31/10/2010 - 11:02

تصفيات واغتيالات وهدم واعتقالات فلسطينية وإسرائيلية../ راسم عبيدات

تصفيات واغتيالات وهدم واعتقالات فلسطينية وإسرائيلية../ راسم عبيدات
هذا العنوان يكثف ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية المحزنة والمضحكة المبكية في نفس الوقت، والتي تدلل كل الدلائل والمؤشرات على أنها تتجه نحو المزيد من الاحتقان والتدهور الداخلي، والذي وصل مراحل عالية من الخطورة،عقب العملية الإجرامية في القطاع، والتي راح ضحيتها خمسة من خيرة القادة الميدانيين لكتائب القسام، هذه العملية كان لها تداعيات جداً خطيرة، وأثبتت بأن الحديث عن الوحدة الوطنية والحوار الوطني والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، يفتقر إلى المصداقية وغير مترجم إلى أفعال من طرفي المعادلة السياسية الفلسطينية (فتح وحماس)وهو فقط للاستهلاك المحلي وحديث شعارات وخطابات ولقاءات صحفية ومتلفزة.

كما أن العملية كشفت عن حالة من الحقد والفئوية العاليتين، وانحدار إلى مستويات غير مسبوقة وغير أخلاقية في القدح والذم والتحريض والتخوين والتعبئة الحاقدة، تفوق التعبئة والتحريض والحقد على جرائم ومجازر الاحتلال اليومية.

ورغم أن هذه الجريمة تستدعي الرد عليها بشكل قوي وبما يمكن من كشف القتلة وجلبهم للقضاء والمحاكمة، وإنزال أقصى العقوبات بهم وبمن يقف خلفهم ويوفر لهم الدعم والمساندة والاحتضان والتغطية، أيا كان موقعه ومنصبه.
ولكن هذا لا يبرر بالمطلق أن تستعجل حركة حماس توجيه الاتهامات، وتشن حملة واسعة من الاعتقالات والمداهمات والاقتحامات في صفوف حركة فتح والمؤسسات المحسوبة عليها.

وبالمقابل فإن مظاهر الفرح والأهازيج "الوطنية" المباركة لهذه الجريمة، والقول بشكل مباشر وسريع ،من قبل عناصر نافذة في "فتح" والسلطة أنها أتت في سياق الصراعات الداخلية بين أجنحة حماس المتصارعة، جاء ليكشف عمق الأزمة والتداعيات الخطيرة المترتبة عليها، حيث كل طرف يحاول أن يجد المسوغات الشرعية لممارساته ومسلكه وتصرفاته، وكأن الخلاف فقهي وليس سياسيا، فجريمة غزة تستدعي إجراء حالة من التحقيقات الأمنية الواسعة، والتصدي السريع والحازم لمثل هذه العصابات المجرمة، ولكن بعيداً عن استغلال الحادث والجريمة لتوجيه الاتهامات المتسرعة، وشن حملة واسعة من الاعتقالات تعوزها الأدلة والبراهين، وبالمقابل فغير مفهوم ولا مبرر ولا يوجد له أدنى تفسير ما تقوم به الأجهزة الأمنية من اعتقالات واسعة في صفوف أعضاء وأنصار حركة حماس في الضفة الغربية، إلا أن ذلك يأتي في إطار النكاية لما يحصل في القطاع والرد بالمثل، وأخذ المعتقلين كرهائن من أجل المبادلة.

