31/10/2010 - 11:02

بين اتفاق "الرف" وتداعيات حرب تموز../ راسم عبيدات

بين اتفاق
...تتناقل وسائل الأعلام أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والذي يصل نهاية طريقه السياسي، في الشهر المقبل، قد عرض على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اتفاق "رف" يتم بموجبه ضم ما ساحته 7% من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل، مستثناة منها القدس والأغوار والطرق الالتفافية، وعلى أن يعوض الطرف الفلسطينيين عن ذلك بـ5،5 % أراضي في منطقة النقب، مؤجلة لحين حل مشكلة سيطرة حماس على القطاع.

والخطورة ليست في عدم العودة لخطوط الرابع من حزيران عام 1967، بل أن ما هو أخطر من ذلك هو ضرب أحد أهم مرتكزات البرنامج الوطني الفلسطيني، ألا وهو حق العودة، حيث ما سرب عن اتفاق "الرف" هو الموافقة على عودة عشرين ألف لاجئ فلسطيني على مدار عشر سنوات إلى فلسطين عام 48، تحت بند حالات إنسانية، وإلغاء حق العودة لأكثر من 4 ملاين لاجئ فلسطيني.

وحتى عودة العشرين ألف ولمدة عشر سنوات، فهي لا تلقى قبولاً ودعماً من أبناء حزب أولمرت وشركائه في الحكومة. وليفني المرشحة الأقوى لزعامة "كاديما"، ترى أنه لا يجب التوصل إلى اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني تحت ضغط الجداول الزمنية، وهي على غرار بقية الجوقة من زعماء إسرائيل السابقين واللاحقين، تقول فلتتواصل المحادثات مع الفلسطينيين، ولا ضير في ذلك، ولو لخمسة عشر عاما أخرى، وحينها تكون إسرائيل قد استكملت خطواتها ومشاريعها على الأرض، ولا يوجد بعدها ما يبرر استمرار التفاوض عليه، ناهيك عن أن ليفني قالت بشكل واضح وصريح إنها ستقف بكل قوة ضد حق العودة للفلسطينيين، ولا عودة سوى"للكانتنونات" التي تخليها إسرائيل والمسماة بالدولة الفلسطينية.

وحتى هذه الاتفاقيات المذلة والهزيلة إسرائيل غير قادرة على تطبيقها، حيث أنه بعد الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان تموز/2006، وما أفرزته من تداعيات على الساحة الإسرائيلية، هذه التداعيات التي تشير بشكل واضح لغياب وأفول نجم القيادات التاريخية في إسرائيل والقادرة على اتخاذ قرارات إستراتيجية ومصيرية، كما هو الحال عند رؤساء وزراء سابقين من أمثال غولدا مئير ومناحم بيغن وشامير ورابين وأخيراً البلدوزر أو ما يطلق عليه لقب ملك اسرائيل شارون، والذي ما زال في غيبوبته التي دخلها، بعد أن أوصل حزبه الجديد "كاديما" إلى القمة، والذي تشير استطلاعات الرأي أنه يشهد حالة من التراجع والانهيار، والذي يصل حد التفكك والتحلل، والدخول في حالة من الغيبوبة كحالة صاحبه ومؤسسه.

حالة الغيبوبة هذه لا شك أنها جاءت كنتيجة للحرب العدوانية على لبنان والمقاومة في تموز /2006، والتي جاءت نتائجها على شكل هزيمة عسكرية أقرت واعترفت بها لجان التحقيق الرسمية والشعبية وبالذات لجنة "فينوغراد"، وهي أيضاً لم تنجح تلك الحرب، والتي قال وزير الأمن الإسرائيلي باراك عنها أن إسرائيل دفعت ثمن قلة تجربة وخبرة قادتها في هذه الحرب. وهذا ليس له من الصحة بشيء، فهو المجرب والخبير وصاحب الباع الطويلة في المذابح والمجازر، جر أذيال الهزيمة والفشل في عام 2000، والحرب لم تنجح أيضاً في كسر إرادة المقاومة وحزب الله، بل على العكس من ذلك، فقوة ودور الحزب يتعززان ويتعاظمان، ليس على الساحة اللبنانية فحسب، بل وعلى المستويين العربي والإسلامي، كما أن تداعياتها طالت الكثير من القيادات العسكرية والسياسية منها على سبيل المثال لا الحصر قائد المنطقة الشمالية ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، والأمر ها هو يصل رئيس الوزراء إيهود أولمرت، وإن بدت الصورة على أساس فضائح الفساد والرشاوي، ناهيك عن أن من تداعيات الحرب تلك أنها قبرت مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي نظرت له وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس،والذي على أساسه خاضت إسرائيل لأول مرة في تاريخ حروبها حرباً بالوكالة عن دولة أخرى، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

