31/10/2010 - 11:02

توطين اللاجئين والانسحاب من غزة! / عرفان نظام الدين

توطين اللاجئين والانسحاب من غزة! / عرفان نظام الدين
ماذا بعد الانسحاب من قطاع غزة الشهر المقبل؟ وما هي الأبعاد الحقيقية لخطة ارييل شارون التي يروج لها بابراز ظاهر رحمتها المزعومة وإخفاء عذابات باطنها وخبث نياتها؟

في مقال سابق حذرت من خطر واحد من مخاطر هذه الخطة ويتمثل في إحكام السيطرة على القدس الشريف واكمال مخطط تهويدها والانطلاق نحو المؤامرة الكبرى لهدم المسجد الأقصى المبارك واقامة الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه بحيث تدفع القدس ومعها الأقصى ثمن الانسحاب من غزة التي يكرهها الصهاينة ويتمنون اللحظة التي يتخلصون فيها من مقاومتها ومتاعبها وهمومها وبسالة أهاليها.

ولم يخف شارون في تصريح علني هذه الحقيقة، بل أكد بكل صلافة أن الانسحاب من غزة يقابله إحكام السيطرة على القدس وزاد عليها الضفة الغربية بكاملها مما يرسم علامات استفهام كثيرة حول هذه الخطة الجهنمية التي تظهر أمام العالم وكأنها الحل المنشود والأمل المنتظر من أجل إحلال السلام وانهاء الصراع وتقدم للشعب الفلسطيني على أنها منة ومكرمة أو هدية تكرم فيها عليهم شارون وحكومته الليكودية المتطرفة.

ولا نكشف سراً اذا قلنا ان خطة الانسحاب من غزة قديمة تعود الى اليوم الاول للاحتلال الاسرائيلي عام 1967 تفادياً للثمن الباهظ الذي يدفعه الاسرائيليون بشرياً ومادياً ولتعقيدات الوضع فيها ثم لتصميم أهلها على المقاومة والصمود وللحشد البشري الهائل من أهل القطاع ومخيمات اللاجئين.

وعند التوقيع على اتفاقية أوسلو كان الهاجس الاسرائيلي الأول هو التخلص من غزة وتقديمها كهدية مسمومة للفلسطينيين مع اضافة اريحا عليها «كحبة مسك» وفق خطة «غزة واريحا اولاً» المعروفة، والتي يمكن القول وأخيراً، علماً أن اريحا نفسها يكرهها الاسرائيليون ويلعنونها في كتبهم الدينية.

لهذا لا بد من التحذير من النيات المبيتة الكامنة وراء هذه الخطة الخبيثة وعدم الانجرار وراء الدعاية الكاذبة والاحتفالات الوهمية والخداع الصهيوني. فالانسحاب، أي انسحاب من ارض عربية عمل تحريري جيد ومرحب به ولا يجوز رفضه أو عرقلة حدوثه ولكن حذار من المبالغة في ردود الفعل والاسترخاء واعتبار ما جرى وكأنه انجاز تاريخي. ويخطئ من يتوهم ان اسرائيل ستنفذ تعهداتها في اتفاقات أوسلو أو البروتوكولات الملحقة واللاحقة أو انها ستواصل تنفيذ خريطة الطريق القاصرة التي وضعتها ورعتها اللجنة الرباعية المؤلفة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا.

فاسرائيل ستكتفي بهذا القدر وتلهي الفلسطينيين بهموم غزة وانعكاسات الانسحابات عليها وعلى فصائلها وقياداتها وأحجامهم وأوزانهم وسط مخاوف جدية من صراعات داخلية وفتن يثيرها المشبوهون لتحقيق حلم الاسرائيليين الأزلي بنشوب حرب أهلية فلسطينية ولا سيما بين السلطة وفتح من جهة وحماس والجهاد من جهة أخرى نتيجة للاستحقاقات الكبرى ومحاولات سد الفراغ الأمني والصراعات من أجل اثبات الوجود وعرض العضلات لتأمين السيطرة على القطاع المحرر، وقد بدأت ارهاصات هذه الفتنة بكل أسف حيث تسفك دماء الأشقاء فيما العدو يحرض ويضحك في سره وعلنه!