والشيء المضحك المبكي، في الوقت الذي تجري فيه عمليات الاعتقال المتبادلة، تقوم قوات الاحتلال مستغلة ذلك بشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف المناضلين في الضفة الغربية، بل أنها أقدمت على عملية اغتيال أبرز قادة القسام الميدانيين في منطقة الخليل المناضل شهاب النتشة. وعملية الاغتيال تلك والتي أتت في ظل ما تشهده وتعيشه الساحة الفلسطينية من تحشيد وتجييش داخليين، تحول الصراع مع الاحتلال إلى صراع ثانوي وهامشي، رغم أنه الجذر والأساس لكل المآسي والشرور التي يعيشها شعبنا الفلسطيني. ويستغل الاحتلال انشغال الفصائل الفلسطينية في صراعاتها وخلافاتها الداخلية، لتنفيذ مخططاته وجرائمه بشكل مستمر ومتواصل، ويعلن حرباً شاملة على المقدسيين الفلسطينيين، تستهدف تهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم وبيوتهم وممارسة التطهير العرقي بحقهم، حيث أقدمت سلطات الاحتلال وبعد فترة ليست بالقصيرة على لقاء عباس مع "حمامة" السلام الإسرائيلية "بيرس" على هدم بناية من ستة طوابق تعود للمواطن ماجد أبو عيشة في بيت حنينا، وشرعت في خطوات عملية للاستيلاء على منزل عائلة الكرد في منطقة الشيخ جراح، تمهيداً لإقامة حي استيطاني في المنطقة، وأعلنت عن طرح عطاءات ومناقصات لإقامة مئات بل آلاف الوحدات السكنية في كل أنحاء مدينة القدس وأحيائها العربية، وترافق ذلك مع اتخذ سلسلة من القرارات الحكومية بحق السكان العرب المقدسيين، أقلها هدم منازل المناضلين الذين ينفذون عمليات ضد الاحتلال ومستوطنيه، ومنعهم من العمل في سوق العمل الإسرائيلي، والحرمان من الحقوق الاجتماعية والصحية، ناهيك عن دراسة إمكانية التخلص من سكان الأحياء الفلسطينية العالية مثل صورباهر والمكبر، وشن عملية تحريض مباشرة من قمة الهرم الحكومي السياسي الإسرائيلي على العرب المقدسيين.
والأمور ليست وقفاً على هذا الحد، ففي الوقت الذي تشتد فيه وطأة الأزمة والصراعات الداخلية، فإنه من المؤكد أن الاحتلال سيعمل على تغذيتها وتفاقمها، والقيام بشكل غير مباشر ومباشر بعمليات تصفية متبادلة لأعضاء من (حماس وفتح)، وبما يخدم أهدافه ومخططاته في تأجيج الصراع الفلسطيني وتعميق حالة الانقسام.

وفي ظل كل ما تشهده الحالة الفلسطينية من تفاقم واشتداد أزمة طرفي المعادلة الفلسطينية، حيث المفاوضات العبثية والمارثونية لم تحقق أية نتائج ولو في الإطار الحياتي والإنساني، وبما يمكن من حفظ ماء وجه السلطة والفريق المفاوض بل كلما استمرت المفاوضات، وأكد الفريق الفلسطيني المفاوض على تمسكه بها، كلما زاد إذلال إسرائيل لهذا الفريق وتعميق أزمته وخياراته في الشارع الفلسطيني، والطرف الآخر من المعادلة وجد نفسه أمام التزام صارم بتهدئة، تقدم إسرائيل على اختراقها بشكل شبهة شامل ومتكرر، فلا المعابر فتحت ولا مستلزمات الحياة الأساسية دخلت للقطاع، ولا الاعتداءات توقفت.

وفي خضم هذه الأزمة المتصاعدة والمتفاقمة، يطل علينا الرئيس عباس من القاهرة لكي يعلن انطلاق الحوار الوطني الفلسطيني ولا أدري عن أي حوار يتحدث؟ وبين منّ ومنّ سيجري الحوار؟، هذا الحوار الذي يجري مع الإسرائيليين بدون شروط، أما بين الفلسطينيين أنفسهم فهو بحاجة لألف شرط، لكي لا ينطلق، ولكي نسجل على بعضنا البعض النقاط في فشل الحوار، وبالمقابل توصلنا لتهدئة مع إسرائيل، ولم نتوصل لتهدئة مع بعضنا البعض، ونعيد اجترار الحديث و"الفذلكات" الكلامية والمهارات اللغوية، عن أسس وشروط الحوار، وندور في نفس الحلقة الفارغة ،ونستمر في الصراع على وهم سلطة، قد توصلنا إلى ضياع الحقوق وتبدد المنجزات والمكتسبات، ونعفي أنفسنا من تحمل المسؤوليات.

إن حالة الانقسام سوف تتعمق، ببعديها الجغرافي والسياسي، والأزمة ستتطور وتتصاعد، إذا ما وصلنا نقاشنا البيزنطي حول أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة؟، وستصبح الساحة مفتوحة ومرشحة لخيارات وأجندات غير فلسطينية، وسيواصل الاحتلال تنفيذ مخططاته وفرض سياسة الأمر الواقع.

التعليقات