وتداعيات حرب تموز العدوانية/ 2006، وكما قال الشيخ حسن نصر الله وضعت إسرائيل أمام معادلة وأزمة القيادة التاريخية، هذه القيادة التي تصل نهاية طريقها السياسي، غير متوقع لها أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، حتى اتفاق "الرف" الذي تحاول وتستعجل الإدارة الأمريكية فرضه، في الوقت المستقطع المتبقي لها، والذي تسعى من خلاله، أن تسجله كانتصار لها في سياستها الخارجية، والتي تمنى بهزائم متلاحقة أخرها الخسارة الثقيلة في جورجيا، بهدف تحقيق نتائج معقولة للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

إن وصول كل الأطراف إلى الوقت المستقطع والضائع في مستقبلها السياسي،أمريكياً وإسرائيليا وفلسطينياً، يشير بكل وضوح إلى عدم قدرة هذه الأطراف على ترجمة أي اتفاق سياسي على أرض الواقع، فالاتفاق الذي ترى فيه أمريكا انجازا لها ولمشروعها ورؤيتها السياسية، قد تعني الموافقة عليه وإقراره خسارة سياسية لأطراف أخرى، وبالذات قادة حزب"كاديما" والذين يرون أن مثل هذا الاتفاق قد يعني خسارة في شعبيتهم وتمثيلهم في البرلمان الكنيست في الانتخابات القادمة، وخصوصاً وهم يشعرون أن القيادة الأمريكية والتي دخلت نهاية طريقها السياسي، غير قادرة بالضغط عليها أو تمرير هذا الاتفاق، وفي ظل مجتمع إسرائيلي رافض للسلام مع الفلسطينيين، والذي في استطلاعات الرأي الأخيرة 59% من الجمهور الإسرائيلي، يرفضون أية مفاوضات سلمية مع الجانب الفلسطيني، ناهيك عن أن الطرف الفلسطيني، والذي لديه من المشكلات ما يكفيه، فعدا عن حالة الضعف الداخلي، وما يعانيه المجتمع الفلسطيني من انقسام جغرافي وسياسي، فهذا الطرف أيضاً يقترب من نهاية طريقه السياسي، وأي اتفاق قد يتوصل إليه، غير قادر على تطبيقه والالتزام به، وهذا يعني أن هذا الطرف الفلسطيني قد يضطر لإعادة النظر في خياراته، ويعلن تخليه عن نهجه التفاوضي المارثوني والعبثي، أو أنه قد يصر على الاستمرار في هذا الخيار والنهج، وما يترتب عليه من تبعيات ومخاطر على الحقوق والثوابت الفلسطينية، والذي قد يدفع بالساحة الفلسطينية، نحو المزيد من الشرذمة والانقسام والانتحار الذاتي.

إن اتفاق"الرف" هذا يؤشر إلى عدم رغبة الطرف الإسرائيلي في التوصل إلى اتفاق سلام جدي، يلبي حتى الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي ظل مجتمع وقيادة غير ناضجتين لصنع السلام، فإنه لا يلوح في الأفق أي اتفاق سياسي، وسنعود للدوران في نفس الحلقة المفرغة، ورهن الحقوق الفلسطينية والعربية لنتائج الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية، والتي لا تعني عودة إلى المربع الأول فقط، بل وفتح الاتفاق وما هو متفق عليه على نحو أشد سوء وهكذا دواليك.

التعليقات