31/10/2010 - 11:02

تحية إلى معرض الكتاب العربي../ حسام عيتاني

تحية إلى معرض الكتاب العربي../ حسام عيتاني
حسابات الربح والخسارة لا تغيب، على الأرجح، عن أذهان منظمي معرض الكتاب الحادي والخمسين. ولعل الأنسب هو ألا تغيب الحسابات هذه عن أي عمل ذي سمة تجارية. غير أن المنظمين هؤلاء مثلهم كمثل جميع دور النشر المشاركة والزائرين من أجل الفرجة المحض أو من أجل الشراء، يستحقون تحية كبيرة.

بعد يوم من جريمة اغتيال العميد فرانسوا الحاج ووسط تأرجح شديد بين التفاؤل والتشاؤم بل اليأس، يقرر النادي الثقافي العربي وجمعية الناشرين افتتاح المعرض الذي يبدو أنه على موعد مع سوء الطالع. فقبل عامين اغتيل بعد أيام قليلة من بدء نشاطه النائب جبران تويني، وفي العام الماضي في مثل هذه الأيام كانت ذروة «ثورة الخيام» في الوسط التجاري لبيروت تعطل المعرض وتؤجله لأشهر خمسة.

افتُتح المعرض أمس حاملا رسالة يتعين أن تصل بوضوح الى أصحاب السيارات المفخخة: ما زال في هذه البلاد وفي هذه المدينة من يرى في الكتاب ضرورة. لتكن ضرورة مادية تجارية مركنتلية محضة. وليكن الكتاب مجرد سلعة تباع كباقي السلع.

نحن نقبل بذلك ونكتفي به، ما دام الكتاب وما دام معرضه، يمثلان علامة من العلامات القليلة التي تعلن عدم انزلاقنا التام والنهائي نحو الهمجية. هذا وبغض النظر ولو مؤقتا عن مستوى الكتاب ومضمونه أو ما قد يظهر أثناء المعرض من هنات.

ولبنان في حاجة ماسة في الأيام الكالحة السواد هذه الى كل ما يذكر أبناءه بإمكان الخوض في حوار سياسي وثقافي متعدد الأصوات لا تحضر فيه خطابية التقريع والتهديد وسواها من المفردات المهيمنة على مشهد الحياة العامة. والكتاب مؤهل لأداء دور الوسيط بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية اللبنانية شرط أن يبدي حَمَلَة الألوية الحزبية الرغبة والقدرة على القراءة والاستيعاب قبل إطلاق الأحكام المبرمة، على جاري عادة سيئة وراسخة فيهم.

الغالب الأعم أن بعض الغلاة سيرفعون أصواتهم، على غرار ما فعلوا في المعرض الماضي، بالقول انهم لن يشاركوا في معرض افتتحه رئيس الحكومة «اللا شرعية واللا دستورية واللا ميثاقية»، غير أن هذا يجب أن لا يفسد احترام رواد المعرض وزائريه لحق المقاطعين بالتعبير عن آرائهم من جهة، وعن القول الصريح إن أصحاب الرأي هذا يخطئون مرتين من جهة ثانية. الخطأ الأول ان المقاطعة تنطوي على رفض في الانخراط في مزاج ثقافي (وحتى تجاري) يعلي من شأن التبادل الهادئ بين أبناء بلد واحد وبينهم وبين ضيوفهم العرب. الخطأ الثاني يتعلق بالمبالغة في إلصاق الصفة السياسية بمعرض اتخذ منذ انطلاقته تقليدا بجعل رئيس مجلس الوزراء راعيه ومفتتح نشاطاته.

لكن مفرقي الجماعات ومفسدي الأفراح هؤلاء قلة تصر على الحضور في كل المناسبات. وأصالة المناسبة وحاجة اللبنانيين الى الفرح القليل الذي تحمله، هما الترياق حيال الوقوع في فخ الاستقطاب السياسي الذي يجب أن لا يكون معرض الكتاب ساحته، خصوصا هذا العام وفي ظل البؤس الحالي المعمم.

ومما نشر وتم تداوله في الصحف، يمكن استشفاف حالة الضيق التي يعاني منها الناشرون بسبب الجمود المسيطر على سوق الكتاب وتراجع أعداد القراء، ويمكن في المقابل القول ان بعض القراء سيحتج على تواضع ما يقدمه المعرض من عناوين جديدة وعلى استمرار هيمنة كتب الأبراج والطبخ وما شاكل. الاحتجاجان صائبان بمعنى ما، لكن يتعين على أصحابهما التعايش في الفترة الراهنة حيث تتعارض جدية الكتب المنتظر حضورها القوي في المعرض من قبل قراء قد يُتهمون بالنخبوية، مع ضرورات البقاء بالنسبة الى دور نشر ترى نفسها محاصرة ماديا ورقابيا.

وقد يكون المعرض في المنعطف الحالي من الأزمة اللبنانية مثالا لحل بين الأهمية القصوى للحفاظ على ما تبقى من سمات الوجه الثقافي للبنان ولبيروت، ورفض الاستسلام الى أي نوع من أنواع الرقابة سواء كانت باسم السوق وضمان أرباح المردود المالي أو باسم مراعاة النظم الأخلاقية والسياسية القابضة على عنق العالم العربي.

وبين الرقابتين، المالــية والسـياسية ـ الدينية، اللتين تلتقيان في نهاية المطاف عند خنق الحرية والثقــافة كقيمتين ساميتين مستقلتين (ولو نســبيا) عن ترهـات الانحيازات اليومية، يبقى «الحج» الى معرض الكتاب العربي رمزا من رموز الحرص على السلم الأهلي وما يمثله، برغم تكاثر المآسي على أهل هذه البلاد، وعملا يفترض أن يتشارك في القيام به كل الحريصين على مدنية منفتحة ترفض إقصاء أي كان من بين دفتي الكتاب.
"السفير"

التعليقات