31/10/2010 - 11:02

بعد جورجيا هل تتوقف حماقات بوش وأولمرت؟../ د.عصام نعمان*

بعد جورجيا هل تتوقف حماقات بوش وأولمرت؟../ د.عصام نعمان*

منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 لم يتوقف جورج دبليو بوش عن ممارسة جنونه السياسي والعسكري. بعض من الجنون يمارسه مباشرةً كما في أفغانستان والعراق وباكستان، وبعضه الآخر يمارسه مداورةً من خلال ايهود اولمرت وميخائيل ساكاشفيلي.

جنون بوش يتفجر، غالباً، في إطار ما يسميه “الحرب على الإرهاب”. فما تقوم به القوات الأمريكية من حروب او تدخلات عسكرية خاطفة في أفغانستان والعراق وباكستان يُبرر بفظاظة وخبث بأنه مجرد مواجهة لتنظيم “القاعدة” مع أن الضحايا في غالبية المواجهات هم الأبرياء من شعوب تلك البلدان.

أما ما قامت به “إسرائيل”، بإيعاز من بوش، ضد لبنان والمقاومة فيُبرر بأنه ضد إيران التي تتخوف أمريكا من تعاظم قوتها وخطرها على مصالحها الاقتصادية وهيبتها الأمنية في المنطقة، وأن “إسرائيل” تخشى من مفاعيل قدراتها العسكرية وتحالفاتها الإقليمية على مستقبل أمنها القومي.

في جورجيا، تجلّى جنون بوش بإيعازه إلى ساكاشفيلي، المحامي السابق حامل الجنسية الأمريكية حينما كان يعمل في نيويورك، بمداعبة الدب الروسي في محاولة لضم اوسيتيا الجنوبية وابخازيا الى بلاده، بعدما أوهمه بأن موسكو لن تكون في وارد الرد على هجمته الصاعقة، وأنه سينجو بفعلته دونما عقاب.

وكان بوش، في ذروة تخطيطه لمجازفته غير المحسوبة، قد أوعز الى اولمرت بأن يغدق الأسلحة على جورجيا لتمكين ساكاشفيلي من انجاز فعلته بسرعة قياسية، وليوفر على نفسه سخط الرأي العام الأمريكي في موسم الانتخابات إذا ما ضُبط متلبساً بجرم تسليح جورجيا واستفزاز روسيا.

حماقة ساكاشفيلي فضحت جنون بوش وصدّعت العلاقات الروسية الأمريكية واستثارت نقمة موسكو على “إسرائيل”.

غير أن مفاعيل جنون بوش لا تتوقف عند حدود إغضاب الدب الروسي. إنها تتجلى في تطورات سياسية بالغة الدلالة، أبرزها:

اشتعال التوتر في علاقات روسيا بدول حلف شمال الأطلسي، ما يشي بعودة سريعة للحرب الباردة بين روسيا وأمريكا بل وانسحاب ذلك على دول أوروبا ايضا.

اتخاذ روسيا مواقف أكثر تصلباً من قضايا الشرق الأوسط وبالتالي أكثر سلبية، وربما عداء، لسياسة أمريكا في المنطقة المعروفة باسم “الحرب ضد الإرهاب”.

قيام تقارب متزايد بين روسيا وكل من إيران وسوريا، واحتمال اقتناع موسكو بتزويدهما مزيداً من الأسلحة المتطورة. ولعل دول الغرب الأطلسي ستدرس بعناية معنى زيارة الرئيس بشار الأسد لموسكو في الظرف الدقيق الحالي.

هذه التطورات الثلاثة تضيّق من فرص قيام الولايات المتحدة بشن الحرب على إيران قبل انتهاء ولاية بوش الرئاسية، ذلك بأن الرأي العام الأمريكي يرفض بقوة، بعد افتضاح حماقة بوش وساكاشفيلي في جورجيا، أي محاولة جنونية أخرى يُقدم عليها بوش ضد إيران أو غيرها.