أما اسرائيل فالأرجح أن تنشغل بدورها بصراعات داخلية بين المتطرفين والأكثر تطرفاً وبين مختلف القوى السياسية لتعود «حليمة الى عادتها القديمة» من خلال الدعوة لانتخابات عامة مبكرة تستهدف كسب الوقت واستغلال الفرصة لتضم المزيد من أراضي الضفة الغربية وإحكام السيطرة عليها واقامة مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة من دون أن ننسى المؤامرة الكبرى على القدس والنيات الخبيثة المبيتة ضد المسجد الأقصى.

وهناك توقعات بأن الخطوة الفلسطينية والدولية التالية ستركز على اعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة تبدأ من غزة المحررة ومعها أريحا، وربما غيرها، على ان يستكمل بنيانها وخطوط حدودها وصلاحياتها وسيادتها في وقت لاحق.

وحتى لو صحت هذه التوقعات فإن هذا «الوقت اللاحق» هو المشكلة لأن مناورات اسرائيل ومماطلاتها معروفة ولا تحتاج لشرح. ومن يقرأ نصوص اتفاقات اوسلو يدرك ان معظم البنود المدرجة مع جداول زمنية لم تنفذ وأن الدولة المستقلة بكامل مفاعيلها وحدودها كان من المفترض ان تكون قائمة ومعترفاً بها منذ بداية عام 2005. فاسرائيل بالتأكيد ستترك أمر التوقيت مائعاً وغير محدد لغاية في نفس يعقوب يجزم العارفون بأنها تفترض ان غزة ستكون آخر عنقود الانسحابات وان المماطلة هدفها كسب الوقت.

وندرك جيداً ان اسرائيل ليست وحدها في الساحة فهناك دعم أطراف اللجنة الرباعية وهناك «حاجة اميركية» لتحريك الوضع في المنطقة كما ان هناك دولاً عربية معنية تضغط من أجل تسريع إقرار خطوات تخفف الاحتقان في المنطقة وتفتح طريق البحث عن سلام دائم خوفاً من مفاعيل ومخاطر الجمود القائم وتفاقم الأوضاع في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وتتردد معلومات بأن 10 دول عربية ستعلن اقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع اسرائيل فور اتمام الانسحاب من غزة مما سيترك أثراً سلبياً على مجمل القضية. اذ يفترض عند الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة توفير عناصر اساسية تضمن لها القوة والبقاء والاستمرارية مع التأكيد على توفر شروط لا يمكن ان يتحقق أي سلام من دونها وأولها تحرير كل الاراضي المحتلة عام 1967، أي الضفة الغربية بما فيها القدس وغزة وتأمين التواصل الجغرافي والبشري في كل مناطقها وأراضيها وتأمين المستلزمات الادارية والأمنية والمالية والسيادية المبدئية التي تحتاجها أي دولة مستقلة.

وبالاضافة الى هذا الشرط الأساسي والتركيز على القدس ورفض أي تنازل بشأن السيادة عليها وعلى مقدساتها هناك قضايا الحدود والمياه والمستوطنات الصهيونية المزروعة في كل اتجاه، وهناك قضية أساسية ورئيسية لا يكتمل السلام من دونها وهي قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين المنتشرين داخل الاراضي المحتلة وفي الدول العربية وغيرها.

وتكمن أهمية قضية اللاجئين في كونها لا تنحصر في فلسطين لوحدها بل في تأثيرها المباشر على مجمل أوضاع المنطقة واستقرارها وعلى أمن واستقرار دول عربية عدة معنية بالأمر ولا سيما لبنان وسورية والاردن.

ويبدو لبنان الأكثر قلقاً وخوفاً وتأثراً من قضية اللاجئين والهواجس التي يعيشها، ولا سيما في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، نظراً الى حساسيتها في وقت تتزايد فيه الأحاديث وتتعدد فيه الروايات عن خطط جاهزة لتوطين اللاجئين ترعاها الدول الكبرى ولا تجد معارضة من اطراف فلسطينية وعربية، وقد جاءت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) حول تجنيس الفلسطينيين لتصب الزيت على نار الهواجس والشكوك.

