31/10/2010 - 11:02

تهدئة وتذكير بالماضي!../ مصطفى إبراهيم

تهدئة وتذكير بالماضي!../ مصطفى إبراهيم
يحاول بعض الفلسطينيين أن يذكروا أنفسهم أن التهدئة التي وقعت عليها حركة ""حماس"" في قطاع غزة هي جزء من حل أمني أرادت إسرائيل من خلاله توريط الحركة في مصيدة الحكم والانغماس أكثر في السلطة ومستنقع الفقر والبطالة جراء الحصار والحال المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون، وكذلك المقارنة مع ما كانت تقوم به الحركة في ظل تمردها على قرارات الرئيس محمود عباس القاضية بمنع إطلاق الصواريخ في السابق.
فالتهدئة قبل إنجازها، وبعده، ظلت الأطراف المتنازعة، سواء في الساحة السياسية الإسرائيلية أو الفلسطينية، تصفها بالهشة والمؤقتة مرة، وأخرى بأنها جاءت خدمة لمصالح سياسية لحركة "حماس"، والائتلاف الحاكم في إسرائيل الذي يعاني من صراع وتوتر منذ الإعلان عن فضيحة الرشى المتهم بها رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، فالأحداث في الساحة الفلسطينية تمر ببطء وتثاقل، أما في الساحة الإسرائيلية فتمر الأحداث بسرعة، وإن حاول أولمرت عرقلتها من اجل كسب مزيد من الوقت.

فالخلاف السياسي في الساحة السياسية الإسرائيلية، هو خلاف وصراع وتوتر نابع من الخلاف على من يخلف رئيس الوزراء الفاسد، وما تبعها من التحضير للانتخابات النيابية والتمهيدية داخل حزب "كاديما"، وما التصريحات التي تصدر عن بعضهم، أمثال وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي قالت: "انه لا يهما من أطلق الصواريخ، بل ما يهمها هو الرد على من أطلقها"، ووصفها بعض المحللين الإسرائيليين بأنها كمن يغرد خارج سرب الحكومة وجاءت تعبيراً عن رياح الانتخابات التمهيدية التي سوف تجري في حزب "كاديما" في شهر أيلول (سبتمبر) القادم.

وعلى رغم ذلك، فبعض الفلسطينيين مصرون على أن يبقوا حال الانقسام والاشتباك بينهم مستمرة، من دون التمييز بين المصالح الوطنية والمصالح الحزبية والفصائلية الضيقة. ففريق السلطة وقسم من "فتح" يتمنى أن لا تستمر التهدئة وسقوطها، ويذكرون بالعمليات الفدائية التي كانت تنفذها حركة "حماس" بعد قيام السلطة من أجل إفشال اتفاق أوسلو، وكذلك الجهود التي كانت تقوم بها السلطة الفلسطينية لمنع إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية.

صحيح أن حركة "حماس" حاولت أكثر من مرة إفشال جهود الرئيس الراحل ياسر عرفات، ونفذت عدداً كبيراً من العمليات الفدائية في العمق الإسرائيلي، إلا انه خلال السنوات الماضية تم الاتفاق في أكثر من مرة على تهدئة بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية، وكانت تعتبرها الأخيرة شأناً داخلياً فلسطينياً، وعلى رغم ذلك، فالتهدئة في القطاع أصبحت مطلباً شعبياً فلسطينييناً في قطاع غزة، بعد أن سئموا الانقسام والحصار وتبعاته.

بعض الأطراف الفلسطينية المعترضة على التهدئة في القطاع تنظر إلى التهدئة من خلال "حماس" والانتقام منها، والإثبات بصحة مشروعه، وليس من خلال المصلحة الوطنية الفلسطينية والحال السيئة للقضية الفلسطينية، والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع، ومبرراته للاعتراض على التهدئة هذه ليست نابعة من حرصه على الرد على جريمة الاغتيال التي نفذها الجيش الإسرائيلي في مدينة نابلس، بل هي من أجل الرد على "حماس".

