31/10/2010 - 11:02

انفضاح جديد للعقيدة الصهيونية../ كلوفيس مقصود

انفضاح جديد للعقيدة الصهيونية../ كلوفيس مقصود
لا يجب أن يكون انفضاح عملية الموساد التي أدت إلى اغتيال محمود المبحوح حدثاً استثنائياً، إنما يندرج في إطار أن الموساد يشكل الدليل القاطع على أن الغايات العدوانية للمشروع الصهيوني تبرر أية وسائل لانجاز الأهداف التي تجعل من “إسرائيل” بمنأى عن أية مساءلة، ناهيك عن أية معاقبة.

لذا عندما تعفي “إسرائيل” نفسها من أية مسؤولية سياسية، معنوية أو أخلاقية تجاه القوانين الدولية والإنسانية، تحاول استباق أي نقد، أو معارضة أو حتى انتقاد يجعل كل أوجه المساءلة وكأنها بوعي أو بلا وعي دليل حاسم عن لا سامية بوجهيها المعلن والمبطن، وهذا الإرهاب الفكري والسياسي الذي تمارسه “إسرائيل” هو بمثابة تجل لقناعة سائدة بأنها دائماً على حق.. وبالتالي كل تشكيك من شأنه أن يعرض أمنها لمزيد من الأخطار .

الحقيقة أن “إسرائيل” استخدمت كل وسيلة متاحة لانجاز كل هدف لها، ما جعل بعض مواطنيها العاديين أنفسهم هم أيضاً عرضة لاستهداف الإنتربول، كون عملاء الموساد في هذه العملية سرقوا جوازات من دول أوروبية ما أدى إلى فضيحة قيل في “إسرائيل” “انها -أي العملية- نجحت تكتيكيا وفشلت استراتيجيا” ما صعد المطالبات بإقالة رئيس الموساد كما كتبت جريدة هآرتس عن أن جريمة اغتيال المبحوح في دبي “حولت داجان رئيس الموساد بين ليلة وضحاها من بطل مجهول إلى قومي فاشل، ولم يعد فجأة العزيز على الأمة بل خزي للدولة” إلا أن “هآرتس” نفسها لم تشر إلى أن الإخفاقات من هذا النوع لا يجعل “النجاحات” في الاغتيالات التي حصلت مثلا لغسان كنفاني وكمال ناصر ومئات غيرهم التي قامت بها “إسرائيل” واعتبرتهم بمن قاموا بها بمثابة “أبطال” كما تم توصيفهم منذ قيام “إسرائيل”.

هنا أيضا علينا أن ننفذ إلى ما تنطوي عليه معادلة “الغاية تبرر أية وسيلة” كونها تتذرع بأي سبب للقيام بأي عدوان، وبأي إجرام وبأي خرق لحرية الإنسان والإنسانية. عندئذ إذا جوبهت “إسرائيل” بكونها تكذب، أو تشوه، أو تعتدي فتلجأ إلى حالة الإنكار ممزوجاً بنزعة الاستنكار فتلجأ كما يفعل توني بلير وأمثاله من المحافظين الجدد عادة، إن الارتكاب الذي حصل - وفي دبي- فهو “قرار!” .

يستتبع، أن أي مجابهة أو معارضة تأتي من الخارج خاصة من الغرب تعتبر دليلاً على اللاسامية فإن مجرد النقض يصبح بدوره مرشحاً لمختلف أنواع القمع، كما حصل منذ أيام عندما زار وفد من الكونجرس الأمريكي “إسرائيل” بدعوى من “جي ستريت” وهي منظمة يهودية تنافس منظمة “إيباك” المعتمدة من “إسرائيل” وخاصة من اليمين الحاكم الآن”، وجاءت هذه المجموعة فلم يتم استقبالها رسمياً، إلا أن وزارة الخارجية فيما بعد قبلت أن توفر اجتماعات لهم إذا جاءوا بدون مرافقين من “جي-ستريت”.

أعضاء الكونجرس الأمريكي رفضوا وعقدوا مؤتمراً صحفياً، وقالوا ان سلوك حكومة “إسرائيل” “معيب”، وكما قالت جريدة “هآرتس” فإن حكومة نتنياهو وليبرمان تعتبر أن مؤسسة “جي-ستريت” معادية بنفس الطريقة التي تندرج معها مجموعات يسارية ودعاة حقوق الإنسان التي تعتبر بنظر الحكومة “ضد إسرائيل”.

