق انفتح للأشطر ليجلس فوق، على الكرسي العالي، ويمسك بالقرار.

يوم 25 كانون الثاني (يناير) حدث ما رأيناه يحدث في بلاد توارثت حكمها أحزاب ترهّلت بعد الوصول إلى الحكم، رغم تميّز المؤسسين، وجدارتهم النضاليّة، وتراكم خبراتهم، فالأحزاب الشيوعيّة المطلقة الحكم في الدول الاشتراكية، انهارت وكأنها بيوت عنكبوت وأوهى بعد أن نخرها الفساد.

لم يقرأ المارقون تاريخ الشعب الفلسطيني، ولا تأملوا تراثه الثوري الممتّد منذ نهاية القرن التاسع عشر، والقرن العشرين، ومطلع القرن الحادي والعشرين المفتوح على زمن آت هو زمن فلسطين وشعبها...

سرقوا (فتح) نفسها، وشوّهوا دورها الطليعي، ومسخوا تراثها، وعزلوها عن الشعب بتحوّلهم إلى سلطويين يستمتعون بكل ما تسطو عليه أيديهم.

شعب يعيش في الخنادق، يشيّع الجنازات، أبناؤه وبناته في معتقلات العدو الصهيوني رهائن، أرضه تنهب، اقتصاده يدمّر، حياته تستباح صباح مساء، و(هؤلاء) لا همّ لهم سوى الإثراء، ونسج علاقات مع الأميركان، والأجهزة الصهيونيّة، وتقديم التنازلات، ومحاربة كّل أشكال المقاومة الحقيقيّة، بما في ذلك تجويع أبطال (كتائب الأقصي) الفتحاويين الأصلاء.

منذ عام 94 استحوذوا على الأراضي، الوظائف، والمناصب، ووضعوا أيديهم على كل المشاريع، وتقاسموا الاستيراد والتصدير، وبينهم وبين العدو المحتّل وقع الشعب الفلسطيني، وباتت حياته جحيما.

وكان السؤال يتردد بحرقة، بغضب، بقهر: متى يصحح شعبنا الأوضاع؟ كيف يقبل شعب فلسطين العظيم بهذا؟
تلك (الشريحة) الفاسدة وضعت اليّد على القرار الفلسطيني، بعد أن أفرغت م. ت. ف من ميثاقها، وجيشها، واتحاداتها، وحوّلتها أثرا بعد عين، وجعلت من اسمها (قناعا).

شعبنا استقبلهم،واحتضنهم، فماذا رأى منهم؟
الوظائف لهم. الأموال لهم. البيوت الفخمة لهم. الـVIP لهم. شعبنا يذل على الحواجز والمعابر، وهم يمرّون في سيّارات فارهة، سعداء بأبّهتهم الفارغة الممنوحة رشوة من العدو!.

لكنه شعب يرى، شعب يمهل ولا يهمل، ففيه من روح الله، وهذا ما لم يخطر ببالهم، ولا حسبوا حسابه.
أحدهم عندما احتّج شعبنا على الطحين المدوّد، قال ساخرا :
ـ طول عمر شعبنا يأكل (خر...)، فليأكل ويسكت؟!

لا، كان شعبنا يجوع بكرامة، يبيع حلي نسائه ليشتري البواريد، يأكل الخبز الحاف ولا يحني رأسه ذليلا.
لم يكن شعبا (بطنيّا)، كان وما زال وسيبقى شعب الرأس المرفوع.

من بددوا الانتفاضة الأولى، والثانيّة، وهبة النفق، وتسابقوا لنيل رضى الصهاينة، وعقدوا معهم الصفقات في (جنيف)، وأبرموا الاتفاقات من وراء ظهر شعبنا مساومين على أقدس حقوقه ـ حق العودة ـ واصلوا الانحدار في الهاوية بينما الأرض تنهب، والاستيطان يلتهم ما تبقّى منها، والأسرى في السجون، في حين أنهم يكسبون، ويمتلكون الشركات متعددة الجنسيّة ـ لأن بعضها في باريس، وكندا، وأقطار أفريقية ـ يديرها أبناؤهم، وأصهارهم.

