31/10/2010 - 11:02

تمديد مسار "أنابوليس" لقطع الطريق على اليمين الإسرائيلي../ هاني المصري

تمديد مسار
من الـمقرّر أن يصدر مجلس الأمن، اليوم، قراراً حول عملية السلام في الشرق الأوسط، يأتي بديلاً عن محاولات الاتفاق على "إعلان مبادئ" أو "اتفاق إطار" أو "اتفاق رف" أو "حل مؤقت" أو "محضر مشترك" يبيّن أين وصلت الـمفاوضات التي سعى إليها إيهود أولـمرت وجورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، وحال دون تحقيقها التمسك الفلسطيني بالاتفاق على كل شيء أو لا شيء، والفضائح التي لاحقت رئيس الحكومة الإسرائيلية وتداعياتها التي أدت إلى أزمة حكومية في إسرائيل دفعت نحو إجراء انتخابات مبكرة.

إن إدارة بوش من خلال إصدار قرار من مجلس الأمن تريد أن تضرب عدة عصافير بحجر واحد، فهي: أولاً تريد أن تنهي حكمها بإنجاز يوضح حجم التقدم الذي تم إحرازه في عهدها على صعيد الـمفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية وعملية السلام، والظهور كصانعة سلام لا كمفجرة حروب.

وتريد ثانياً إلزام الإدارة الأميركية القادمة وأية حكومة إسرائيلية جديدة بالاستمرار بمسار "أنابوليس" وعدم فتح مسار سياسي جديد، والتقدم من النقطة التي وصلت إليها الـمفاوضات، وليس العودة إلى الوراء، أي إلى مرحلة وقف الـمفاوضات أو بدايتها مجدداً من نقطة الصفر، فمسار "أنابوليس" مناسب تماماً لإسرائيل، فهو يضع الذئب الإسرائيلي في مواجهة الحمل الفلسطيني دون تدخل يذكر من أي طرف ثالث.

وتريد ثالثاً: التعويض بهذا البيان الدولي عن الفشل الذريع في تحقيق وعد بوش ووعد مؤتمر "أنابوليس" بإقامة دولة فلسطينية والتوصل إلى اتفاق سلام قبل نهاية العام 2008.

إذاً، الهدف الرئيسي من وراء البيان الصادر عن مجلس الأمن هو تمديد مسار "أنابوليس" وفرضه على أجندة العام الـمقبل 2009؛ في محاولة لتحقيق الهدف الذي لـم يتحقق خلال العام الحالي، وهو التوصل لاتفاق سلام عبر الـمفاوضات الثنائية فقط.

إن ما يجعل الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية وبقية أطراف اللجنة الرباعية الدولية متحمسين جداً لإصدار هذا البيان هو أن احتمالات فوز اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو تتزايد في الانتخابات الإسرائيلية الـمقبلة؛ الأمر الذي يوجه، إذا حدث، ضربة موجعة ربما تكون قاصمة، لـمسار "أنابوليس" الذي يترنح أصلاً دون حدوث مثل هذا التطور الكبير والسلبي وغير الـملائم.

فإذا لـم تتكلل الجهود الأميركية والدولية بالنجاح من خلال قطع الطريق على اليمين الإسرائيلي قبل الوصول إلى الحكم في إسرائيل، فعلى الأقل، ربما تكون قادرة على جعل نجاحه ضعيفاً بحيث لا يملك إمكانية لتشكيل ائتلاف حكومي مريح وقوي ومستقر، وبذلك لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية القادمة معارضة الاستمرار بمسار "أنابوليس" وتشكيل معارضة قادرة على إفشاله تماماً.

وحتى ندرك أبعاد نجاح اليمين الإسرائيلي في الانتخابات القادمة، علينا أن نقف امام برنامج نتنياهو الذي ينوي من خلاله اجراء مراجعة شاملة لأسس وقواعد عملية السلام، فهو يتحدث عن سلام اقتصادي أولاً، وبصورة تسبق السلام السياسي؛ بحجة ان تحسين الاوضاع الاقتصادية الفلسطينية يساعد كثيرا في تعميق اجواء الهدوء واضعاف ميل الفلسطينيين ودعمهم وتأييدهم للـمقاومة بكل تشكيلاتها وقواها الـمختلفة.

