31/10/2010 - 11:02

جولة واسعة ومهمة ملتبسة../ جورج علم

جولة واسعة ومهمة ملتبسة../ جورج علم
يحاول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إجراء مسح ميداني لملفات المنطقة: من بغداد الى القاهرة الى الاراضي الفلسطينية الى تل أبيب، فالرياض حيث القمة العربية، الى بيروت...

إنها «الجولة البكر»، دبلوماسيّا، منذ أن تمّ اختياره أمينا عاما للمنظمة الدوليّة حيث يحاول أن يكون على احتكاك مباشر مع اكثر القضايا العالقة والساخنة المفتوحة التي استنزفت أكبر عدد من القرارات الصادرة عن مجلس الامن، من دون أن يتحقق السلام والاستقرار بين دول المنطقة وشعوبها.
يجب الاعتراف ببعض الانطباعات التي ترافق هذه الجولة، وتحكمها بمعايير أقرب ما تكون الى «الاحكام المسبقة» حول نتائجها، أو ما هو المرجو منها.

الانطباع الاول، أن هذا الدبلوماسي الكوري الجنوبي الذي يتولى منصبا أمميّا حساسا، هو بنظر الكثيرين أقرب الى موظف من الفئة الاولى عند الادارة الاميركيّة، ولن يكون أفضل حالا مما كان عليه كوفي أنان، إلاّ أن يثبت العكس من خلال الطريقة التي سيعتمدها في إدارته للملفات الشائكة، حيث من خلال الاسلوب يمكن ان يثبت العكس، ويؤكد مدى « ليبراليته» وتحرره من الهيمنة الاميركيّة على إدائه وقناعاته وتوجهاته.

الانطباع الثاني، أن الأنظار بدأت تتجه نحو وزيرة الخارجيّة الاميركيّة كونداليسا رايس التي تشارك اليوم في اجتماع الرباعية الدولية في القاهرة، ثم في اجتماع الرباعية العربية في أسوان بصعيد مصر، أكثر مما تتجه اليه، والسبب يعود الى أن هنالك، أي في واشنطن، القرار والنفوذ عند التعاطي مع العديد من الملفات والاهتمامات، وليس في نيويورك. وهذه المعادلة هي السارية المفعول، حتى إشعار آخر تصبح فيه الأمم المتحدة هي المرجعيّة الفعليّة وصاحبة الكلمة الفصل عند البتّ في المشكلات العالقة.

الانطباع الثالث، وليس الاخير، ان التوازنات الدولية التي كانت سائدة بعد الحربين العالميتين، والتي نظّمت الحاجة والاهداف والغايات من قيام الأمم المتحدة «كمرجعية فك اشتباك»، قد تغيّرت وتبدّلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين. وإن التطوير الذي اتفق على اعتماده لإصلاح وتحديث المنظمة الدوليّة والمؤسسات التابعة لها، لم يأخذ طريقه الى التنفيذ، وهذا ما جعلها تكون «تابعة» في الكثير من أدائها وتوجهاتها، بدلا من أن تكون «المرجعية الفصل» التي لا تتقدم عليها أي مرجعية أخرى.

... وعلى الرغم من كلّ ذلك، تبقى بنظر الكثير من الدول والانظمة والشعوب المغلوبة على أمرها، الحاجة التي لا بدّ منها، والمرجعية التي لا غنى عنها، و«حائط المبكى»، لعل وعسى أن يرأف بالحال وتتبدل الاحوال؟!.

... وعلى الرغم من كلّ ذلك، أيضا، تبقى لجولة الأمين العام الأهميّة والصدى نظرا لأهمية المواضيع التي يقلّب صفحاتها، وللصدى الذي يمكن ان تتركه في مقاربة الحلول والمعالجات انطلاقا من بغداد، المحطة الاولى في جولته، والإحاطة الجديدة التي بدأت مع المؤتمر الدولي الاول حول العراق، والثاني المرتقب في العاشر من الشهر المقبل، والمقترحات المتداولة للتوفيق بين متطلبات الاستراتيجية الاميركيّة الجديدة، والمطالبات بالإبقاء على العراق موحدا بأطيافه وطوائفه ومناطقه، الى القاهرة ورام الله وتل أبيب واتفاق مكّة وكيفية التعاطي مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة «الحماسي» إسماعيل هنيّة، ومدى القدرة على فكّ الحصار المالي والمعنوي الاميركي ـ الدولي المحيط بها، الى الرياض، لرصد ما تبقى من همّة ومن قدرة عند العرب في التعاطي مع التحديات التي تواجه دولهم من كل حدب وصوب، الى لبنان العالق ما بين الـ1559 و,1701 وما بينهما من قرارات دولية رسمت لحاضره ومستقبله أكثر من مسار، إن على صعيد وضعه الداخلي، او على صعيد علاقاته مع سوريا من ترسيم الحدود الى ضبط المعابر الى العلاقات الدبلوماسيّة، او على صعيد مستقبل الاوضاع على طول الخط الازرق، والحديث عن وضع مزارع شبعا تحت إشراف الامم المتحدة، وترسيمها، ووضع ما هو لبناني منها في عهدة الجيش اللبناني، الى ترتيب الوضع في الغجر، والبحث في إمكانية الانتقال من وقف الاعتداء الى وقف إطلاق النار، ووضع اتفاق الهدنة موضع التنفيذ...

ويبقى الكثير الكثير الذي يمكن أن يقال عن هذه الجولة، والقليل القليل الذي يمكن توقعه من نتائج، طالما أن كونداليسا رايس لا تزال تتفرد مع إدارتها برسم الاستراتيجات وتحديد المسارات والحكم على الخيارات المتاحة؟!.


"السفير"

التعليقات