31/10/2010 - 11:02

تساؤلات برسم شهداء القدس؟!../ راسم عبيدات*

تساؤلات برسم شهداء القدس؟!../ راسم عبيدات*
.. بداية لا بد لنا من التأكيد على حق شعبنا الفلسطيني في مدينة القدس، بمقاومة الاحتلال بكافة الوسائل المشروعة، والتي كفلتها القوانين والمواثيق الدولية، حق الشعوب المحتلة في النضال من أجل نيل حريتها واستقلالها، كون القدس جزءا من الأراضي المحتلة عام 1967.

والقدس كانت على الدوام المدينة الأكثر استهدافاً من قبل الاحتلال، حيث تعرض وما زال يتعرض سكانها العرب المقدسيون إلى الكثير من الإجراءات والممارسات الإسرائيلية القمعية والاذلالية في كافة مناحي حياتهم. وهذه الممارسات والإجراءات الخارجة عن المألوف والمنافية لكل الأعراف والقوانين البشرية، لا بد من ردة فعل تجاهها ومقاومتها من قبل السكان المحتلين والمستهدفين.

لست هنا بصدد سرد ما تقوم به إسرائيل بحق المقدسيين من قمع وإذلال على طريق تهجيرهم وطردهم من مدينتهم، بل ما أردت أن أسلط الضوء عليه، أنه بعد عملية علاء أبو دهيم في أحد أكثر المراكز الاستيطانية والدينية تطرفاً، شنت الأجهزة الرسمية الحكومية والمؤسسة الدينية الإسرائيلية حملة تحريض واسعة النطاق بحق المقدسيين العرب، وصلت حد المطالبة بشنق عائلة أبو دهيم، وطرد سكان المكبر وعائلة أبو دهيم إلى مناطق السلطة الفلسطينية، ناهيك عن أن هناك من دعا إلى قتل مئة فلسطيني مقابل كل إسرائيلي قتل في العملية، بالإضافة إلى المس بحقوقهم الاجتماعية والصحية وغيرها.

هذه الأجواء التحريضية والعنصرية كانت تمهد وتهيئ الجمهور الإسرائيلي للقيام بعمليات انتقامية ضد السكان المقدسيين، والتعامل معهم كأهداف مشروعة للقتل، حتى لمجرد الاشتباه أو الشكوك.

وفي العمليات الثلاث والتي أعقبت عملية الشهيد علاء أبو دهيم، هناك شكوك قوية بأن عمليتي الجرافتين اللتين نفذهما غسان أبو طير وحسام دويات، وعملية الدهس بالسيارة التي نفذها قاسم المغربي، هناك الكثير من التساؤلات المشروعة، حول إذا ما كانت عمليات استشهادية أو مجرد حوادث سير فقد فيها السائقون السيطرة على أعصابهم ومركباتهم، وخصوصاً وأن من شاهد عمليات التصوير يرجح أن تلك العمليات هي أقرب إلى حوادث السير منها إلى عمليات استشهادية، وأنه كان بإمكان الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تلك العمليات اعتقال الشهداء الثلاثة، وكشف ملابسات عملياتهم، بدل القيام بعمليات التصفية.

لا يعقل أن من يريد أن ينفذ عملية استشهادية بجرافة، يظهر في شريط التصوير وهو هارب من جمهور يطارده، بدل أن يهاجمهم بالجرافة، ومن ثم تجري تصفيته من نقطة الصفر من قبل رجال أمن إسرائيليين. وكذلك الشهيد قاسم المغربي، حيث أنه وبعد صابته جراء الاصطدام بالجدار وعدم سيطرته على السيارة، يتم فتح باب السيارة وإطلاق النار عليه من نقطة الصفر. ولو توفرت لديه النية للقيام بعملية استشهادية، ومن خلال السيارة التي كان يقودها، لقتل وجرح عددا كبيرا من الإسرائيليين.

أما التبرير الإسرائيلي بأن العملية نفذت على خلفية فشل عاطفي، فليست أكثر من حجة وذريعة وإخفاء للحقيقة،وهذه مسألة بحاجة إلى فحص من قبل هيئات ومؤسسات ولجان تحقيق دولية محايدة، وخصوصاً أن المنطقة التي وقعت فيها العملية فيها الكثير من كاميرات التصوير والتي تكشف الحقيقة. فأي فلسطيني مقدسي يقود سيارة ويفقد السيطرة عليها لأي سبب كان ويصطدم بسيارة إسرائيلية أو إسرائيلي مار بالمكان بالصدفة، بل وحتى من يتجاوز أية سيارة إسرائيلية، ولا يروق ذلك للسائق الإسرائيلي، فما علية سوى الصراخ "محابل عرفي" (أي مخرب عربي)، ونتيجة لأجواء الشحن والتحريض العنصري ينهال عليه الرصاص من كل جانب،لأن التربية الإسرائيلية تقوم على أساس أن هؤلاء العرب"إرهابيون" ويجب قتلهم. كيف لا وحاخاماتهم يقولون بأن العربي الجيد هو العربي الميت،أو اشنقوا العرب، أو كما حصل بعد عملية أبو دهيم حيث دعوا إلى اقتحام بلدة المكبر ومهاجمة سكانها ،والعمل على هدم بيت عائلة أبو دهيم وطردهم خارج مدينة القدس.