ماذا عن حماقة اولمرت التي تجلّت أخيراً بتهديده بضرب لبنان إذا ما تحوّل “دولةً لحزب الله”؟

ليست حماقة اولمرت، بالتأكيد، من طراز جنون بوش، كماً ونوعاً. ذلك أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” محكوم غالباً بثلاثة كوابح قوية:

الأول، موقف القيادة العليا للجيش “الإسرائيلي” وحساباتها الاستراتيجية بعيدة المدى. لقد تسرعت القيادة السابقة بشخص رئيس الأركان الجنرال حالوتس بالموافقة على قرار اولمرت بشن الحرب على لبنان، فكان أن دفعت “إسرائيل” ثمناً باهظاً لحماقة اولمرت، فلا يعقل والحالة هذه أن يجاري رئيس الأركان الجديد الجنرال اشكينازي رئيس حكومته اولمرت، خاصةً أن هذا الأخير مضطر إلى الخروج من المسرح السياسي منتصفَ الشهر المقبل.

الثاني، أن “إسرائيل” تعيش في الوقت الحاضر أزمة قيادية حادة لا يعقل معها أن تندفع إلى دعم أولمرت في تهديده الجديد بضرب لبنان أو بضرب إيران، خاصةً بعد افتضاح دورها في تسليح جورجيا وقيام موسكو بالتشهير بها.

الثالث، اتجاه “إسرائيل” إلى انتخابات عامة إما في الخريف المقبل أو في الربيع المقبل. وعندما تكون الانتخابات قريبة فإن القيادة العسكرية العليا كما القيادات السياسية في “إسرائيل” تميل غالباً إلى ترك الانتخابات ونتائجها تحسم القضايا الاستراتيجية العالقة.

غير أن الكوابح الثلاثة لا تنفي جدية تهديد اولمرت للبنان وإن كانت تؤجل تنفيذه. فرئيس الوزراء “الإسرائيلي” ما كان يطلق تصريحا صحافياً عابراً بل كان يحدد موقفاً استراتيجياً، بعلم القيادة العسكرية العليا، يتناول تحدياً ماثلاً او مقبلاً للأمن القومي “الإسرائيلي”. من هنا تنبع الحاجة إلى الإحاطة بأبعاد هذا التهديد في الحاضر والمستقبل المنظور.

في الحاضر، لا يمكن عزل التهديد عن الصراعات والتطورات التي تمر بها الساحة اللبنانية من جهة والأخبار التي تضج بها وسائل الإعلام “الإسرائيلية” حول أسلحة دفاع جوي متطورة امتلكها أخيراً حزب الله، من جهة أخرى. كذلك يجب عدم إغفال تطور بازغ هو نجاح حزب الله في التقارب مع قوى فاعلة داخل الإسلاميين السلفيين ما يمكّنه، عاجلاً أم آجلاً، من نزع فتيل فتنة مذهبية ما فتئت أجهزة استخبارات معادية، إقليمية ودولية، تحاول تفجيرها.

إن من شأن إحلال المصالحة والوئام بين القوى الإسلامية، بمختلف مذاهبها ومشاربها، تقويةُ الأطراف الوطنية المعادية لـ “إسرائيل”، لاسيما حزب الله الذي يتحمّل أعباء المقاومة الميدانية ضد العدو الصهيوني. ولا شك في أن نجاح القوى الوطنية في الانتخابات القادمة وتكبير حصتها في السلطة يزيد من قوتها وبالتالي يزيد من فاعلية المقاومة في مواجهة “إسرائيل”. لذلك فإن تهديد أولمرت يرمي إلى تحذير القوى السياسية المحافظة، لاسيما المعادية لحزب الله، من خطورة التهاون في محاربته ومن انعكاسات ذلك على نفوذها السياسي كما على سلامة البلد.