وتعود المخاوف اللبنانية، كما هو معلن ومعروف، الى هشاشة التوازنات الطائفية والمذهبية في لبنان التي طغت على السطح خلال الأشهر القليلة الماضية مما رفع سقف المعارضة لأي بحث في هذا التوطين الذي يقال ان المسيحيين يرفضونه لأنه يخل بالتوازن السكاني لصالح المسلمين وأن الشيعة يعارضونه لأنه يميل الميزان لصالح كفة السنة. هذا عدا عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية للبنان وأهله وعدم قدرته على تحمل أعباء أكثر من 350 ألف لاجئ فلسطيني وتوفير خدمات صحية واجتماعية وحياتية وفرص عمل في بلد بلغت فيه الديون المترتبة عليه سقف الأربعين بليون دولار ويعاني من عجز في الموازنة وبطالة ومشاكل كثيرة ناجمة عن الحرب الأهلية وذيولها وجمود تفاقم منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما افرزته جريمة الاغتيال والانتخابات الأخيرة من انقسامات حادة وهموم أمنية وسياسية واقتصادية.

وهناك من يطلق «بالونات اختبار» بأن لبنان سيقبض ثمن التوطين اذا استجاب للاغراءات والضغوط المرتقبة ومن بينها تسديد ديونه أو أجزاء كبيرة منها وتخصيص مساعدات دولية له تصل الى حدود 50 ألف دولار لكل فلسطيني يوطن، ودعم لبنان بمساعدات سنوية من قبل دول أجنبية وعربية، إلا أن كل المؤشرات تجمع، حتى الآن، على أن لبنان لن يتنازل ولن يرضخ للضغوط منعاً للخطر الداهم الذي يتحدث عنه البعض كبديل بحيث يكون التقسيم مقابل التوطين مع العلم ان الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف) ينصبان صراحة على رفض التوطين واعتباره خطاً أحمر لا يجوز لأحد أن يتجاوزه.

ويعود التركيز على لبنان كونه الأكثر تشدداً حيال اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات البؤس والعذاب منذ أكثر من 57 سنة ويحرمون من العمل في كثير من المهن مع انه التخفيف من القيود على بعضها كما يمنعون من تملك الأراضي والمساكن ومن كثير من الخدمات والتقديمات الصحية والاجتماعية والانسانية. بينما يتمتع اللاجئون في سورية والأردن بحقوق شبه كاملة ويمارسون حياتهم اليومية بحرية.

وحسب ما يتسرب من خطط مبيتة للتوطين يجري الحديث عن تسويات وخطط بديلة مرنة مسايرة للوضع اللبناني وحساسياته على أساس الأخذ في الاعتبار أن حل قضية اللاجئين معقد وصعب في ظل المعطيات الراهنة، وأن الواقع، حسب ما يروج البعض، لا يترك مجالاً لنفي حتمية التوطين، ولو كان بتسميات أخرى، وأن هؤلاء سيبقون حيث هم الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

فالنص الرسمي لاتفاقات أوسلو التي على أساسها يستمر ضبط التواصل في المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، يجمد البحث في الموضوع، تنفيذاً لنيات إسرائيل الخبيثة بداعي التفاوض عليها في مفاوضات الحل النهائي التي كان يفترض أن تنتهي هذا العام حسب الجدول الزمني المتفق عليه برعاية الولايات المتحدة. أما «خريطة الطريق» التي حلت محل أوسلو بسحر ساحر أميركي - اسرائيلي تحت غطاء اللجنة الرباعية التي تنضم فيها الأمم المتحدة وروسيا وأوروبا الى الولايات المتحدة، فتشير في البند الخاص بالمرحلة الثالثة وانهاء النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني (2004 - 2005) الى الموضوع بشكل عابر، جاء فيه بالحرف الواحد: «تتوصل الأطراف الى اتفاق نهائي وشامل ينهي الصراع حول الوضع الدائم الإسرائيلي - الفلسطيني في سنة 2005، من خلال تسوية متفق عليها عبر التفاوض بين الأطراف قائمة على اساس قرارات مجلس الأمن 242 و338 و1397 التي تنهي الاحتلال الذي بدأ سنة 1967 (...؟) وتشمل حلاً واقعياً وعادلاً ومتفقاً عليه لموضوع اللاجئين...!».

