31/10/2010 - 11:02

تحويل العرف العنصري الى قوانين / جمال زحالقة

تحويل العرف العنصري الى قوانين / جمال زحالقة
في اليوم الأخير لدورتها الصيفية للعام 2005، أقرت الكنيست قانونين عنصريين، ينزعان قناعاً آخراً عما يسمى بالديمقراطية الإسرائيلية. الأول هو قانون منع التعويضات من الفلسطينيين الذين تضرروا من ممارسات القوات الإسرائيلية في المناطق المحتلة, والثاني هو قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر, والذي جرى تمديد سريان مفعوله بعد أن أدخلت فيه بعض التعديلات الطفيفة.



إن مجرد إقرار مثل هذين القانونين يدل على أنه توجد في الكنيست غالبية ثابتة لا تتبنى السياسة العنصرية فحسب, بل مستعدة للذهاب إلى أبعد من ذلك وتحويلها إلى قوانين رسمية. الجاهزية العنصرية موجودة وحاضرة, وهناك من يبادر إلى قوننتها وهناك من يملك الاستعداد للانسياق خلفها مثل حزب "شينوي" الذي يتشدق بالليبرالية وحزب العمل، الذي يتقمص شخصية راعي المواطنين العرب (والكل يعلم كيف ينظر الراعي إلى جمهوره).



لقد مر قانون منع لم الشمل بأغلبية ساحقة، إذ ايده 59 عضو كنيست من اليمين والأحزاب الدينية وشينوي وحزب العمل, وعارضه 12 عضواً من الأحزاب العربية وحزب ميرتس, وتغيب عن التصويت عدد من نواب حزب العمل بينهم أوفير بينس, وزير الداخلية وغالب مجادلة, رئيس لجنة الداخلية في الكنيست. أما قانون منع تعويضات الانتفاضة فقد حظي بدعم 54 مقابل 15. هذه الأرقام تدل على أن دخول حزب العمل إلى الحكومة لم يغير شيئاً، وبدل أن يغير حزب العمل سياسة الحكومة، كما روج الذين أيدوا وصفقوا وصوتوا لضمه للحكومة (القائمة الموحدة)، تراجع حزب العمل عن موقفه المعارض لقانون منع الشمل وانضم، عملياً مواقف الليكود. بعد كل ذلك يأتي عرب حزب العمل ليقولوا بأنهم مع التغيير من الداخل، متناسين أنهم في بطن حزب بلعه الليكود.



لعل من أخطر ما في القانونين أنهما يسريان بأثر رجعي. فقانون منع لم الشمل لا يمنع الزواج الجديد فحسب بل يدمر العائلات القائمة قبل سنّه والتي جرى فيها الزواج في حالة قانونية مغايرة. "لقد غير الأوغاد أصول اللعبة", هذا ما قاله سبيرو أجنيو منذ مدة طويلة. والحقيقة أن الأوغاد في الكنيست غيروا القانون غير عابئين بمصير آلاف العائلات التي لم تعرف أنه سيأتي مثل هذا القانون ليحول حياتها إلى جحيم ويتركها معلقة في الهواء. وعلاوة على كونه قانونا عنصريا، فهو غير إنساني، يترك خلفه ذيولاً من المآسي والمعاناة اليومية المرتبطة بصلب الحياة وهو الخلية العائلية.



كذلك الآمر بالنسبة لقانون التعويضات, فهو لا يبدأ منذ إقراره, بل يشمل الحالات التي سبقت سنه، كما يشمل الإجراءات القانونية الجارية في المحاكم حالياً. وبموجب هذا القانون يستطيع جندي إسرائيلي أن يطلق النار على مدني فلسطيني يمر في الشارع ويسبب له عاهة مستديمة تمنعه من العمل طيلة حياته, ولا يستطيع الفلسطيني تقديم دعوى تعويضات في المحكمة. والتسويغ الإسرائيلي للقانون هو أن هناك آلاف الحالات التي يمكن طلب التعويضات بسببها, وهذا بالطبع عذر أقبح من ذنب, وفيه إقرار ضمني بأن إسرائيل ارتكبت آلاف الجرائم التي لا يمكن تبريرها حتى في المحاكم الإسرائيلية.



حاولت إسرائيل تبرير عنصرية قانون منع لم الشمل باللجوء إلى مزيج من الادعاءات الأمنية والديمغرافية, وهي تبريرات واهية وكاذبة. ولكن لا يمكن تبرير قانون منع التعويضات لا بالأمن ولا بالديمغرافية, فهو عنصرية بلا تبرير, وعنصرية مكشوفة ومفضوحة ووقحة. والقانونان معاً دليل على الإفلاس ودليل على أن الحالة العنصرية التي أنتجهما تعمل ساعات إضافية لتحويل العرف العنصري القائم إلى قوانين ثابتة ورسمية. في هذه الظروف يتوجب على المناهضين للعنصرية محلياً وعالمياً استغلال الاهتمام بما يجري في بلادنا لفضح العنصرية المستشرية على ارض الواقع وفي كتاب القوانين.

(افتتاحية فصل المقال)

التعليقات