31/10/2010 - 11:02

تحولات الصراع على الشرق الأوسط../ ماجد كيالي

-

تحولات الصراع على الشرق الأوسط../ ماجد كيالي
ثمة انقلاب استراتيجي بالنسبة لدور الفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين، في الشرق الأوسط، كما بالنسبة لعلاقات القوى، وشكل الصراع على هذه المنطقة الاستراتيجية للعالم.

اللافت أن القوة التي دشّنت هذا الانقلاب، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، بإسقاطها نظام طالبان في أفغانستان (2002) وبعده نظام صدام حسين في العراق (2003)، لم تستطع التحكم بالتداعيات الناجمة عن هذين الحدثين في المنطقة، من باكستان إلى لبنان، ولا تجييرهما لحسابها تماما، بسبب انتهاجها سياسات عنجهية، وعدم مراعاتها لمجتمعات هذه المنطقة ونمط ثقافتها، وطريقة رؤيتها لذاتها ولمصالحها، وبسبب اعتمادها القوة كوسيلة لإحداث تغييرات في واقع هذه المنطقة، دون التبصر بالانعكاسات السلبية والعكسية التي يمكن أن تنجم عنها.

ولعل التطور الأبرز في هذه التداعيات يتمثل بصعود نفوذ إيران في العراق، وفي عموم الشرق الأوسط، وتحديها للنفوذ الأمريكي فيه، بشكل غير مسبوق، إذا استثنينا مرحلة وجود الاتحاد السوفييتي (السابق)، إبان علاقات الحرب الباردة وعالم القطبين.

أما التطورات والتحولات التي جاءت كانعكاس للسياسة الأمريكية الشرق أوسطية، فتتمثل، بانكسار الكيان العراقي، ووقوعه في دائرة الفوضى والعنف الأعمى، والخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعمق الانقسامات الطائفية والمذهبية والاثنية فيه. ثم في تفشي النعرات الطائفية والانقسامات المذهبية (بين السنة والشيعة) في عموم منطقة الشرق الأوسط؛ ما يهدد الاستقرار في هذه المنطقة، ووحدتها المجتمعية وكياناتها السياسية. كما في تنامي دور الفاعلين اللادولتيين، لاسيما المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، في تقرير الشأن الداخلي في بعض البلدان العربية، وبالخصوص في لبنان (حزب الله)، وحركة حماس (فلسطين)، والقوى السياسية الشيعية (العراق)؛ وهي بالإجمال قوى محسوبة على إيران، ومدعومة منها.

وقد فاقم من كل ذلك الاضطراب الحاصل في النظام العربي إزاء ما جرى وما يجري في العراق، وإزاء المشاريع الخارجية، ولاسيما الأمريكية، من مثل مشاريع "نشر الديمقراطية"، وإصلاح النظم السياسية، و"الشرق الأوسط الكبير" أو الموسع، بالإضافة إلى ضعف فاعلية هذا النظام وتدني وقدرته على تقرير مصيره، والدفاع عن حقوقه ومصالحه، ومواجهة التحديات التي تعترضه، في قضايا السياسة والاقتصاد والمجتمع، إلى تحدي تجليات وانعكاسات العولمة، ومن ضمن ذلك تحدي عملية التسوية مع إسرائيل، إن لم نقل عملية الصراع معها.

الآن تبدو الإدارة الأمريكية بصدد مراجعة بعض سياساتها في هذه المنطقة، من مداخل عدة، يتمثل أولها بمحاولة تفعيل عملية التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، على أساس رؤية الرئيس بوش بشأن حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية.

وثانيها يتمثل بالتراجع عن مشروع "نشر الديمقراطية"، وتابعه إصلاح أو تغيير النظم السياسية، في المنطقة العربية، وهما أساس مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وذلك لصالح العودة إلى السياسة الأمريكية التقليدية، التي كانت اتبعتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط (منذ عقود عدة)، بشأن الحفاظ على استقرار الأنظمة الحليفة السائدة، بغض النظر عن طبيعتها، وعن سياساتها الداخلية.

وثالثها يتمثل بتوحيد الصف العربي في مواجهة النمو المتزايد للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، على اعتبار أن هذا الخطر يتهدد معظم الأنظمة العربية في هذه المنطقة. وتتركز الادعاءات الأمريكية هنا، على اعتبار إيران دولة دينية ومذهبية (شيعية)، وداعمة للجماعات الإرهابية، وتسعى لتسعير الفتن المذهبية في المنطقة، ما يهدد وحدة مجتمعاتها ويقوض الاستقرار فيها، وأنها تحاول الهيمنة على الشرق الأوسط، بسعيها تملك السلاح النووي، وباستخدامها ذريعة الصراع العربي الإسرائيلي لدعم الجماعات المسلحة الموالية لها.

في مقابل ذلك تسعى إيران إلى توطيد وتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، من العراق إلى فلسطين ولبنان، بدعوى المشاركة بالصراع ضد إسرائيل، انطلاقا من قوتها النفطية، وقوتها العسكرية المعززة بسعيها لامتلاك القوة النووية، كما من تنامي نفوذ القوى الإسلامية المتحالفة معها، وامتداداتها المجتمعية المذهبية في بلدان المنطقة.

وفي الواقع فإن إيران في كل ذلك لا تتحدى فقط إسرائيل والولايات المتحدة فحسب، وإنما هي تتحدى (أو تهدد)، أيضا، مستقبل العراق كوحدة سياسية واجتماعية وجغرافية، كما تتحدى استقرار المنطقة العربية وهويتها، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، بغض النظر عن خطاباتها، وتوظيفاتها لشعاراتها.

أما إسرائيل فهي باتت في حيرة من أمرها إزاء العواقب الخطيرة التي جلبتها سياسة القوة الأمريكية في المنطقة، فهي وإن بدت مرتاحة في البداية لما جرى في العراق، وتمنت أن يعم على المنطقة، وفق سياسة "الدومينو"، إلا أنها باتت تنظر بعين الخطورة للتداعيات التي نجمت عن ذلك، والتي باتت تهدد استقرارها وأمنها ووجودها، بدءا من صعود إيران، إلى صعود قوى الإسلام السياسي المسلحة، إلى الضعف الحاصل في بنية الكيانات والمجتمعات العربية، والذي يمكن أن ينعكس عليها سلبا.

اللافت أن النظام العربي يكاد يكون الغائب الأكبر عن كل ما يجري، بالنسبة لتقرير أحواله، وصوغ مستقبل المنطقة، كما بالنسبة للتصارع عليها، خصوصا بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، من جهة مقابلة.

هكذا فإن المراجعات الأمريكية للسياسة الشرق أوسطية، إن كانت جادة، في مجال تدعيم النظام العربي، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية، تأتي جد متأخرة، ومع ذلك فإن نجاحها مرهون بمدى توجه إدارة بوش للضغط على إسرائيل، وبمدى استجابة إسرائيل لهذه الضغوط، وإلا فإن المنطقة ستبقى تسير باتجاه مزيد من الفوضى والغموض.

التعليقات