وحتى هذا البند الغامض الفضفاض لم يقبل به الإسرائيليون وأصر ارييل شارون على ربط موافقته على «خريطة الطريق» بفرض 14 شرطاً تعجيزياً بينها شرط حول اللاجئين جاء فيه: «يعلن الفلسطينيون أن إسرائيل دولة يهودية، وهكذا يتنازلون عن حق العودة أو يتم إلغاء نشر الطرفين بيانات مع بدء التنفيذ». وجرت بعد ذلك محاولات عدة لتمييع القضية مثل وثيقة طابا الصادرة عن الاتحاد الأوروبي بعد التشاور مع مبعوثين فلسطينيين وإسرائيليين وجدوا في طابا في شهر كانون الثاني (يناير) 2001، وتقترح فيها استيعاب اللاجئين على ثلاث مراحل وانشاء لجنة دولية وصندوق دولي لمعالجة قضية «التعويض» وليس العودة كحق للاجئين.

وتتركز الاقتراحات على حلول جزئية بشأن لبنان بالذات، نظراً الى حساسياته وأوضاعه بحيث يقلص عدد اللاجئين فيه في إطار خطة تقدم عودة الثلث الى الدولة المستقلة واستيعاب الثلث الثاني في دول خرى وتوطين الثلث الثالث لقاء مساعدات ترصد لهذا الغرض المشبوه.

فإذا لجأنا الى لغة الأرقام، فإن هذا يعني، حسب بيانات وكالة الغوث الدولية، أن في لبنان أكثر من 350 ألف فلسطيني يقيم أكثر من نصفهم في 12 مخيماً، ما يعني أن الخطة تقضي بتوطين أكثر من 115 ألف فلسطيني على رغم أن جهات شبه رسمية تقدر عدد الفلسطينيين في لبنان بأكثر من 600 ألف نتيجة لعمليات التسلل المتواصلة من دول أخرى. ويعيش في سورية 11 في المئة من مجموع اللاجئين (350 ألفاً)، فيما يقدر عدد المسجلين بحوالي 200 ألف شخص. ويعيش في مناطق السلطة الوطنية 17 في المئة، أي أكثر من 675 ألفاً يقيم أكثر من ربعهم في 19 مخيماً. أما في الأردن فتعيش الأكثرية العظمى، أي حوالي مليوني نسمة، غالبيتهم حصلوا على المواطنة الأردنية. كما أن هناك مئات الألوف من المقيمين في دول عربية وأجنبية وقد حصل معظمهم على جنسيات هذه الدول ولا سيما في أوروبا وأميركا وكندا.

والاقتراحات المعروضة حالياً تقضي باستيعاب المزيد في هذه الدول ومنحهم الجنسية بعد إعادة تأهيلهم، كما تفرض على الدول العربية منحهم كامل حقوق المواطنة، إضافة الى اقتراح قديم يقضي بتوطين «مئات الألوف من اللاجئين في جنوب العراق في الوقت الذي تتعرض فيه الجالية الفلسطينية الصغيرة المقيمة في العراق منذ زمن طويل الى مضايقات ومعاملة مهينة من سلطات الاحتلال الاميركية وبعض العراقيين.

وهكذا تستمر مؤامرة تهويد فلسطين التي لم يكن يسكن فيها في العام 1917 سوى 57 ألف يهودي ليصبح عددهم الآن أكثر من 4 ملايين فيما لم يبق في هذا البلد العربي سوى مليون و100 ألف فلسطيني من أصل 6 ملايين من أصحاب الحق والارض والتاريخ.

واليوم نسمع ناقوس الخطر يدق في ارجاء الوطن العربي ولا سيما في الدول المعنية ولبنان في مقدمها: خطر التوطين قادم والضغوط الدولية ستتزايد والمطلوب وقفة عربية واحدة وصلبة لمواجهة هذه المؤامرة والتصدي لها والتعامل مع نتائجها ومفاعيلها بحكمة وحزم وبسرعة في آن واحد.

التعليقات