31/10/2010 - 11:02

جامعة الدول العربية بيت العرب ومرآتهم../ عوني فرسخ

جامعة الدول العربية بيت العرب ومرآتهم../ عوني فرسخ
غداة توقيع ميثاق جامعة الدول العربية في 25/3/1945 عمت الفرحة مشرق الوطن العربي ومغربه. إذ نظر للجامعة باعتبارها بيت العرب الذي جمع شمل الدول السبع موقعة الميثاق، والموئل الذي تلوذ به بقية الشعوب العربية التي لم تكن قد ظفرت باستقلالها السياسي بعد. خاصة وقد تولى الأمانة العامة عبدالرحمن عزام، أحد أركان المدرسة العربية في السياسة المصرية آنذاك. ولقد أولت الأمانة العامة منذ يومها الأول قضايا المغرب العربي اهتماماً واضحاً في صراع شعوبه للتحرر من الاستعمار الفرنسي، الأمر الذي عزز التفاؤل بالجامعة ومستقبلها.

وحين أوكل للأمانة العامة، و”اللجنة السياسية” التابعة لمجلس الجامعة أمر القضية الفلسطينية، غلب الظن بأن توظف الجامعة الامكانات والقدرات العربية العامة التوظيف الأمثل في مواجهة تعاظم الامكانات والقدرات الصهيونية بصيرورة الولايات المتحدة الأمريكية حاضنة وراعية المشروع الصهيوني. وكنتيجة للفشل المريع في إدارة الصراع حملت الجامعة وأمينها العام مسؤولية النكبة. وعلى مدى السنوات الستين الماضية لم يتوقف نقد الجامعة والتنديد بعزام، بحيث غدت الجامعة هي المشجب الذي تعلق عليه كل نواحي القصور والتقصير العربية.

وكثيراً ما عقد الناقدون المقارنة بين الجامعة العربية وبين السوق الأوروبية المشتركة التي أقيمت بعدها بسنوات. وكيف أن هذه تطورت إلى اتحاد أوروبي، يضم أمماً متعددة الأصول واللغات، ويثقل ماضيها تاريخ حافل بالحروب التي سقط فيها الملايين، وكيف تتقدم بإجراءات التوحيد على مختلف الصعد، بينما لم تحقق جامعة الدول العربية أي خطوة تكاملية فيما بين شعوب أمة واحدة غلبت على تاريخها الممتد وحدة المسيرة والمصير.

والذي يتجاهله الناقدون ماضياً وحاضراً، أن كلا من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي منظمة سياسية لا تنحصر قوتها وضعفها في صيغة ميثاقها أو كفاءة جهازها الاداري فقط، وإنما قبل الأمرين وأهم منهما، بما تمنحها إياه الدول المؤتلفة فيها من مصادر القوة. وهي في الواقع العملي أشبه بالشركة التي يشكل رأس المال الموظف فيها أهم أصولها، وبقدر ما يضخ المساهمون من أموال بمقدار ما يوفرون لها فرصة النجاح. ورأسمال المنظمات الاقليمية لا يكون بمجموع ما تمتلكه الدول الأعضاء من موارد اقتصادية، كما قد يتبادر إلى الذهن بتشبيهها بالشركة، وإنما بقدر ما تعطى من صلاحيات في إدارة شؤون مواطني الدول الأعضاء، أي بقدر استقلالية إرادة مؤسساتها وبخاصة أمانتها العامة.

وكما يتنازل العضو في هيئات المجتمع المدني عن بعض استقلالية قراره لصالح القرار العام، الذي يرى فيه تعبيراً عما هو مؤمن به، كذلك هو الأمر بالنسبة للمنظمات الاقليمية، إذ في تنازل الدول المشاركة في عضويتها عن بعض مظاهر سيادتها القطرية بمقدار ما تعزز قدرات المنظمة الجامعة وتمكنها من أداء المهمة التي أريد منها تحقيقها. وهذا ما بخلت به الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، وتسبب في أن يكون ميثاقها مكرساً للتجزئة بأكثر منه مؤسساً لتكامل قومي.