فهل الرد على جريمة الاغتيال يجب أن يكون من القطاع؟ وبالطريقة نفسها، التي كانوا يعترضون فيها على حركة "حماس"، وهي إطلاق الصواريخ العبثية، وهل "أفلست" المقاومة الفلسطينية في الإبداع والتفكير في تنفيذ عمليات فدائية نوعية من خارج القطاع؟ أم أن إطلاق الصواريخ وضرب المعابر هي الوسائل الأكثر سهولة في الرد على جرائم الاحتلال، وكأن المقاومة اقتصر دورها على الانتقام فقط؟

فالخلاف القائم بين الفلسطينيين على التهدئة هو جزء من الانقسام السياسي بينهم، وهو تعبير حقيقي عن ابتعاد طرفي الصراع حركتي "فتح" و"حماس" عن الحوار والمصالحة الوطنية، فبعض الأطراف الفلسطينية يصر على أن يبقى حال الانقسام وتعميقها، وأن يعطل دعوة الرئيس عباس للحوار، وزيادة الإحباط في الشارع الفلسطيني المنهك والتواق للحرية، ورفع الحصار المفروض على الكل الفلسطيني، فيما يفضل الرئيس عباس التمهل.

وإلا ماذا ينتظر الرئيس عباس؟ لماذا لا يضع حداً للجدل الدائر والتفسيرات حول الحوار وتفصيلاته؟ وهل ينطلق بناء على المبادرة اليمنية أم إعلان صنعاء؟ أم انه ما يزال يراهن على بوش والمجتمع الدولي، وفيتو الرباعية الدولية وشروطها على الحوار الفلسطيني، التي كان آخرها على لسان المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" التي طالبت "حماس" بالاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والتراجع عن "الانقلاب على الشرعية الفلسطينية".

الفلسطينيون أصبحوا كمن يدقون أعناقهم بأيديهم، بعضهم يرى في التهدئة مصلحة وطنية عليا تخلصهم من الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة، وفرصة للتمهيد للحوار الوطني الشامل والبدء به، وبعض آخر لا يرى فيها إلا عرقلة وتشويشاً عليها، والانتقام من "حماس" كونه لا يملك الأدوات والآليات التي تمكنه من الثأر لفشله وعقم مشروعه، ويرى في الماضي فرصة تمكنه من تذكير الشعب الفلسطيني بأخطاء "حماس" وخطاياها.

طرفا الصراع يفسر كل منهم انجازات التهدئة من خلال مشروعه السياسي ومدى صحته والمأزق الذي يعيشه، ولم يقتنع أي منهم انه في مأزق، إلا أن المأزق الحقيقي الذي يجب أن يدركه الجميع أن المقاومة وحدها غير قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية، كما أن على الرئيس عباس وفريقه الاعتراف بفشل المفاوضات إلى ما لا نهاية، وعقم المراهنة على وعود الإدارة الأمريكية العاجزة عن لملمة جراحها في العراق، وغيره من مناطق الصراع التي أشعلتها، وعليه فإن الرئيس عباس مطالب أكثر من أي وقت مضى استغلال التهدئة والوقت والفرصة للبدء في حوار وطني، وعدم جدوى السعي للإثبات بصحة مشروع أوسلو وخطة "خارطة الطريق"، وغيرها من الاتفاقات التي لم تجلب للقضية الفلسطينية إلا الخراب والدمار.

فالفلسطينيون المختلفون دائما على قضاياهم الوطنية والمفرطون في جلد ذاتهم، يدركون أنهم وفي هذا الوقت بالذات هم بأمس الحاجة إلى الوحدة والتفكير بعقل وبصوت واحد، وأن مستقبل القضية الوطنية في خطر ويجب التقاط الأنفاس والعودة إلى مائدة الحوار الوطني الشامل والابتعاد عن اللعب في مصير القضية والشعب الفلسطيني من خلال الحفاظ على مشاريع خاصة لا تخدم إلا المصالح الفئوية الضيقة.

التعليقات