الجميع يدرك بما فيهم الكثير من الإسرائيليين أنفسهم، بأن الممارسات والإجراءات الإسرائيلية بحق المقدسيين العرب، تدفع بهم إلى التصدي ومقاومة الاحتلال والدفاع عن حقوقهم ووجودهم في المدينة المقدسة، وأن جذر المشاكل وسببها المباشر هو الاحتلال، والذي يقتل الإنسان المقدسي في اليوم ألف مرة. فماذا يتوقع الإسرائيليون والمجتمع الدولي من أسرة ونتيجة للتقسيمات الإسرائيلية، بأن تكون خلف الجدار، ويتوفى أحد أبنائها، وكون مقبرة البلدة واقعة داخل الجدار تحرم من دفن فقيدها في مقبرة البلدة، وتحتار مع ما يمكن عمله بالجثة، هل تحنطها على غرار الفرعونيين أم تحرقها على الطريقة البوذية والهندية أم ماذا؟

وأيضاً الزوج الذي يحمل بطاقة شخصية إسرائيلية (زرقاء)، وزوجته التي تحمل بطاقة شخصية فلسطينية، لا يستطيع أن ينقلها بسيارته أو حتى يعيش معها تحت سقف واحد، لأنه سيكون عرضة للاعتقال، في حين تكون هي عرضة للطرد والابعاد ؟؟

وهناك مثل حي على ذلك حصل مؤخرا، حيث أوقفت الشرطة الإسرائيلية فلسطينيا مقدسيا ينقل والده المريض من حملة البطاقة الشخصية الفلسطينية، ومنعته من نقله إلى المستشفى وأعادته إلى مناطق السلطة الفلسطينية، بعد أن غرمت الإبن.. وهناك ألف مثال ومثال على ما تمارسه إسرائيل بحق المقدسيين.!!

واضح جداً أن هناك شيئا ما يدبر للسكان العرب المقدسيين، وهو يندرج ضمن السياسة الإسرائيلية الداعية إلى تقليل عدد السكان العرب المقدسيين في المدينة إلى أدنى حد ممكن. وهذه العمليات الثلاثة الأخيرة، والتي أرى أن يكون هناك فحص جدي لظروفها وملابساتها، يكشف إذا ما كانت تلك العمليات حوادث سير، أو أنها جاءت على خلفية مقاومة الاحتلال، وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتحدث عن تعاظم دور المقدسيين في تنفيذ عمليات مقاومة المقدسيين ضد الاحتلال، وهي تريد استخدام أي شيء لكي تنفذ مخططاتها ونواياها ضد السكان المقدسيين، سواء عمليات مقاومة أو غيرها.

ومن هنا يجب التنبه جيداً لطبيعة الاستهداف الإسرائيلي للمدينة المقدسة، حيث دعت النائبة الإسرائيلية "استرينا طرطمان" إلى منع الأذان من المسجد الأقصى عند صلاة الفجر، بحجة أن ذلك يزعج السكان اليهود، والمشكلة ليست في الآذان، بل بما يمثله من وجود عربي – إسلامي في المدينة المقدسة، وهذا مصدر قلقها وانزعاجها هي وحكومتها.

وكذلك يعكف مستوطنو الجمعية الاستيطانية المتطرفة "عطروت كوهانيم" على إقامة كنيس يهودي على سطح حمام العين في البلدة القديمة، ويترافق ذلك مع أعمال حفر وإقامة أنفاق أسفل المسجد الأقصى، والعمل على إقامة كنيس يهودي ملاصق له، تمهيداً لخطة لاحقة السيطرة على المسجد الأقصى، وإعادة بناء ما يسمى بالهيكل المزعوم مكانه .

وأخيراً أقول أنه على العرب والمسلمين أن يعوا ويفهموا جيداً أن الاستهداف الإسرائيلي للمدينة المقدسة يطال كل شيء فيها من بشر وحجر وشجر، والعمل جار على تغير معالمها وحضارتها وتراثها وثقافتها ليل نهار، ناهيك عن العمل على أسرلة سكانها وتفكيك وتحلل بناهم الاجتماعية والأسرية.

ولتعزيز وجودهم وصمودهم والمحافظة على الطابع العربي- الإسلامي للمدينة، لا بد من دعم حقيقي وجدي لهم يمكنهم من الصمود والتصدي للممارسات والإجراءات الإسرائيلية.

التعليقات