الجدير بالذكر أن سفير “إسرائيل” في واشنطن مايكل أورن قاطع مؤتمر سجي-ستريت” الذي انعقد في العاصمة الأمريكية منذ بضعة أشهر. كل ذلك برغم أن هذه المنظمة تعتبر نفسها مؤيدة لـ“إسرائيل” وللسلام، وأنها تشكل عنصراً جاذباً ليهود معتدلين، وتدعي أن لها علاقات وثيقة مع البيت الأبيض.

نشير إلى أن “إسرائيل” التي تعتمد منظمة “إيباك” تعتبر أن كل عضو في الكونجرس لا يلتزم بما تمليه “إيباك” عليه لا يعتبر حليفاً يعتمد عليه. طبعا لا تستطيع “إسرائيل” قمع أي عضو من الكونجرس، ولكن هناك انطباع سائد أنها قد تتمكن من عقاب سياسي يتمثل في تعبئة حشد ناخبين ضده. ولقد تم مثل هذا العقاب لكثير من أعضاء الكونجرس بأن نجحت حملة اللوبي “الإسرائيلي” عليهم أمثال السيناتور فولبرايت وبيرسي وفينلي وكثير غيرهم، ما أدى إلى فشلهم في انتخابات سابقة.

يستتبع ذلك أنه لم يعد جائزا الفصل بين “إسرائيل” والمشروع الصهيوني، بل بالعكس، يجب أن تكون للفلسطينيين والعرب وأنصار السلام والعدالة في العالم بديهية تشكل مناعة ضد محاولات اختراق المناعة الأخلاقية والسياسية لليهود، كون حقوقهم في الانتماء إلى مختلف أوطانهم يجب أن تكون كما يدعو الكثير من مفكريهم وناشطي الحقوق المدنية داخل “إسرائيل” وفي العالم، أن وجودهم أينما كانوا هي بمثابة -لا مجرد حق- إثراء للتنوع في دول ومجتمعات العالم. وأن اللاسامية التي تشكل شططاً أخلاقياً ليس في الحالة الطبيعية، وإذا كان من نتوءات تظهر بين الحين والآخر فهي تحريض للمجتمعات عليها، ولشرائح المجتمع في كل دولة التصدي لممارسات اليمين التي تمثلها اللا سامية ورواسب العنصرية التي لا تزال جيوبها موجودة، وأن تكون المجابهة مع جميع القوى الحريصة على حقوق الإنسان وعدالة المجتمع، وهذا ينطبق على التصدي لكل الجيوب العنصرية، وبالتالي نستولد حالة من التناغم ورغبة الحوار وإزالة العوائق التي تفرق بين الإنسان والآخر، ومن ثم نكتشف أن ما يجمع الإنسان مع الآخر أقوى بكثير مما يفرق بينهم.

من هذا المنظور نجد أن “إسرائيل” في مشروعها الصهيوني تعتبر الشعب الفلسطيني الراسخ في وطنه دخيلاً على ملكهم، والصهيونية لا تعتبر أن “إسرائيل” سلطة محتلة، وأن أي مقاومة مشروعة للاحتلال “الإسرائيلي” هي عملية تمرد على الدولة، وبالتالي مسموح قمعها رغم أن الإعلام الصهيوني يسوق هذا القمع كأنه يتمتم للإرهاب.

بمعنى آخر فإن التمرد يقنن “الاغتيال”، وهذا ما يفسر أن ليس الموساد هو المسؤول وإنما هو آلية تنفيذ لقرار سياسي من السلطة التنفيذية استكمالا للمشروع التي تمليه العقيدة الصهيونية بتجلياتها اليمينية والعنصرية، ناهيك عن حرمانه حق العودة للاجئين الفلسطينيين من جهة، واستمرار التمدد الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وعدم اعتبار أي حق في القدس أو أي جزء منها لغير “إسرائيل”.

لقد حان الوقت أن نردع محاولات “إسرائيل” الدؤوبة في التحريض على العرب وتصويرهم كأنهم حاضنة لبؤر الإرهاب، وبالتالي تشويه الصورة وقمع الحقوق، من خلال ربط أي مقاومة بالإرهاب واستعمال وسائل الاغتيال منهاجًا سائداً. الأهم في هذا المضمار أنه عندما توظف وسائل مثل الاغتيال، فهذا يعني أن نبل الهدف مطعون فيه، لأنه في نهاية الأمر الهدف الأسمى يحدد استقامة الوسيلة.
"الخليج"

التعليقات