31/10/2010 - 11:02

جولة تشيني: هل تنجح المطرقة المخملية حيث فشلت كوندي!../ منذر سليمان*

جولة تشيني: هل تنجح المطرقة المخملية حيث فشلت كوندي!../ منذر سليمان*
في كتاب بوب وودوورد ما قبل الأخير بعنوان «خطة الهجوم» يشير إلى لقاء خاص في منزل تشيني بعد مرور اربعة ايام على اجتياح بغداد جمع بالاضافة اليه وزوجته لين، كلاًّ من وولفويتز كينث ادلمان، ومستشاره سكوتر ليبي الذي اضطر للاستقالة قبل أن يحاكم ويدان أخيراً في قضية الكشف عن عميلة المخابرات المركزية السيدة بلام، (كلهم جزء من قادة عصابة المحافظين الجدد) التي أشار اليها الجنرال باول عندما كان وزيراً للخارجية واصفاً المجموعة التي تعمل في وزارة الدفاع منهم بالغستابو.

كان الجو احتفالياً مثلما ينقل وودوورد، حيث تناوب «أفراد العصابة» على التباهي والتفاخر بما صنعت أيديهم وأغدقوا المديح على الأخ الغائب اضطراراً عن العشاء الاحتفالي وزير الدفاع رامسفيلد الذي كان عراباً في ادراة الرئيس الأسبق فورد للاستعانة بخدمات تشيني في البيت الأبيض.

بالمقابل، سرت نظرات الامتعاض والسخرية لدى ذكر اسم كولن باول بوصفه جنرال الدبلوماسية الاميركية المتردد في الموافقة على شن الحرب، والذي أخضعه بالنهاية فريق الحرب للانقياد بالخديعة والمناورة، لكنه سئم حالة الحصار والتطويق لا بل احيانا الاستخفاف به والاهانة خلال خدمته في ادارة بوش الابن الاولى، ويتذكر بمرارة كيف كانت تُسحب السجادة من تحت قدميه كلما سعى للتحرك الدبلوماسي النشط في الشرق الأوسط بعيداً عن رغبة عصابة الغستابو، وتجربة إفشال مهمة مبعوثه الخاص لتحريك الملف الفلسطيني ـــ الاسرائيلي الجنرال المقتدر زيني بالغة الدلالة.
لذلك تنفس الفريق نفسه الصعداء عندما قرر باول التنحي عن منصبه بعد انتخاب بوش الابن دورة ثانية، وربما تم كسر العديد من الأواني الفخارية احتفاءً بإرغامه على الرحيل.

ازاحة باول، الرجل الأكثر شعبية وصدقية في فريق بوش الابن لدى تسلمه السلطة، عزز الانطباع بالنفوذ المتنامي لتشيني لدرجة ترداد الشائعات عن كونه الرئيس الفعلي للبيت الأبيض.
ورغم تعرضه لأزمات صحية متكررة، تبخرت كل الآمال والأمنيات بإرغامه أو إقناعه بالاستقاله مع دخول بوش الابن دورته الثانية، رغم الرغبة الجامحة لدى أركان الحزب الجمهوري باختيار بوش الابن فيما يمكن اعتباره المرشح الأوفر حظاً لخوض معركة الرئاسة القادمة لعام 2008، تلك الانتخابات التي ستشهد لأول مرة منذ 55 عاماً غياباً لخوضها من الرئيس الذي لا يحق له دورة ثالثة ونائب الرئيس الذي يزهد بالترشح.

وجاء اختيار رايس للخارجية بدلاً من تحقيق رغبتها الدفينة في تسلم دفة البنتاغون مكان رامسفيلد، لينعش طموحات نائب الرئيس ويزوده المسكنات لضبط ايقاع اضطرابات القلب التي سببت دخوله المستشفى.
فتشيني لا يأمن كثيراً جانب رايس التي كادت تنافس السيدة الأولى على احتكار اذني بوش الابن (وإن كانت من نوع مختلف عن وشوشة المخدة).