ففي أثناء مباحثات الاسكندرية سنة 1944 طرحت بداية أن تكون للجامعة “حكومة مركزية”. وذلك ما رفضه نوري السعيد بداية، والتقى على رفضه أغلبية الوفود المشاركة في المباحثات. وعليه نص الميثاق على عدم المساس بسيادة الأعضاء، في وقت لم يكن بين الدول السبع المؤسسة للجامعة ما تملك السيادة الكاملة على اقليمها وحرية نظامها الحاكم في صناعة القرار. وعندما حاول عبدالرحمن عزام ممارسة دور قومي، وجد من عارض تجاوزه مهمة “السكرتير” في التصرف، وكأنه رئيس دولة عظمى، كما قال يومها السفير البريطاني في عمان. وما قيل بحق عبدالرحمن عزام في خمسينات القرن العشرين قيل مثله بحق عمرو موسى مطلع القرن الحادي والعشرين.

ولا تكمن مشكلة الجامعة العربية فقط عند حدود قصور الميثاق، ومحدودية استقلالية إرادة الأمانة العامة عن إرادات الدول الأعضاء، وإنما أيضاً في عدم الالتزام بتنفيذ القرارات، بما فيها تلك التي تصدر بالإجماع. وكثيرة هي القرارات والمشروعات المحفوظة في أدراج الأمانة العامة التي لم تر النور منذ سنوات. وفي مقدمتها اتفاقية الضمان الجماعي والدفاع المشترك الموقعة سنة ،1951 واتفاقية الوحدة الاقتصادية. فضلاً عن أن الميثاق لا يحول دون وحدة وتكامل دول الجامعة، بدليل أنه لم يشكل عائقاً أمام وحدة مصر وسوريا سنة ،1958 ولا أي من مشروعات الوحدة التي طرحت في ستينات القرن الماضي.

وحين يتم اللجوء إلى أمين عام الجامعة لحل معضلة رئاسة الجمهورية اللبنانية وتشكيل وزارة توافقية تحول دون الخطر الذي يلوح في أفق القطر العربي الذي أسقط أساطير التفوق الصهيوني، يبدو جلياً أن الجامعة العربية لما تزل هي البيت الذي يلوذ به العرب عند تفاقم الأزمات. وذلك في الوقت الذي باتت فيه مهددة بالتفكيك ليقام على أنقاضها مشروع “الشرق الأوسط الكبير/ الجديد” الذي لم يسقط بعد من الأجندة الأمريكية الصهيونية للمضي بالوطن العربي من التجزئة القطرية إلى التفتيت العرقي والطائفي. وفي مشرق الوطني العربي ومغربه مؤشرات تلاقي قوى دولية واقليمية ومحلية على العمل المشترك لتنفيذ ذلك، باعتباره سبيل تحقيق مخططات الكبار وأوهام الصغار بيادق الشطرنج في لعبة الأمم.

وعليه فالعرب اليوم أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما التوجه الجاد والصادق للتكامل القومي، والسبيل الممكن والمتاح في الزمن الراهن العمل التكافلي لتطوير الجامعة، والالتزام الصادق بتنفيذ مقرراتها. وإما إبقاء الأبواب مشرعة لتكامل إقليمي لغير العرب الدور القيادي فيه. وفي مشروع “الاتحاد المتوسطي” الذي تنسج دول أوروبا المطلة على المتوسط خيوطه بقيادة فرنسا مثال حي.

والسؤال الأخير: إذا كان الاتحاد الإقليمي المرآة العاكسة لواقع الدول المشاركة فيه، فأي صورة تعكسها جامعة الدول العربية، بيت العرب ومرآتهم؟
"الخليج"

التعليقات