من شيّدوا القصور على شاطئ غزّة، وحرموا الغزازوة من بحرهم، من، ومن.. هم الذين عوقبوا في الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة ـ ومن قبل أيّام ـ في الانتخابات البلديّة، وليست فتح الرائدة.

فوز حماس كبير ولكنه متوقّع، ومن راهنوا على غير هذا جهلة بالواقع الفلسطيني، أو هي رغباتهم يسقطونها، تماما كما هو حال مراكز تزوير الآراء (أبيّن زين أبيّن وابص في الودع)، والتي ياما زوّرت من قبل بغرض التأثير على الرأي العام الفلسطيني، فهي كانت دائما تروّج لسلام (الشجعان) ومعاداة المقاومة.

رّد الفعل العصبي متوقّع ممّن رأوا أن ما بعد (عرفات) مجرّد مرحلة عابرة، وتهيّأوا لوضع اليّد على القرار الفلسطيني، واستعدّوا بتعلّم اللغة الإنكليزية، لا لولعهم بمسرحيات شكسبير، أو لقراءة تاريخ جرائم بريطانيا في فلسطين، ولكن ليقولوا yes بديلا عن شعب عربي فلسطيني يرفع (لا) في وجه مخططات تصفية قضيته، (لا) في وجه كل من يريد تصفية حقه في العودة، (لا) في وجه من يريد نسف الأقصى ليبني الهيكل، لا في وجه إدارة بوش التي تدّعي بأنها مع ديمقراطية الصناديق، وترفض ما يختاره صوت الشعب !

تصويت شعبنا ليس (نكاية)، إنه انتفاضة على سياسة الرهان على (أوسلو) طيلة 11 سنة أضاعت الطريق، ومنحت (إسرائيل) الوقت للمزيد من سرقة الأرض، والإمعان في التنكيل والوحشية.

يوم 25 هو مفصل في تاريخ شعبنا، وقضيتنا، وأمتنا، هديّة لجماهير أمتنا المصادرة الصوت...
لم ينتخب شعبنا عشائريّا، والدولارات لم تسرق صوته، هو انتخب من يتمتّعون بالأخلاق، والاستقامة الوطنية، وطهارة اليّد وحسن السلوك.

من أصيبوا بالرعب، وجاءت ردود فعلهم هوجاء عصبيّة، سيسقط في أيديهم، لأن (الزعرنة) في الشوارع تفضحهم وتزيد من عزلتهم، أمّا (فتح) فنحسب أنها ستعود إلى قواعدها لتقرأ الدرس جيدا، فتصحح مسارها، وتطهّر صفوفها، فشعبنا لا يمنح توقيعه على بياض لأي كان...

أمريكا وتابعها الأوروبي، ومن خسروا فلسطينيّا، يلوّحون بمعاقبة شعبنا الفلسطيني على (انتفاضته) بقطع الدعم المالي، وبتوريط (حماس) في تحمّل الأعباء، بحيث ينكسر ظهرها تحت العبء، فتتهم بأنها جلبت الجوع والعزلة، ولم تحرر الأرض !

شعبنا يعرف أن المليارات بددت على غير خدمته، ودعم صموده، فأرتال السفراء، والوزراء، وقادة الأجهزة، والـ(يصرف له)، والفلل المشتراة لعلية (القوم)، والأرصدة، كل هذا وغيره سيكشف بالأرقام، فهذا مال شعبنا الذي سيحمي انتفاضة التغيير التي أدهشت الصديق والعدو.

يقول المثل : إذا أمطرت في بلاد بشّر بلاد، وفي فلسطين أمطرت يا بلاد العرب...

التعليقات