اللافت في جولة تشيني الراهنة للمنطقة، هو اختياره العراق محطة اولى بدلاً من المحطة الاخيرة، لا نتحدث هنا عن الاعتبارات الأمنية في التكتم على حركته، وهو أمر يفترض السرية في الحالتين، فلقد سبق له أن تعرض لاستقبال ناري من طالبان في أفغانستان في زيارته السابقة، ولم تخذله المقاومة العراقية هذه المرة حيث هزّت صواريخها حصنه المنيع في المنطقة الخضراء.

وبدا السؤال المشروع: لماذا يأتي تشيني أصلاً؟! لا بل لماذا يجري الإعلان عن جولته قبل أن تغادر رايس شرم الشيخ حيث يجري البحث في مصير العراق أولاً وأخيراً؟ ألا تخشى الإدارة الاميركية من ارسال اشارات متضاربة حول تخبطها المعروف اصلاً، وحول من يحمل كلمة السر الاميركية في مصير حكومة المالكي ومصير السجال حول جدولة الانسحاب الاميركي وعدمه؟ أليس الإعلان عن جولة تشيني قبل أن تحزم حقائبها الى واشنطن نوعاً من سحب البساط من تحت اقدامها؟ لم تكن بحاجة لمزيد من السهام التي توجه لها في الصحافة أخيراً بأنها كمن يجيد الحياكة بالزيارات المكوكية للمنطقة من دون أن تترك أثراً ملموساً لخيطانها!

تبدو رايس كمن يستبدل الإنجازات بالمؤتمرات والاجتماعات والصور التذكارية، أو كالعازفة المنفردة (وبالمناسبة هي عازفة بيانو) التي تقوم بعمليات تمرين متكررة لكي تنجح في تصوير الفيديو كليب الموسيقي وفي كل مرة تفاجأ بتخلف بعض العازفين المحليين عن الحضور أو ينسى بعضهم اصطحاب الآلات، او الأسوأ، يتبين انهم لا يجيدون العزف على النوتة الأميركية المرغوبة.

واللافت أيضاً ما سها عن اهتمام الصحافيين في مؤتمرها الصحافي الذي عقدته في شرم الشيخ قبل مغادرتها بخفي حنين، من دون لقاء وزير الخارجية الايراني متكي على انفراد، أو الحظوة بحديث علني مطول على مائدة العشاء، فلقد أجرت المؤتمر الصحافي منفردة من دون حضور وزير خارجية الدولة المضيفة أو رئاسة المؤتمر أو حتى مندوب للعراق، وبدت ملامح الامتعاض التي حرصت على اخفائها لدى توجيه سؤال عن زيارة تشيني تجاهلته كلياً.

بالطبع علّقت لاحقا لدى وصولها للولايات المتحدة في اللقاءات التلفزيونية التي أجريت معها، لكن الشروح بقيت غير مقنعة.
امتعاضها وتجاهلها للسؤال في شرم الشيخ جاءا تأكيداً على شعورها بالإحباط والإحراج الذي تتركه جولة تشيني وتوقيتها، فكأنها اعلان مدوّ على فشلها الدبلوماسي وعدم قدرتها على الامساك والسيطرة في توجيه الملف العراقي في ظل صراع وتخبط مراكز القوى والتأثير المتنوعة في الادارة الاميركية، هذا التخبط الذي نتج منه عدم قدرة الرئيس بوش وفريقه على اختيار (سيزار CEZAR) للعراق، أي قيصر يتولى ملف الحرب، حيث لا أحد بجرؤ على قبول العرض في أجواء المراقبة والمحاسبة الشديدة التي يمارسها الكونغرس الديموقراطي وفي ظل استمرار التدهور الامني والعسكري الميداني في العراق.

