31/10/2010 - 11:02

انقلاب عسكري ـ مدني في البيت الأبيض../ د.عماد فوزي شعيببي

انقلاب عسكري ـ مدني في البيت الأبيض../ د.عماد فوزي شعيببي
هل يشكل نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية، بعد أقل من أسبوع مع وضعه على طاولة الرئيس الأمريكي، تسريباً مقصوداً من الإدارة الأمريكية لتغطية عملية الانسحاب من المواجهة التي تقتضيها الحملة المنظمة على إيران منذ سنوات، أم أن التسريب كان بمثابة "انقلاب عسكري" لمنع الإدارة الأمريكية من مغامرة الربع ساعة الأخيرة، خصوصاً وأن بقايا وأشلاء المحافظين الجدد (تشيني وأبراهامز) كانا يضغطان من أجل مغامرة إعادة إحياء مشروعهما.

(الانقلاب العسكري) كان واضحاً؛ فالرئيس الأمريكي كان على علم في نهاية شهر آب / أغسطس ومطلع الشهر الحالي بفحوى التقرير. ومع ذلك تصاعدت اللهجة ضد إيران. وفي وقت كانت فيه باريس تزاود باتجاه ضغط متصاعد نحو طهران، كان الجنرال غيتس وزير الدفاع الأمريكي يقطع الطريق مصرحاً بضرورة اعتماد نهج الحوار فيما كانت أوساطه تسرب بأن ليس ثمة من إمكانية لدى طهران للتوصل إلى قنبلة نووية قبل مرور سنوات.

كل المؤشرات كانت تدل على أن وضع غيتس وهو أحد الذين وضعوا (أو ساهموا في رسم) تقرير بيكر ـ هاميلتون على رأس المؤسسة العسكرية بديلاً من صاحب نظرية الحرب الاستباقية (رامسفيلد)،كمؤشر على أن الحزب الجمهوري في جناحه المحافظين القدامى (جورج بوش الأب وبيكرو سكوكروفت.....) قد استلم زمام الحكم في الإدارة الحالية منعاً لمزيد من المغامرات التي قد تطيح بفرص الوصول الجمهوري إلى الرئاسة القادمة بعد هزيمة واضحة في الكونغرس بشقيه، وأن التوجه نحو تنفيذ بيكر ـ هاميلتون هو قرار هذا الحزب بغض النظر عن ممانعات الرئيس بوش الشخصية أو الإيديولوجية أو حتى الاعتبارية.

ستة عشر جهاز أمن استخباراتي في الولايات المتحدة توافقت على نشر هذا التقرير (الانقلاب)؛ ما يعني أن هنالك قراراً عسكرياً ـ استخباراتياً بمنع أي مغامرة عسكرية ضد إيران وبمنع الإيديولوجيين من الدفع باتجاه أية عملية إضافية في سجل الأخطاء القاتلة.

المؤكد أن المحافظين الجدد قد تراجعوا نحو وضع لا يمكنهم ـ بأي حال من الأحوال ـ أن يفرضوا أية مشاريع. والملاحظ أن ديك تشيني نفسه أصبح يتوارى بعد أن هُدد بفتح ملف من ملفاته الاقتصادية (شركة هاليبرتون وغيرها) وهو يفضِّل أن يتحرك في الظل، كما أنه يرسل رسائل عديدة بأنه مريض وأنه لا يريد التدخل في قضايا تنهي حياته السياسة بفضيحة، وهو ما يشكل اتفاق "جنتلمان" يبدو أن الأطراف تضعه في اعتبارها بلغة ممارسة السياسة الرفيعة. ومع أن تحرك تشيني يبدو تحت جناج الرئيس بوش، إلا أنه لا يزال يتحرك لصالح مشروع المحافظين الجدد، مما يستدعي من مناوئيه الضرب على يديه بين الحين والآخر. إلا أن عدم الذهاب إلى حد الصدام يعني ان اللعبة لاتزال ضمن إطارها المقبول والمتعارف عليه.

الخطر الوحيد المتبقي من مجموعة المحافظين الجدد يتمثل في أن تحركهم الإستخباراتي وغرفة عملياتهم خارج حدود الرقابة الداخلية للإدارة الأمريكية. فمجلس سياسات الدفاع الأمريكي خاضع لسيطرتهم، صحيح أن غيتس وبعد خروج رامسفيلد بدأ بتقليم أظافرهم، إلا أن غرفة عملياتهم الخارجية تمول ذاتياً ومن خارج إمكانيات الضبط الأمنية للإدارة، ولديهم قدرة على التمويل من شركاتهم الخاصة من ناحية ومن علاقاتهم مع بعض الأثرياء في الخارج.

المؤكد أن انقلاباً مدنياً أيضاً يحدث في البيت الأبيض. فحكماء الحزب الجمهوري اتخذوا قرارهم بوضوح باتجاه الدفع نحو إخراج السنة الأخيرة لجورج بوش في البيت الأبيض بأقل الأضرار.

المناخ المحيط بجورج بوش الأب من سكوكروفت وجيمس بيكر وعائلة بوش تريد الخروج من المأزق. لا يتعبها إلا تصريحات الابن التي تعطل صورة التوجه نحو الخروج من مأزق الحرب الاستباقية والعودة إلى السياسة الواقعية. وتأثيرات هذا المناخ الواقعي أصابت وزيرة الخارجية الأمريكية وهي تتحرك بلغة أرصن بكثير من لغة رئيس الولاية الأخيرة في الربع ساعة الأخيرة.

المسألة ذات شقين هنا:

- الحزب الجمهوري لا يستطيع أن يستمر بتحمل نتائج هذه السياسة التي رمته خارج الكونغرس وقد ترميه خارج الرئاسة.

- وعائلة بوش ترى أن المخاطر تحيط بدورها المستقبلي، خاصة وأنها تعدُّ ابن جيب بوش حاكم فلوريدا ليكون مرشحها الرئاسي القادم بعد عقد ونيف من الزمن، ولهذا ترى أن على بوش الابن أن يتراجع وأن عليه أن يحقق انجازاً في عملية السلام في أنابوليس وليس مجرد تلميع نفسه، وهو أكبر إنجاز يمكن توقعه من ذلك المؤتمر نظراً لضآلة وتواضع موضوعاته والمناخ السلمي الذي يرافقه.

ويرى الكثيرون من الجمهوريين ضرورة إرسال رسالة إلى دول المنطقة تقول بأن عليهم ألا يلتفوا كثيراً لتصريحات جورج بوش وإنما التركيز على مسار السياسة الأمريكية التي تركز على تنفيذ صامت لتقرير بيكر ـ هاميلتون، إضافة إلى الانفتاح على ما هو سلمي في المنطقة، والاندفاع نحو الحوار (وإن بوسائل أخرى)، وأن على الأطراف بالمنطقة العربية أن يدركوا أن ليس عليهم كسر صورة الرئيس الأمريكي الذي اعتاد الاستعراض (العنتري)، بل يكفيهم (العنب) بدلاً من مقاتلة (الناطور).

التعليقات