31/10/2010 - 11:02

جولة في إشكاليات لجنة المتابعة من منظار محلي وقطري../ خالد خليل

جولة في إشكاليات لجنة المتابعة من منظار محلي وقطري../ خالد خليل
لجنة المتابعة العليا التي شكلت في الماضي إطارًا تنسيقيًا بين جميع القوى الفاعلة على ساحة الجماهير العربية في الداخل، وضمت في صفوفها أعضاء الكنيست والأحزاب والحركات العربية إضافة إلى رؤساء المجالس المحلية في الوسط العربي ومندوبين عن الجمعيات ومؤسسات العمل المدني والنقابي في أوساط الأقلية العربية، أثبتت هذا الأسبوع من خلال المشاركة النضالية المتميزة من قبل بعض قياداتها في أسطول الحرية واعتقال رئيسها محمد زيدان مع الشيخ رائد والشيخ حماد ابو دعيبس، إضافة إلى الدور المتميز واللامع الذي لعبته حنين زعبي من خلال كشفها للجريمة الإسرائيلية وحيثياتتها وظهورها الإعلامي على مستوى العالم ونجاحها بفضح الرواية الإسرائيلية الزائفة، مدى أهمية وجود هذا الإطار كإطار سياسي تمثيلي للجماهير العربية.

وكانت اللجنة في السنة الأخيرة خطت خطوات متقدمة على صعيد التحول من هيئة تنسيق إلى هيئة تمثيلية سياسية للجماهير العربية من خلال تفعيل برنامج ومقترحات عملية لإعادة البناء، ومن ضمنها دستور وآليات تنظيمية مفصلة، تنظم العلاقة بين مركبات اللجنة المختلفة.

وقد اشترك في هذه العملية جميع القوى والأحزاب السياسية، وتم اختيار رئيس توافقي لما اصطلح على تسميته داخل اللجنة “المرحلة الانتقالية”. وبناءً على ذلك تم اختيار سكرتاريا ومؤسسات ولجان فرعية من خلال وضع معايير للتمثيل النسبي لكل حزب وحركة، كذلك تم الاتفاق على آلية اتخاذ قرارات جديدة في حال تعذر اتخاذ قرار بالإجماع في أي قضية. ووفقًا لذلك تم تحديد نسبة الثلثين كحد أدى لاتخاذ قرار سياسي أو نضالي مختلف عليه.

وقد كانت تجربة يوم الأرض الأخير والتصويت على قرار الإضراب اختبارًا لهذه الآلية، حيث تم رفض قرار الإضراب بصوت واحد، والنتيجة أن جميع مركبات اللجنة التزمت بالقرار الديمقراطي (رغم أن الإسلامية الجنوبية التي كانت رسميا مع الإضراب، أوعزت لأحد مندوبيها التغيب عن الاجتماع !!).

لا شك أن الوصول إلى هذه الصيغة التوافقية له قيمة تنظيمية وسياسية كما يعتقد كثير من المراقبين لمسار ونشاط لجنة المتابعة، وخاصة الجانب المتعلق بترسيخ واحترام الآليات الديمقراطية تحت سقف التعدد والاختلاف.
عبد عنبتاوي الذي أدار مكتب لجنة المتابعة على مدى 16 عامًا متوالية من خلال عمله في مكتب اللجنة القطرية للسلطات المحلية يؤكد رغم ذلك أن جميع الأحزاب ساهمت في الآونة الأخيرة في إضعاف لجنة المتابعة وان بتفاوت.. فالجميع لم يلتزموا كما يجب بقرارات اللجنة، وهناك بون شاسع بين التصريحات وبين الالتزام الفعلي، في كثير من الأحيان قررت اللجنة نشاطات احتجاجية وكانت المشاركة مقتصرة على قيادات الأحزاب دون جمهورها، الحركة الإسلامية مثلاً التي نظمت مؤخرًا مهرجانًا كبيرًا في كفر كنا لنصرة الأقصى حضره عشرات الآلاف، لم يشارك منها سوى بضع عشرات في مظاهرة المتابعة التي نظمت أيضا في كفر كنا قبل أسبوعين (السبت) ضد الاعتقالات، رغم أن الشيخ كمال خطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية كان خطيبًا مركزيًا في المظاهرة وهو فعال جدا في الدفاع عن المعتقلين.

أما الجبهة فلم تشارك على الإطلاق بهذه المظاهرة وعلمنا من مصادر مقربة لرامز جرايسي بأنه لم يدعَ بتاتًا لقول كلمة في المظاهرة كما قال عريف الحفل ألاختتامي! وحتى إن كان الادعاء صحيحا فلماذا لم يشارك احد من الجبهة أليست الاعتقالات والملاحقة قضية كل الجماهير العربية. ردا على ذلك يقول احد الجبهويين القدامى „ إننا لم نر أحدا من التجمع في محاكمة محمد بركة، وفقط قلة قليلة كانوا في محاكمة الشيخ رائد”.