وإلى جانب السلام الاقتصادي ستركز حكومة نتنياهو على توفير الأمن للاحتلال أولاً على اساس ان السلطة الفلسطينية لا تستطيع ان توفر الأمن وحدها بسبب الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي، وفي ظل الخلافات الـمنتشرة في صفوف حركة فتح وبينها وبين الحكومة، ما يقتضي خضوع الأمن لترتيبات اقليمية ودولية يكون فيها للاردن والولايات الـمتحدة الاميركية دور رئيسي.
وبعدما يتوفر الرفاه الاقتصادي والأمن، وهو أمر يستحيل أن يتحقق تحت الاحتلال، وما يحتاجه ذلك من وقت طويل يتم النظر في مسألة التوصل إلى حل نهائي، وتكون إسرائيل قد حصلت على الوقت اللازم لاستكمال تطبيق الـمشاريع الإسرائيلية التوسعية والاستيطانية والعنصرية.

ان مشروع اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو الذي يرفض مبادرة السلام العربية أيضا، يمكن أن يعرض مسيرة "أنابوليس" للانهيار. وفي احسن الاحوال ينذر بأن تستأنف الـمفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية، هذا إذا استؤنفت من نقطة الصفر، وسيركز على تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل قبل السلام، بل كشرط للسلام.

في هذا السياق تتكثف الجهود الدولية، لحماية مسار أنابوليس وتمديده، رغم انه مسار لـم ينجح وألحق اضراراً فادحةً بعملية السلام؛ لأن إسرائيل فرضت على العالـم من خلاله ان يوفر الغطاء لـمفاوضات ثنائية لا تحتكم لاية مرجعية واضحة وملزمة، ولا إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وتستبعد وجود دور دولي فاعل، ولا توفر ضمانات دولية تشجع على الاتفاق وتضمن تنفيذه.

ان الوضع الفلسطيني والعربي وصل إلى درجة من السوء أصبح يعتبر فيها أن الحفاظ على مسار أنابوليس سيئ الصيت والسمعة، هو الحد الاقصى الذي يمكن تحقيقه، خصوصا اذا نجح اليمين الإسرائيلي بالانتخابات الإسرائيلية الـمقبلة.

ان الـمطلوب هو اجراء مراجعة جريئة لعملية السلام والـمفاوضات ومسار أنابوليس واستخلاص الدروس والعبر، التي تقول ان عملية السلام عملية دون سلام، وانها إذا لـم تستند إلى الاتفاق على الاهداف النهائية منذ البداية وبصورة تهدف إلى تطبيق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وليس التفاوض حولها، فإنها مضيعة للوقت وتؤدي إلى تعميق الاحتلال وإعطائه الشرعية، أو إلى تطبيق الحل الإسرائيلي الذي يصفي القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها.

ولا تكتفي إسرائيل بدعم من الولايات الـمتحدة الأميركية (وموافقة الـمجتمع الدولي) بأن القرار الصادر عن مجلس الأمن غير ملزم، بل لا يتضمن اية مواقف واضحة تلزم الـمجتمع الدولي بمبادرة السلام العربية أو تتخذ موقفا واضحا من الاستيطان والاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية الـمتواصلة، التي تدل على ان إسرائيل غير جاهزة للسلام، وانها تقوم بشكل يومي ودائم بخلق حقائق تجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد الـمطروح والـممكن عمليا.

ان انتهاء العام 2008، ومجيء إدارة أميركية جديدة، وفي ظل الـمتغيرات الاقليمية والدولية التي حدثت والـمرشحة للحدوث، يقدم فرصة تاريخية للفلسطينيين للـمطالبة والاصرار على شق مسار سياسي جديد، جدي وقادر على إنهاء الاحتلال وتحقيق الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية الـمقرة في القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وليس التمسك بأذيال مسار أنابوليس الذي فشل فشلا ذريعا ويجب دفنه بدلا من إحيائه!!.

التعليقات