31/10/2010 - 11:02

انتفاضة غزة ومقترح هرتسليا الخاص بسيناء../ عوني فرسخ

انتفاضة غزة ومقترح هرتسليا الخاص بسيناء../ عوني فرسخ
صدفة، تزامن انطلاق انتفاضة قطاع غزة صباح 23/1/2008 مع ختام مؤتمر هرتسليا الثامن. غير أن بعض المحللين العرب راحوا يربطون بين توجه جماهير القطاع لسيناء، باعتبار مصر جارته وعمقه الاستراتيجي عبر التاريخ، وبين ما تضمنه مقترح تبادل الأراضي في المؤتمر الصهيوني، وعلى نحو أسهم في إجهاض الإنجاز الذي تحدث عنه القيادي في حماس، أبو الشهيدين، د. محمود الزهار، حول المشاركة في إدارة معبر رفح، وتنظيم الخروج والدخول منه بما يراعي متطلبات الأمن الوطني المصري ويوفر لمواطني القطاع حرية الدخول والخروج الآمن والكريم والمتحرر من أي تدخل خارجي.

ومن بين ما تضمنه مقترح تبادل الأراضي، الذي عرضه في المؤتمر الصهيوني عوزي أراد وجدعون سيفر، توسيع إطار قطاع غزة باقتطاع بعض أراضي النقب المحتل وبعض الأراضي المصرية في سيناء، الخاضعة لرقابة دولية بقيادة أمريكية بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، وذلك لقاء إعطاء مصر بعض أراضي النقب بما يؤمن تواصلها مع الأردن. وبحيث ينقل إلى القطاع الموسع أغلبية عرب الأرض المحتلة سنة 1948 ويوطن فيه 750 ألف لاجىء. وبالتالي تحل “إسرائيل” فيه مشكلتي النمو السكاني لعرب الأرض المحتلة والتزامها بحق العودة بموجب القرار 194. وتحقق بالتبعية نقاءها العنصري كدولة يهودية، وتتحرر مما يترتب عليها تجاه مواطني القطاع بموجب أحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949 والقانون الدولي باعتبارها دولة محتلة. وضمن هذا السياق نظر أولئك المحللون للمطالب الصهيونية بقطع كل الصلات مع قطاع غزة والتحرر من الالتزام بتزويده بالمياه والكهرباء والطاقة وغيرها من الاحتياجات الأساسية.

وكان الرئيس مبارك قد أمر بالتصرف تجاه حجاج القطاع، ثم مع جماهيره المنتفضة ضد حصار الجوع، بما أثلج صدور أغلبية العرب بين المحيط والخليج، وتجاوب مع مشاعر شعب مصر العربي بضرورة تقديم الالتزام بما يمليه دور مصر وانتماؤها القومي على ما تفرضه اتفاقيات النظام مع الكيان الصهيوني، واشتراطات “المعونة” الأمريكية، إلا أن بعض من ظهروا على الفضائيات متحدثين باسم النظام طالبوا بما يتناقض مع ما جرى بأمر الرئيس وكان له صداه الإيجابي وطنياً وقومياً. إذ دعا أكثر من واحد منهم لإعادة العمل باتفاق الإذعان الخاص بمعبر رفح الموقع في نوفمبر / تشرين الثاني 2005 والذي استغلته “إسرائيل” في تصعيد حصارها للقطاع، دون ممانعة من “المجتمع الدولي” والراعي الأمريكي لملهاة “عملية السلام”.

والاحتمال الأرجح أن الذين انتفضوا ضد حصار الجوع والحرمان لن يتقبلوا بطيبة خاطر إعادة العمل باتفاق مطعون في شرعيته وطنياً، وليس مستبعداً أن يعاودوا الانتفاض وقد فرض عليهم الالتزام بنظام لم يكن لهم رأي في إقراره. فالذين اعتادوا التصدي لآلة الحرب الصهيونية طوال مرحلة التغول الأمريكي والعربدة الصهيونية لن يخضعوا للإملاءات الصهيونية المسوقة أمريكياً، والتحالف المضاد يعاني ضعف الهيبة الأمريكية وفقدان قوة الردع الصهيونية، وقد عصفوا بالحصار الجائر وتذوقوا طعم الحرية التي انتزعوها من براثن محاصريهم. ويقيناً أنهم لن يرتضوا التفريط بحقهم المشروع بالخروج والدخول الحر للقطاع وفقاً لاحكام القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان.