على الأرجح أن بوش الابن الذي ضاقت به السبل لإمساك البوصلة في سياسته الفاشلة في العراق، وصل الى القناعة، أو أوصله تشيني إليها، بأن رايس عاجزة ولا بد من توظيف نائب الرئيس لهذه المهمة الصعبة بوصفه «قيصر الحرب» المطلوب والمفترض، الذي لا يحتاج الى تتويج رسمي.

يبدو أن تشيني يعتقد أنه قادر على استعارة الاسلوب الناجع الذي اشتهر فيه جيمس بيكر عندما كان وزيراً للخارجية في عهد بوش الأب في الحرب الأميركية الأولى على العراق بعد غزوه الكويت عام 1991، وهو الاسلوب الذي وصف بالمطرقة المخملية. بالطبع سيغتاظ بيكر اذا علم بهذا التشبيه لأن تشيني يكاد ينفرد بدرجة خاصة من الصلف والغرور، لكن بيكر لن يخفي غبطته بفشل تشيني المنتظر وعجزه.

تشيني يحمل مطرقته وقد لا تكون مخملية هذه المرة، فالإدارة شبه يائسة وفي سباق محموم مع الزمن، لكنها مكابرة وتحتاج لحسم الامور بما فيها حسم أمر حكومة المالكي إما بالتطعيم أو بالتهديم، وفي الحالتين سيأتي تشيني الى الدول العربية اللأخرى التي سيزورها ليسوّق الحل أو على الأصح يأمر بتحمل تكاليف نقل المطرقة وتوضيبها واستخدامها.

غريب أمر ادارة بوش في تعاملها مع اصدقائها العرب، فهي تحرجهم بالتجاهل والتجاوز وأحيانا بالاحتقار لأطر التنسيق العربية، تمعن في استحداث محاور خاصة محدودة وحسب الطلب حتى داخل المحاور الراغبة فيها، لقد ابتدعت الرباعية العربية في سعي متسرع وغير مدروس لمجابهة ما تراه الخطر الايراني المشترك، لكنها تركت دولاً أخرى صديقة خليجية بصورة خاصة مثل الكويت، البحرين، عمان وقطر مثلاً، تتساءل عن الحكمة من الإقصاء المقلق رغم خدماتها الجليلة والمستمرة.

يبقى أن نشير الى أن زوبعة تبرير تفادي متكي للقاء رايس قد هدأت نسبياً بعد المبالغة والإفراط في استغلال (فتنة) المرأة العازفة ذات الرداء الأحمر في شرم الشيخ.
لكن الناطق بلسان الخارجية الاميركية الذي حاول تعويض خيبة أمل رايس باتهام مبطن لمتكي بأنه ربما خشي المرأة الأخرى (أي الوزيرة كوندي) قد فاته أن لمعارك صواغ مزاج الرأي العام، وإدارة حملات العلاقات العامة حدوداً، وعند تخطيها ترتدّ الى عكسها.

فرمزية (المرأة ذات الرداء الأحمر) تحتمل التأويل وقد لا تفيد استعارتها السيدة رايس في المقارنة. فهي عنوان لفيلم اميركي مشهور من بطولة الممثل ريتشارد غير والممثلة جوليا روبرتس، أدت فيه روبرتس دور بائعة الهوى.

المشهد الأميركي لا يسرّ، فالإدارة محاصرة بالفضائح وبتدحرج رؤوس كبيرة من أفراد «الغستابو» وتزايد الذين يهربون من مواقعهم كأنهم يغادرون سفينة على وشك الغرق، إذ وصل عدد المغادرين طوعاً أو قسراً أكثر من 28 من كبار المسؤولين والحبل على الجرار، والمشهد العربي الغني بمشاعر القلق والتوجس من تطورات محمّلة بالمخاطر بدأ يتذمر ويتبرم في وضعية المتلقي أو المفعول به حين تضيق الخيارات المطروحة أمامه من جانب الساعين لتوطين الوازن الأمني الخارجي الى الأبد، فكأن المسرح عصي على الفهم الا باستخدام الرموز التي تفصل بين بائعات الهوى وبائعي الأوهام.

"الأخبار"

التعليقات