31/10/2010 - 11:02

اوروبا بين التصريحات الايرانية والتهديدات الاسرائيلية/ محمد ميعاري

اوروبا بين التصريحات الايرانية والتهديدات الاسرائيلية/ محمد ميعاري
المحاولة غير المعلنة رسميًا التي بدأتها الترويكا الاوروبية قبل سنوات والتي تهدف الى جعل اوروبا مركز ثقل جديدًا على ساحة السياسة الدولية، وقوة شبه مستقلة لها اسلوبها الخاص في تعاملها مع الدول الاخرى، والازمات القديمة منها والمستحدثة في مناطق مختلفة من العالم خصوصًا بما يسمى «بازمة الشرق الاوسط»، هذه المحاولة وصلت هذه الايام الى طريق مسدود، ان لم تكن قد سقطت فعلاً واصبحت في خبر كان.

فها هي اوروبا بزعامة بلير - بريطانيا، وشيراك - فرنسا والمستشارة الالمانية الجديدة قد عادت لتتذيّل السياسة الامريكية ونزعات الادارة والرئيس بوش بكل ما تتصف به من تغوّل وفقدان التوازن، والعدوانية المطلقة.اما في احسن الاحوال فانها قد حصرت دورها في محاولة التخفيف من هذه العدوانية او التستر عليها علنًا والتساوق معها باطنًا. ولعل الفضيحة الاخيرة التي تداولتها وسائل الاعلام حول السجون السرية التي تقيمها امريكا على الارض الاوروبية ومئات الرحلات الجوية تحت اشراف وكالة المخابرات الامريكية التي تنقل الاسرى والمختطفين الى معسكرات التعذيب، من خلال الاجواء الاوروبية، افضل دليل على ذلك.. وزيادة في التمويه فقد انكرت هذه الدول في البداية علمها بذلك واعلنت عن قيام لجان تحقيق في الامر، لتعود وتعترف بالعلم والمعرفة بالفضيحة وابعادها القانونية والاخلاقية والاجرامية.

فاذا ما أخذنا تعامل هذه الترويكا الاوروبية مع المشروع الايراني لتخصيب اليورانيوم للاغراض السلمية، نرى انه يتميز بالتهديد المبطّن تارة والمعلن تارة اخرى، وفقط عند فشل هذا الاسلوب، امام تمسك ايران بحقها، تعود الى محاولات الاحتواء وتجديد المفاوضات امعانًا بالمماطلة وليس بهدف التوصل الى حلول مرضية.

كل ذلك يجري بالتنسيق مع السياسة الامريكية المعلنة،هذا في الوقت الذي تتجاهل فيه امريكا ومعها اوروبا امتلاك اسرائيل لمئات الرؤوس النووية، بينما قضية ايران تنحصر في حقها للحصول على الطاقة النووية للاغراض التنموية السلمية.

وفي نفس السياق فقد قامت قائمة الدول الاوروبية ولم تقعد اثر نشر تصريحات ايرانية كلامية من شأنها ان تمس باسرائيل في الوقت الذي تتجاهل فيه كل التهديدات العينية الاسرائيلية بضرب ايران عسكريًا حتى لو ادى ذلك الى احداث دمار شامل نتيجة تفجير المفاعلات النووية الايرانية وبما له من نتائج رهيبة على الشعب الايراني وجميع شعوب المنطقة.

وهنا لا بد لنا ان نشير الى الدلو الذي ادلى به مجلس التعاون الخليجي في هذا المضمار خدمة للمخطط الامريكي، تمامًا كالدلو الذي ادلت به جامعة الدول العربية، بدعوتها للمؤتمر العراقي الاخير انقاذًا وتغطية للاحتلال الامريكي في العراق بعد سقوطه في المستنقع الآسن الذي أوقعته به المقاومة العراقية.

اما بالنسبة للتصريحات المنسوبة الى الرئيس الايراني فبودي أن أشير الى جانب منها فقط، لاسباب معروفة، هذا الجانب الذي تحدث عن قيام دولة لاسرائيل في اوروبا لمسؤوليتها عما تعرض له اليهود في اوروبا اثناء الحرب العالمية الثانية.

ان مثل هذا الاقتراح لم يكن الاول من نوعه. حتى هرتسل نفسه كان قد اقترح اقامة دولة اسرائيل في اوغندا قبل قيامها في فلسطين على ارض الشعب الفلسطيني، وهناك اقتراحات لاماكن اخرى جاءت من زعماء صهيونيين معروفين، مثل الارجنتين وحتى روديسيا!

وقد حدث لي شخصيًا عندما كنت استمع في احد الايام الى محاضرة القاها البروفيسور سيء الصيت امنون سوفير من جامعة حيفا، عندما اخذ يصف حالة الغربة التي تعيشها اسرائيل في المنطقة، والدعوة الى اقامة جدار حاجز بينها وبين جيرانها العرب، ومن كل الجهات وكم هي قريبة فعلاً من اوروبا فما كان مني الاّ ان اقترحت عليه : اذا كانت اسرائيل اوروبية الى هذا الحد، قلبًا وقالبًا لماذا لا تقترح نقلها الى اوروبا اذًا، اقتراح مشابه في سياق آخر.

ولكن الامر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد كتب المعلق الصحفي المعروف دورون روزنبلوم مؤخرًا في صحيفة هآرتس تعليقًا على تصريح الرئيس الايراني جاء فيه : ان الغضب الذي أثاره تصريح الرئيس الايراني هو غضب مشكوك فيه قليلاً، خصوصًا عندما يجيء من اناس طالما اشتاقوا للسفر الى اوروبا، وها هم يطالبون بالحصول على جواز سفر اوروبي حتى عن طريق الخديعة، والانضمام الى اوروبا عن طريق حلف الاطلسي والسوق الاوروبية المشتركة، او على الاقل للارفزيون (سباق الاغاني) ومباريات كأس اوروبا بلعبة كرة السلة».

ويلاحظ الكاتب بخبث انه من العجيب ان يثير هذا الاقتراح استنكارًا اوروبيًا غاضبًا؟ اي ان الاوروبيين لا يريدون اليهود، ويضيف لماذا لم يثر كل هذا الغضب عندما جاءت اقتراحات سابقة مماثلة ويتساءل: هل تم ذلك لانه في زاوية عميقة في القلب وفي متاهات عقلنا اللاواعي نشعر اننا مع كل ذلك.. وبالفعل.. ومن قريب او بعيد.. ماذا نقول.. غير مهم.. لم نقل اي شيء.. اطمئن يا احمدي نجاد.


"فصل المقال"

التعليقات