وللعلم، فإن الاتفاق الذي وقعه محمد دحلان، بتفويض من سلطة محمود عباس ينطوي، كما يقرر الخبير القانوني محمد سيف الدولة، على عدة قيود من بينها إخضاع المعبر للرقابة “الإسرائيلية” لحظة بلحظة بالبث المباشر من كاميرات فيديو ترصد العابرين، مع ربط كمبيوتر المعبر بالشبكة “الإسرائيلية”، فضلاً عن إخضاع المعبر وممثلي السلطة عنده لرقابة ممثلي الاتحاد الأوروبي والمنسق الأمريكي. ثم إن الاتفاق تضمن قيوداً واشتراطات تمكن “إسرائيل” من إغلاق المعبر حين تشاء بإقرار الشرعية الدولية. مما يجعله اتفاقاً لإغلاق المعبر وليس لتشغيله. فيما يذكر السفير د. عبدالله الأشهل أن الاتفاق انتهت صلاحيته إذ إنه عقد لعام واحد.

وليس أخطر على أمن واستقرار المنطقة من إعادة تفعيل اتفاق الإذعان. لأن ذلك مدعاة لانتفاضة مؤكدة في المستقبل غير البعيد. وإن قيل، ولكن الحدود جرى تعزيز الجانب المصري منها، وأي انتفاض مستقبلي سيكون في مواجهة أجهزة أمن تابعة لنظام تجاوب مع معاناة أهالي القطاع في موضوعي الحجاج وانتفاضة اختراق الحصار. والصدام والحال كذلك له تداعياته الضارة بمواطني القطاع ولن يلقى استجابة الشارع العربي كما في الانتفاضة السابقة. ولأنه كذلك من غير المستبعد أن يعمل العدو وعملاؤه على افتعال أحداث تؤدي للصدام الخطر المرفوض وطنياً وقومياً وإسلامياً، الأمر الذي يحتم على صناع القرار المصري والفلسطيني العمل على تلافي هكذا احتمال، وذلك بمراجعة قرار العودة للاتفاق المولد للصدام، ومحاولة إحياء وتطوير التفاهم الذي جرى مع وفد حماس وتحدث عنه د. محمود الزهار.

أما مقترح الفتنة الصهيوني بتوسيع القطاع باتجاه سيناء، فمقترح يدرك طارحوه استحالة تنفيذه، وغايتهم من طرحة إنما هي إثارة الشكوك بين أخوة المصير الواحد، فضلاً عن أن هكذا اقتراح مرفوض وطنياً وقومياً، إذ إنه لا يمس فقط سيادة مصر وأمنها العزيزين على كل عربي لدور مصر في حياة أمتها، وإنما أيضاً الثوابت الفلسطينية، وبالذات حق العودة وحقوق عرب الأرض المحتلة سنة 1948. ثم إن مقترح الفتنة الصهيوني يدل دلالة قاطعة على أن خطر الكيان الدخيل لما يزل يتهدد أمن واستقرار محيطه العربي ولم تحل دونه الهرولة للصلح والتطبيع.

والجدير بالتذكير به أن هذا ليس أول مقترح من نوعه، ففي أربعينات القرن العشرين طالب حزب العمال البريطاني والرئيس الأمريكي هوفر بترحيل عرب فلسطين للعراق. وفي أعقاب نكبة 1948 توالى طرح مشروعات توطين اللاجئين في أقطار اللجوء العربية. وفي سنة 1977 طرح بريجينسكي فكرة “الشرق الأوسط” المكون من كانتونات عرقية وطائفية.

وفي العام 1982 دعا الصهيوني يوديد يانون إلى تجزئة مصر وسوريا والأردن والعراق ولبنان. ولم يكتب النجاح لأي من تلك المشروعات والطروحات، لأن ما له اعتباره التاريخي ليس الطروحات الاستعمارية وإنما قدرة الشعوب المستهدفة على المقاومة والممانعة. ولشعب مصر تاريخه الغني بمآثر دحر الغزاة وقهر إرادتهم، وليس مثال بورسعيد ببعيد. وعلى صخرة حق العودة الفلسطيني تكسرت كل مشروعات التوطين، وعودة الذين عبروا سيناء إلى قطاع الممانعة والصمود المهدد بإعادة حصاره مثال آخر.
"الخليج"

التعليقات