لقد فوجئ الجمهور بعدم مشاركة رامز جرايسي الذي حضر قبل أسبوع فقط إلى مهرجان التضامن مع المعتقلين عمر سعيد وأمير مخول في كفر كنا أيضا، وخطب في الجمهور معربًا عن تضامنه القوي بوصفه رئيسًا للجنة القطرية.

وتقول مصادر مقربة من الجبهة إن رامز جرايسي شارك في المهرجان رغم معارضة قيادات جبهوية بارزة لمشاركته. وعلم أيضا أن جرايسي أصر على المشاركة مبررًا ذلك بأنه لا يمثل الجبهة فقط وإنما يمثل السلطات المحلية..

لكن من الواضح أن موقف جرايسي مغاير كما يبدو لآخرين داخل قيادات الجبهة. (هناك تحول ايجابي مؤخرا في موقف الجبهة في قضية الدفاع عن المعتقلين حيث شارك محمد بركة في المحاكم وساهم في التصدي لحملة التحريض السلطوية).

يوم الأحد قبل أسبوعين نظم التحالف الوطني في شفاعمرو تظاهرة احتجاجية ضد زيارة بيرس للمدينة ومشاركته في احتفالات المئوية، وكان رئيس الجبهة بركة صرح قبل يومين من ذلك انه سيشارك في الاحتفالات وان علينا أن لا نكون ضد حضور بيرس ومشاركته (بركة لم يشارك في النهاية باستقبال بيرس) كوادر الجبهة المعارضة لهذا الموقف شاركت في المظاهرة الاحتجاجية ومن ضمنهم عضوا البلدية احمد حمدي وزهير كركبي (إلا أن كركبي وحمدي توجها خلسةً بعد المظاهرة إلى قاعة الاحتفال كي يرضيا جميع الأطراف معتقدين ان عدسات الكاميرات لن تلتقط صورا لهما، إلا انه وبدون جهد خاص تم العثور على صورهما في الاحتفال).

ومن المؤسف أن جرايسي أيضا كان من بين مستقبلي بيرس والتقطته عدسات الصحفيين بالقرب من حمد عمار عضو الكنيست من حزب يسرائيل بيتينو في صف المستقبلين لرئيس الدولة. (يقول احد المقربين لرامز جرايسي انه تم الزج به في هذا الموقف من حيث لا يدري.. فبركة شجع المشاركة وتغيب في اللحظة الأخيرة ربما بسبب المعارضة الشديدة لفرع الجبهة في شفاعمرو أو لأسباب شخصية لا نعرفها).

لا بل اكثر من ذلك فان مراسل „الاتحاد” كتب غداة المظاهرة أن الجبهة هي التي نظمت المظاهرة الاحتجاجية ضد زيارة بيرس، الأمر الذي أثار استغراب كوادر الجبهة ذاتهم الذين شاركوا في المظاهرة التي نظمها وبادر إليها التحالف الوطني، وأفاد احد المشاركين الجبهويين انه شعر بالخجل عندما قرأ خبر الاتحاد غير الصحيح حسب وصفه.

كما يبدو إن قيادة الجبهة تتبع نفس الأسلوب داخل لجنة المتابعة أيضا، لقد وافقت الجبهة في البداية على إعادة البناء بعدما تعرضت إلى ضغط شديد مِن قبل المركبات الأخرى للجنة، وشعرت بالحرج، طبعًا هذا بالإضافة إلى وجود تيار داخل الجبهة يؤيد تمامًا قضية إعادة البناء والذهاب بعيدًا في وضع أسس ديمقراطية حقيقية لإدارة وأداء لجنة المتابعة، ورغم أن هذا التيار لا يمثل أغلبية داخل الجبهة إلا انه استطاع أن يلعب دورًا هامًا في اتخاذ قرار رسمي للمشاركة في عملية إعادة البناء والموافقة على دستور وآليات تنظيمية للجنة، الأمر الذي من المفروض أن يؤدي في النهاية إلى تجاوز دور هيئة التنسيق نحو اعتبارها هيئة سياسية تمثيلية للجماهير العربية. إلا أن احد المآزق الكبيرة التي تواجه عمل لجنة المتابعة كما يؤكد عبد عنبتاوي هو وجود موافقات وقرارات رسمية ليست لها ترجمة في أرض الواقع.

فمثلاً هناك إجماع داخل لجنة المتابعة على أن اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية جزء من لجنة المتابعة ويجب أن تلتزم بقراراتها، لكن عنبتاوي يحذر من „قوى تعمل فعلاً لفصل كامل وكلي بين المتابعة والقطرية”، ويضيف إن هذا الأمر يخدم المؤسسة الأمنية ومشاريعها التي سعت لها منذ سنوات”.