في المستقبل المنظور، لا يمكن تجاهل ما يمكن أن تقدم عليه “إسرائيل” إذا ما تمكّنت القوى الوطنية، وفي مقدمها حزب الله، من ممارسة توجيه ونفوذ واسعين داخل “الدولة” اللبنانية. ف “إسرائيل” تتجه، على ما يبدو، إلى اعتبار ذلك بمثابة سيطرة قوى معادية لها وفاعلة في محاربتها على مؤسسات وأجهزة كيان سياسي يحدّها من الشمال وقد يعود إلى التحالف بفاعلية مع سوريا، وربما مع إيران، لمواجهتها على مستوى إقليمي. ذلك يشكّل، في ميزان حساباتها الاستراتيجية، إضافة نوعية إلى جبهة أعدائها الإقليميين. وإذا ما فسرت “إسرائيل” “سيطرة” القوى الوطنية المتحالفة مع حزب الله على مقاليد السلطة في لبنان بأنها تخدم عدوها الأول والفاعل في المنطقة، إيران، فإنها لن تتوانى عن ضرب لبنان استباقياً لتفادي “وصول حروب المستقبل إلى المدن “الإسرائيلية””، كما جاء في تهديد اولمرت.

كيف ستكون الضربة الاستباقية “الإسرائيلية”؟

ألقى اولمرت بعض الضوء في هذا المجال. فقال إن “حروب المستقبل، إذا ما نشبت، ستختلف جوهرياً عن حروب الماضي، بل حتى عن حرب لبنان الثانية. لم يعد هناك وضع تدور فيه الحرب في ميدان قتال مجهول وبعيد، فيما تستمر الحياة في المدن الكبرى كأن شيئاً لم يكن. فالحرب ستصل الى المدن والى بيوت مواطني “إسرائيل”، وهدف أعدائنا هو ضرب جبهتنا الداخلية”.

واضح من كلام اولمرت أن “إسرائيل” ستقوم بقصف المدن والبنى التحتية اللبنانية بقسوة وكثافة أثناء الحرب الاستباقية ما يحمل المقاومة اللبنانية على الرد بقصف المدن “الإسرائيلية”. لكنه بدا معوّلاً على متانة الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” لكسب الحرب بقوله “إنه في كريات شمونة، سقط 900 صاروخ كاتيوشا، ولكن بسبب استعداد السكان هناك (وجودهم في الملاجئ) لم يُقتل أي منهم”.

غير أن تهديد أولمرت يحتمل تفسيراً مغايراً. فهو إذ يشدد على مخاطر تعرّض المدن “الإسرائيلية” لصواريخ العدو المدمرة يدرك أن المقاومة درست كما “إسرائيل” تجربة حرب تموز ،2006 وربما تكون قد خرجت منها بحلول فعالة لمسألة احتماء السكان “الإسرائيليين” في الملاجئ. كل ذلك قد يشكّل حجة لأولمرت وغيره من قادة “إسرائيل” للتفتيش عن وسائل أكثر فاعلية ونجاعة لتفادي أخطار الحرب وأثمانها الفادحة.

من السابق لأوانه تعداد بدائل مجزية للحرب، لكن الحروب الأهلية والانقلابات السياسية بوسائل استخبارية قد تكون أبرزها. وهو خيار قد تلجأ إليه “إسرائيل” ضد من تعتبره نُظُماً معادية. أما النظم المسالمة فلن تنال منها “إسرائيل” لأنها تفترض أن بعضها سيكون حليفها الموضوعي من حيث حربه المستمرة على قوى المقاومة وأنصارها في الداخل.

الأمر نفسه ينطبق على بوش. فهو قد يتحجج بنتائج افتضاح حماقته في جورجيا ليقول لقادة “إسرائيل” إن تبدل الظروف وتصاعد التوتر بين روسيا ودول الغرب الأطلسي يحولان دون استجابة دعوتهم الى توجيه ضربة قوية لإيران.

لكن، من يضمن توقف بوش عن الجنون؟
"الخليج"

التعليقات