31/10/2010 - 11:02

بن كاسبيت : حقاً أبو مازن؟! ... أنا بانتظار الأجوبة ../ أيمن اللبدي*

بن كاسبيت : حقاً أبو مازن؟! ... أنا بانتظار الأجوبة ../ أيمن اللبدي*
العناوين المثيرة في بحر الأسبوع الماضي كانت أكبر من ان يحتملها عنصر الإستفاضة حولها ، وهي بالتأكيد لن يكون بمقدورها أن تستلقي في مقال واحد لبحثها إلا أن أردنا أن نرسلها على شكل برقيات مستعجلة ، والبرقيات العاجلة وفيرة وهي قد تبدأ من بداية التسلسل الزمني أو حسب كثافتها النوعية ، بعضها حلقات متصلة لم تبدأ بعملية القدس في نهاية الأسبوع المنصرم،

كانت الصورة في أهداف حكومة أولمرت من العدوان المستمر على الأراضي الفلسطينية وخصوصاً حول غزة واضحة ، فهي متسلسل استراتيجي يمتد على تفضيلات بحسب المدى الذي تذهب إليه ، فهو يحتاج في قصة غزة على المدى البعيد لترسيخ الفصل السياسي والجغرافي واستخدام هذا الفصل (الهدية) في كل الخيارات القادمة لشل خيارات الفلسطينيين ، وهو أيضاً بذات القدر يحتاجه لتوتير الإقليم دوماً وتصدير الأزمات له من باب غزة والجلوس في المقعد كلاعب رئيسي هام لا يقبل الإنصراف أو التبديل ، ليس لأنه لا يتعب ، بل لأن لديه الكثير من مهارات مخبئة!

أما في المدى المتوسط ، فإن أولمرت يأمل من عدوانه على غزة المستمر أن يعالج متطلبات واستحقاقات عملية (سلام) بالهروب المستمر إلى الأمام ، واستخدام وضع (غزة) الإنفصالي وأحياناً الأمني ذرائع للتهرّب وبحسب الحاجة لأيها ، وهو بالقطع مستبشر كثيراً في معالجة غول الديموغرافيا الذي حذّر منه في هرتسيليا الثامن من خلال الدفع عن طريق الضغط لتحقيق تهجير أو هجرة طوعية ، هو بالقطع عينه على الأرقام التي تقول بهجرة مليون من سكان الكيان منذ عقد واحد فقط ، وطالب بضرورة الإتصال بهم واقناعهم في العودة ، طبعاً هو يعمل على تبطيء المفاعل (النووي الرحمي) الفلسطيني الذي يبتهج أمام الحديث عنه بعض المتهورين وهو يتكفّل بقتل الرضّع وسلخ الأرحام من بطون الأمهات!

بن كاسبيت في معاريف الصهيونية بمقاله «لم تبدأ الحرب بعد» ، يشير إلى الرئيس محمود عباس وما اعتبرها زلة لسان له في الحديث عن هول العمل الذي اقترفته أداة أولمرت المجنونة القاتلة ، إنه يعاتب ما يضعه (شريكنا) مستخدماً الأقواس على قوله إنها كانت أكثر من محرقة! وهو طبعاً أي كاسبيت يستذكر رسالة الدكتوراة الخاصة بالرئيس عباس حول قضية (الهولوكوست) ، صحيح أن الهولوكوست كان ضد أجداد بن كاسبيت وضد غيرهم وليس مهماً العدد ، وكان ضرباً من الجينوسايد المدان بكل المقاييس ، إلا أن (الهولوكستيل) الإسرائيلي - الصهيوني ضد الرّضع هو طبعة مزيدة ومنقحة من إنتاج أولمرت وفلنائي ، هل يتذكّر بن كاسبيت أن فلنائي وليس أبو مازن هو الذي وصفها بالمحرقة أم لا ؟

هي طبعاً في وصف أدق كانت (حرب ضد الرضّع) وهي طبعة خاصة بجماعة بن كاسبيت ولا أعتقد أن عبقرية إجرام النازية الشيطان قد توصّلت لهذا الإختراع ضد الرضّع ، كما أن القتل بالمفرّق يومياً هو في ظني أفظع من القتل بالجملة مرة واحدة في العقلية الإجرامية وسايكيولوجيا السايكوباتيين ، إنهم يدعون فرصة مزدوجة للتلذُّذ بآلام الضحية ومن خلفه معاً ، وبدلاً من استخدام غرف الغاز فجماعة كاسبيت يلجأون لقصف غرف الرضع فلا حاجة لاستخدامها في القتل القادم إذ ثمة الكثير من الغرف في غزة بعد ، طبعاً بن كاسبيت يتوقف عند كلام مشعل حول المليون ونصف (مجاهد) في غزة ، وهو بالضبط على مقاس (الرحم النووي) الذي لا يختلف كثيراً عن مقاس تصريحات (سحق الصراصير) من أفواه الحاخامات الذين يسكنون بالقرب من كاسبيت وتأتي طلائع عنصريتهم من أمثال مدرسة «بيت الرب» في القدس ، هل يحمل بن كاسبيت أدلة على حرق الرّضع في غرف الغاز؟! وهل بينهم طفل جنيني بعمر 48 ساعة؟

