31/10/2010 - 11:02

جدل في أميركا ... إمـاطــة اللثــام../بسـام الهلسـه

-

جدل في أميركا ... إمـاطــة اللثــام../بسـام الهلسـه

• ثار الجدل مؤخراً في أميركا –بمناسبة السنة الخامسة لغزو واحتلال العراق- حول الأخطاء التي وقعت فيها أميركا، في العراق وأدت بها إلى الارتباك والتخبط الذي تواجهه هناك، ويحرمها من قطف ثمار النصر الذي حققته قبل خمس سنوات. وتبادل المسؤولون الأميركيون –المدنيون والعسكريون- الذين تولوا الشأن العراقي، الأدوار في تحميل بعضهم البعض الآخر المسؤولية في إتخاذ القرارات والتدابير الخاطئة، سواء كانت متعلقة بوضع التصورات والسياسات، أو بالقرارات، أو بالأداء، أو بتوفير الموارد والقوى اللازمة.

وكان أهم هذه الأخطاء –برأيهم- تلك المتعلقة بعدم وجود سياسة واضحة للعراق ما بعد الاحتلال، والدفع بقوى عسكرية كانت كافية لهزيمة العراق المحطم، ولكنها غير كافية للسيطرة عليه وإدارته بعد الاحتلال، ثم القرارات التي اتخذها حاكم العراق "بول برايمر" بـ"حل الجيش العراقي" و"اجتثاث حزب البعث".
ورغم أهميتها، إلا أن هذه الانتقادات تظل قاصرة عن تفسير "التخبط" الأميركي في العراق، وهو تعبير يخفي الإقرار بالعجز والإخفاق. وهي قاصرة، لأنها تنطلق من وجهة نظر المحتلين التي تفترض صحة القرار والسياسة العامة المتعلقة بغزو واحتلال العراق، وان "الأخطاء" تتعلق فقط بجوانب إجرائية- جزئية كان يمكن تلافيها...

وهي قاصرة ثانياً، لأنها لا تستطيع الاعتراف علناً بالدوافع والأهداف الحقيقية للغزو، فتتظاهر بتصديق المزاعم عن "تحرير العراق" من الدكتاتورية وبناء عراق جديد ديمقراطي، بعدما سقطت مزاعم وجود أسلحة الدمار الشامل، وارتباط العراق بتنظيم القاعدة.

وإماطة اللثام عن دوافع الغزو وأهدافه الحقيقية، هو ما سيضع النقاش على خريطة الطريق الصحيحة التي ستفضي لامتلاك رؤية متكاملة واضحة لأسباب "الارتباك"..
وهي ما سيُمكن من تسمية الأشياء بأسمائها...
وتسمية الأشياء بأسمائها، تقتضي الاعتراف بأن "قرار غزو واحتلال العراق" كان خطأ من الأساس، رغم السهولة التي تم بها بسبب نتائج حرب الخليج الثانية، 1991، وبشكل أكبر بسبب سنوات الحصار الطويلة التي انهكت الدولة والجيش والمجتمع العراقي. وهو "خطأ" لأنه كان على قادة ومخططي الولايات المتحدة أن يتوقعوا ما سينجم عنه من نتائج: تفكك العراق الموحد، ظهور قوى محلية جديدة ستدخل حتماً في صراع على السلطة والمناطق ومراكز النفوذ لملئ الفراغ الناجم عن تداعي السلطة المركزية، وتدخل قوى خارجية: إما ليكون لها مكان ودور في العراق، أو للحيلولة دون تمكن آخرين من التأثير عليها...

وبالطبع كان عليهم التمييز بين "العملاء" الذين سيخدمونهم غالباً في كل الأحوال، وبين "حلفاء الطريق" الذين تقاطعت مصالحهم معهم، وقد ينقلبون عليهم عند تعارض التوجهات والمصالح، ليعملوا لحسابهم الخاص أو لحساب آخرين...
وكان عليهم توقع ما سيفتحه احتلالهم للعراق وانشغالهم به، من شهية لدى قوى عديدة في العالم للتمرد عليهم أو ابتزازهم: سواء من جانب قوى تعاني منهم، أو قوى تنافسهم وتتطلع إلى الظرف المناسب لتحسين مواقعها ومطالبها تجاههم.
لكن ما كان عليهم توقعه، أولاً وقبل كل شيء آخر، مواجهة ما حدث فعلاً وهو المقاومة العراقية التي أعمتهم عن توقع اندلاعها ضدهم، تصوراتهم الغبية والمتغطرسة عن الترحيب والامتنان الذي سيلاقيهم به الشعب العراقي كله!!