وفيما يعيد البعض ضعف لجنة المتابعة وهشاشة المشاركة الجماهيرية في نشاطاتها إلى خلل في أداء رئيسها وإدارتها، يعتقد كثيرون أن المشكلة تكمن بغياب القرار السياسي عند الأحزاب المشاركة في اللجنة لتقويتها، حيث أن مشاركة هذه الأحزاب بالفعاليات تحددها المصلحة الحزبية في الحدث العيني، ويرى عبد عنبتاوي ان تغليب المصلحة الحزبية ما زال طاغيًا على أداء الأحزاب، على حساب المصلحة العامة”.

فالجبهة بحسب بعض المراقبين تعلم أنها لا تستطيع تمرير جميع القرارات التي تهمها داخل لجنة المتابعة، لذلك يسعى بعض قياداتها إلى فصل المتابعة عن القطرية، حيث أن قوة الجبهة داخل القطرية اكبر بكثير من قوتها داخل المتابعة، فتمثيلها داخل سكرتاريا المتابعة موازٍ لباقي الأحزاب الرئيسة على الساحة، في حين أن عدد رؤساء المجالس الجبهويين أو حلفاء الجبهة يشكل أغلبية لها.

مشكلة الفئوية الحزبية واختلاف الرؤية في موضوع إعادة البناء ودور لجنة المتابعة، لا ينفي وجود خلل في الأداء على مستوى رئاسة اللجنة وإدارتها، وقد ظهر ذلك جليًا في موضوع زيارة ليبيا الذي أثار نقاشات عاصفة قبل وبعد الزيارة، حيث أن الطريقة التي تم فيها تنظيم الزيارة نالت من هيبة لجنة المتابعة كهيئة تمثيلية للجماهير العربية، وقد تم الإعلان أن السفير الليبي هو من رفض أن يكون الوفد برئاسة رئيس لجنة المتابعة، وكأن المبادرة جاءت منه، في حين اتضح فيما بعد أن أطرافا داخل لجنة المتابعة مع أطراف خارج الخط الأخضر هي المسؤولة عن هذا الأمر، وهي من كانت تقف فعلاً وراء تنظيم الوفد ولها علاقة خاصة بالسفير الليبي والمسؤولين عنه في المخابرات الليبية، وهكذا تم فرض أجندة على وفد الجماهير العربية تتناقض مع المنطق السليم بأن تكون المتابعة هي المسؤولة والمنظمة والمقررة بتركيبة أعضاء الوفد!!

لجنة المتابعة أعلنت أنها في مرحلة انتقالية نحو مرحلة أكثر تنظيمًا وديمقراطية ربما يكون فيها الرئيس ليس توافقيًا وإنما منتخبًا وفقًا لمعايير تضعها اللجنة، أو على الأقل أن تكون الرئاسة داخل اللجنة مداورة بين المركبات الرئيسة لها.. مما يعطي أملا بالتنافس والتطوير نحو الأفضل.

لكن تجربة لجنة المتابعة الطويلة تشير إلى أننا ما زلنا بعيدين جدًا عن هذا الوضع.. وحتى الحملات السلطوية الشاملة ضد الجماهير العربية لا توحد الجميع بشكلٍ فعلي وان كانت توحدهم على مستوى التصريحات الرسمية (وهذا ما يفسره غياب بعض النواب العرب، الذين يستقتلون في التسابق على الظهور الإعلامي، عن الساحة في المواجهة الحالية مع الحملات السلطوية).

يتساءل الكثير من المواطنين العرب عن كيفية الخروج من هذا المأزق وتجاوز إشكاليات العمل المشترك من خلال إطار جامع ومهيب وليس من خلال إطار ضعيف ومفكك.

يشدد معظم الباحثين والناقدين للجنة المتابعة أن جانبا هاما من المشكلة يكمن أيضا في وجود اختلاف حاد بالرؤى والبرامج السياسية لمركبات لجنة المتابعة فهل رغم ذلك سيتم وضع أسس واضحة للعمل المشترك.

ليس هناك أجوبة قاطعة حول هذا الموضوع لكن آن الأوان لأن تعيد مركبات لجنة المتابعة حساباتها من جديد وتتخذ قرارات حاسمة فيما يتعلق في مسألة التمثيل السياسي للجماهير العربية وعدم السماح بفصل القطرية عن المتابعة. فمساحة العمل المشترك أوسع بكثير من التصورات الفئوية، ومن الواضح أن قضية أسطول الحرية مثال ساطع على ضرورة تعزيز نضالية لجنة المتابعة وتعزيز تمثيلها للجماهير العربية والتي تحاول إسرائيل انتزاعه منها من خلال ضرب مصداقيتها وشرعيتها كما يتبين من سلوك السلطات الإسرائيلية.

التعليقات