عملية «بيت الرب» في القدس حتى الساعة غير واضحة تماماً مثل عملية «ديمونا» غير الواضحة أيضاً حتى الساعة ، وقتل المدنيين مدان طبعاً طالما هم مدنيون ، لكن الإدانة كانت تحقق رصيداً ضخماً طيلة «حرب إسرائيل على الرضّع» في غزة ، وكان من البديهي أن تصرف الإدانات معاً لكنَّ هذا لم يرق لمنطق متنفذي مجلس الأمن وأصدقاء كاسبيت ، وخاصة ان آحدثهم السيناتور جون ماكين الرئيس القادم للبيت الأبيض في زيارة عمل في وفد من السيناتورز هذا الشهر لفلسطين ، وأولمرت إما أنه وجد من حسن الضيافة أن لا يرد على عملية القدس الآن ، أو أنه مجبر أن ينتظر الصفقة القادمة الأمريكية - الإيرانية وحصته فيها بعض الأهداف القصيرة والعاجلة في (غزة) ، فإطلاق شاليط وتنفيذ تهدئة وازنة قد تكون طويلة الأمد كما عرضت لعشريات من السنين مع تقليم أظافر المقاومة التي لا تخضع لسلطة الأمر الواقع في غزة ولا بأس أيضاً من تحقيق سياسة تروييع الرضّع والمدنيين وتهذيب سلوك قادة الإنقلاب في (حماس) من جديد بعد أن يكتشفوا أن (الرحم النووي) له متطلبات ليشتغل.

لا مشكلة وقد اكتشف هؤلاء القوم فجأة قصيدة السحر في التهدئة وكأنها إنجاز إلهي ، طبعاً التهدئة غير الربانية التي طالما سعت إليها الحركة الوطنية الفلسطينية كانت غير ربانية ، هذه المرة ستكون كذلك إن كانت بطعم تمكين حكومة أولمرت من قطف بعض ثمار العدوان في (غزة) في مسألة الإستراتيجيا مقابل ثمار ساقطة في مسألة الزهو بأن الامريكان سيفاوضون أخيراً حكومة الأمر الواقع وكذلك سيذعن الإسرائليون لمنطوق عزل (غزة) وخيارات الإمارة أو المشروع الإسلامي الكبير الذي بشّر به أنه بدأ عدد من أقطاب وصفة الإنقلاب في مقدمتهم السيد الزهار ، والذي تقول عنه قيادة الإنقلاب أنه يحقق الإنتصار أخيراً والدليل ماثل في إذعان الولايات المتحدة وإسرائيل للتفاوض مع حقيقة سلطة (غزة)! وعليه فإن الأهداف كلها قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل عند انقلابيي (حماس) هي في نهاية الأمر هدف واحد لا غير مهما كانت (التضحيات) من دماء أبناء غزة أو مرافقها الحيوية أو صلاتها الوطنية والجغرافية مع الوطن ، فهي دوماً تبقى تحقيق اعتراف ما بالمشروع وجماعته ودوره.

التهدئة التي يريدها الوضع الفلسطيني غير هذا النوع من التهدئة ، لا التهدئة الربانية التي قاتلت من أجلها قيادة (حماس) الإنقلابية كما يبدو ، ولا التهدئة الإسرائلية التي يسعى أولمرت إليها في طلب الصمت التام وهو يستمر في نحر عملية سلام عبر المستوطنات ، وكلا من هذين الطرفين يقدم تهدئة خاصة على ذوقه ، وهذه ليست التهدئة التي من المفترض أن الشعب الفلسطيني ويدعمه العالم العربي والوضع الدولي يرغب بها .

ما يطلبه الحريص على عملية السلام فعلا تهدئة من نوع آخر ، إنه يطلب تحقيق وضع ترجمة نقاط خارطة الطريق فوراً وفي مقدمتها تجميد غول الإستيطان مع توقف القتل الإسرائيلي والتدمير بكافة أشكاله وتبييض المعتقلات الإسرائيلية ، وإيجاد الأجوبة على مسائل المفاوضات الجوهرية التي يجب أن تؤدي إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة وقابلة للحياة على كل أراضي ما قبل العدوان يوم الخامس من حزيران 67 ، وعاصمتها القدس مع حل موضوعة اللاجئين وفق القرار 194 حلاً عادلاً يقبله اللاجيء ويقبله الشعب الفلسطيني ، وبالتأكيد لتحقيق هذا الذي قدمته القيادة الفلسطينية على أنه خيارها الإستراتيجي للوصول إلى السلام العادل والمشرف ، ومع أن هنالك حاجة فيما يبدو لتعديل هذا المسمى من الخيار الإستراتيجي إلى البديل الإستراتيجي لأن التوصيف هو للنتيجة وليس للطريق ، فمع ذلك فإن هذا الشعب وهذه الأمة تطمح إلى رؤية العنب وحصاده ولن تقاتل الناطور في النهاية.