ولنسم الأشياء بمسمياتها، وكما نعلم من تجربة سنوات الاحتلال الخمس، فإن المقاومة العراقية هي العامل الأساس والأهم في "ارتباكهم" و"تخبطهم" فهي الفاعل الرئيس الذي أفاد من أخطائهم التي كان بوسعهم تجاوزها لولا المقاومة...
وبالعودة إلى "اعترافاتهم" فإن ما لم يقله الأميركيون بعد عن غزوهم واحتلالهم للعراق، هو أنهم أرادوا "امتلاكه" كلياً كقطعة أرض لهم، وليس فقط السيطرة عليه وتوجيه سياساته في مصالحهم...

وامتلاك "العراق" هو ما يفسر ضراوة الحصار الذي فرضوه عليه طوال ثلاثة عشر عاماً، والتي تجاوزت شدتها وفتكها حدود الأهداف المعلنة (منع النظام من تجديد قواه العسكرية) إلى إنهاك وتحطيم الدولة والمجتمع العراقي، حتى يصلا إلى العجز التام عن إبداء أي مقاومة، وحتى يصلا إلى درجة القبول بأي شيء للخلاص من الحصار الفاتك الرهيب...
و"امتلاك العراق" لتصنيعه كبلد خالص لهم وعلى هواهم، هو ما يفسر لماذا لم يكتفِ الأميركيون بإقصاء القيادات العراقية في الدولة والجيش والمؤسسات وتنصيب قيادات موالية لهم مكانها؟؟

ولماذا كان قرار "برايمر" -الذي لم يجادله فيه أحد- بحل الجيش مع معرفتهم بأن الجيش في بلد كالعراق هو العمود الفقري والهيكل العظمي للدولة والمجتمع (كما هو شأنه في معظم دول العالم الثالث)؟؟
وفي الواقع تعدى الأمر حدود حل "الجيش" واجتثاث حزب "البعث" إلى ملاحقة كل القيادات والكفاءات السياسية، والعسكرية، والعلمية، والتقنية، والاقتصادية.. التي لم تقبل بالعمالة لهم أو لإسرائيل.

وهو ما يعني قطع رأس العراق وأذرعه وتنصيب أناس غير مؤهلين في المواقع المختلفة يدينون بالولاء لهم وغير قادرين على العمل المستقل عنهم وبدونهم...

ولتعزيز هذا التوجه بامتلاك العراق، توجب تفكيكه كدولة ووطن ومجتمع، فصدر قانون "برايمر" الخاص بالانتخابات على أساس محاصصات طائفية وعرقية، لوضع العراقيين في حالة مجابهة مع بعضهم البعض، ولكي لا يتمكنوا من القيام بعمل موحد في مواجهة الاحتلال مستقبلاً...

وهو ما أكده قرار مجلس الشيوخ الأميركي في السنة الماضية بتقسيم العراق إلى مناطق فيدرالية عرقية ومذهبية.

* * *

قلنا ان إخفاء الدوافع والأهداف الحقيقية للغزو الأميركي للعراق، هو الغائب الحقيقي عن النقاش الأميركي الرسمي...
ومع معرفتنا وتقديرنا أيضاً، للأصوات الأميركية الأخرى المعارضة والمختلفة، فإننا نلاحظ أن معظمها يحصر الأمر في حدود "السيطرة على النفط" وهو عامل مهم جداً بالطبع، لكنه يظل جزءاً من كل ما أطلقنا عليه: "امتلاك العراق"، لتحقيق ثلاثة أهداف أميركية كبرى:

أولها: السيطرة على النفط: لزيادة ثروات الشركات النفطية الأميركية (لنتذكر فقط إصرار الكونغرس والإدارة الأميركية على وضع قانون النفط الجديد الذي ينهي سيطرة الدولة العراقية على موردها الأساس، ويشرعه لنهب الشركات الأميركية)، وللتحكم في المنافسين الدوليين المستهلكين للنفط (أوروبا، الصين، اليابان...).

وثانيها: إعادة هيكلة وتصنيع المنطقة –الشرق الأوسط- بما يجعل من "إسرائيل" القوة المركزية فيها.

وثالثها: استخدام العراق بما لديه من إمكانات بشرية واقتصادية، وموقع استراتيجي: في المشرق العربي، والخليج، وآسيا، كقاعدة لعمليات التدخل في المنطقة لاستكمال السيطرة عليها.

فهم يعرفون أن مهمتهم في العراق تظل ناقصة (بل ومهددة) ما لم تكتمل بالسيطرة على بلدين مهمين مجاورين للعراق، أو تطويعهما: إيران وسورية... وهي المهمة التي تدق بعنف طبول الحرب في "أميركا" و"إسرائيل" للقيام بها...

* * *

وإلى أن تحطم الحقائق على الأرض أوهام وأكاذيب وصلف المتغطرسين، سيظل المسؤولون الأميركيون يتلاعبون بالكلمات ويسمون الأشياء بغير أسمائها، إلى أن تحل بهم الهزيمة...

alhalaseh@gmail.com
واحة العرب

التعليقات