طبعاً هنالك من لا يرغب في مثل هذا النوع من التهدئة ، وتم تسجيل موقف قيادة إنقلاب (حماس) في نوع التهدئة كما تم تسجيل نوع موقف حكومة أولمرت في نوع التهدئة المطلوبة واغراضها ، لكن بالقطع ثمة من يقف خارج هذه الصورة في أنواع أخرى من طلب التهدئات أو السعي الحثيث لهز أي نوع من أنواع التهدئة وفق أجندات خاصة قد لا تتقاطع بالضرورة مع هذه الرغبات للأطراف الأخرى ، وإذا كانت إيران واحدة من هذه المتهمة في أول الصف فإن بقية الصف ليست قصيرة أيضاً لا إقليمياً ولا دولياً.

موقع «دبيكا» الإستخباري الصهيوني نشر في بداية الأسبوع قصته عن تجهيز الصفقة الأمريكية - الإيرانية وتحضيرها للرئيس القادم في البيت الأبيض والذي استقبله بوش في مكتبه البيضاوي لتسليمه مفاتيحها ، فالإسرائيليون يقولون - من جديد حسب ديبكا - أن أحمدي نجاد حظي بالرعاية التامة لتدشين أول مشوار هذه الصفقة في زيارته الأخيرة لبغداد ، وأن الولايات المتحدة حرصت أن لا يتم تعكير هذا من خلال طرد الأتراك بعيداً عن حقول كركوك فهي لا شأن لهم بها ، فالبترول العراقي وجزء من الغاز الايراني أمريكي حتى عهد طويل قادم ، ولا بأس أن تخصّب إيران اليورانيوم وتحصل على وقود بديل طالما ستفقد حظها فيما ساعدت بالوصول إليه ، بل وتدفع من حسابها أيضاً ، وهم ينظرون بعين الخشية إلى أن تكون المقاولة تشمل وضع سوريا ولبنان أو حتى جزءاً من السودان.

ما يقوله مراقبون آخرون عن كثب أن المشروع الإيراني ربما كان قد تعارض في بدايته مع بقايا العروبة في الساحة الشيعية إن في لبنان أو في العراق ، بحيث لا يكون مشروعاً فارسياً متغوّلاً لأهداف قومية متغطياً بدثار إسلامي يشكّل عباءة تخفي بامتياز ، ويستشهدون على شطب مقتدى الصدر في العراق وجماعته جيش المهدى وهو الذي جرى مسبقاً التحضير للتلاعب به منذ مشهد اعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ، ثم يستقدمون عملية اغتيال عماد مغنية على أنها الدليل الثاني على حسم الأمر في حزب الله اللبناني لصالح هذا المشروع الفارسي ، وهم بالقطع لا ينسون عملية تطويع الكثير من المراجع الشيعية الخليجية وحشرها خلف مرجعية وولاية الفقيه الخامنئي حسماً كاملاً لصالح المشروع الفارسي.

الإيرانيون الذين يحاولون نفي هذه الشبهات والدلائل متحمسون زيادة عن اللزوم كالعادة في وصف من يقدّم هذه التحليلات بالأوصاف المسفّهة ، وحينما يلجون إلى الدفاع وتقديم رؤية أخرى يستخدمون تبريرات مهزوزة من نمط الادعاء بوجود خطط مرتبة في مسألة احتلال العراق ، ولم نسمع عن هذا التوصيف «العواصمي» للعلاقات السياسية الإستراتيجية واستخدام مفردات عجيبة من نمط «التعامل الناعم» مع خطط العدوان على العراق وكسر ظهر البوابة الشرقية ، والإستغفال كبير في هذه المسألة حينما لا يتم توصيف نوعية الخطة ولا نوعية التعامل في مسألة العدوان على أفغانستان وتسهيله للولايات المتحدة قبل العراق ، هل كان تعاملاً ناعماً أم تعاملاً «مدغدغاً» ؟ وقصة الصبر على الخصم هذه يعني كما يقولون بالعامية (شوية واسعة) كما لحظتها وأنصح بإعادة جدولة المرافعة وترتيب الدفوعات بطريقة «بروفشنال» !

الأسبوع القادم أطول ويبدو أن أحداثه أضخم ، لكن في كل الأحوال هنالك عامل واحد نحو إعادة المرآة معتدلة في الوضع الفلسطيني بدلاً من التقعير والتحديب ، هو عامل إنهاء قصة الإنقلاب المحزنة والتوافق على تنفيذ مشروع وحدة وطنية فلسطينية حقيقية لصالح الشعب الفلسطيني بعيداً عن مهاترات ورغبات الرؤوس الحامية الغارقة في التهيؤات وتحت الخيمة الشرعية الفلسطينية الوحيدة وباب اليمن مفتوح دعوه يصبح باب اليمن (السعيد) فشعبنا يستحق على وفائه وصبره العرفان وليس النكران عندها فقط ثمة قيمة لصيحة «انتصرنا» أو شرعنا فيه ....!

وأعود لبن كاسبيت : هل انتهيت من توفير الإجابة على أسئلتي ؟ أنا مازلت بانتظارك!



*نائب رئيس تحرير صحيفة «الحقائق »والمشرف العام على الحقائق الثقافية

ayman@alhaqaeq.net


التعليقات