31/10/2010 - 11:02

حالة التطبيع مع الحصار../ عوض عبد الفتاح

حالة التطبيع مع الحصار../ عوض عبد الفتاح
يتبين كل يوم أن تطبيع الحصار المفروض على 1.5 مليون من البشر في قطاع غزة، هم أهلنا، يكاد يصبح أمرا واقعا أو معطى كمعطيات الكوارث الطبيعية التي لا مقدرة لنا نحن البشر على منعها.

والدعاية المنتجة والصادرة عن المبادرين للحصار والمتعاونين معه، والمتواطئون معه تقول أن هنالك مجموعة من الشعب خرجت عن طاعة أولي الأمر وعليها أن تدفع الثمن. لا يحصر العقاب بحق هذه المجموعة، وهي حركة سياسية انتخبها الشعب بانتخابات ديمقراطية لم يشكك أحد بشفافيتها، لا الأعداء ولا الأصدقاء. بل يشمل هذا العقاب من يتواجد معها، ومن يؤيدها ومن يعارضها، ومنهم الحركات السياسية والرجال والنساء والأطفال. إنه عقاب جماعي ظالم وبربري تحت رعاية المجتمع الدولي والذي ترفضه الأعراف الإنسانية والدولية.

وبعد الحسم العسكري الذي نفذته هذه الحركة، أي حماس، في الصيف الماضي، وما تفرع عنه من ممارسات خاطئة مستمرة، هو خطأ استراتيجي ندفع ثمنه جميعا كل يوم، أولا لأنه سلوك خطأ ومرفوض بحد ذاته وناتجاً عن سوء قراءة للظروف الإقليمية والدولية. وثانيا لأن المبادرين للحصار من الأعداء الخارجيين والمتعاونين والمتواطئين من أبناء جلدتنا مع الحصار يشعرون بالغبطة إزاء الفرصة التي سنحت لهم بالتجرد مما تبقى من معايير أخلاقية ( وطنية وإنسانية وأدبية) فيجعلون من أنفسهم غطاء فلسطينياً وعربياً لهذه الجريمة جريمة الحصار والتجويع والقتل اليومي.

والأفدح أن الثمن الذي يقبضه المتواطئون مع الحصار، ليس حقوقا وطنية على الأرض والسيادة وعودة اللاجئين، بل أموالاً. هكذا قايض فريق فلسطيني الحقوق (بحجة أن ميزان القوى الراهن لا يسمح بتحقيق حقوق وطنية وبحجة الواقعية) بأموال من أمريكا والدول الغربية التي ثبت من خلال ممارساتها تاريخيا وراهنا أن معظمها إن لم يكن كلها لا يعنيها، في غياب الموقف الوطني والقومي الصلب سوى مصالحها وحماية إسرائيل كما هي.

ويتساءل البعض ما إذا كان واقعيا بعد أنابوليس أن يدعى للحوار بين حماس وفتح وجميع أطياف الحركة الوطنية الفلسطينية. ذلك أن محاربة "الإرهاب" وعدم التحاور مع حماس وإبقاء الساحة الفلسطينية دامية ونازفة وتحويل البلادة إلى سمة من سلوكنا أصبح كل ذلك شرطا، أمريكيا وإسرائيليا، أساسيا لتسلم الأموال والاستمرار في الحديث عن عملية السلام، وذر الرماد في العيون.

هذا الشرط والتزام المفاوضين في أنابوليس به، يبدو أنه جعل الكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني والعالم العربي – قوى وحركات ومنظمات المجتمع المدني – يشعرون بالعجز إزاء ذلك. مع أننا تابعنا هذه الساحة قبل ذلك، ونعرف أزماتها، وكانت تتسم بالنكوص والتراجع وغياب المبادرات الشعبية الجدية. لا شك أن انقسام أي حركة وطنية في مرحلة التحرر الوطني هو وبال عليها لأنه أيضا يضعف حالة التضامن الخارجية معها. وهو ما يفسر جزئيا هذه الحالة العربية الشعبية شبه الراكدة في عموم الوطن العربي، وكذلك في الساحة الفلسطينية عموما وفي الساحة الفلسطينية داخل الخط الأخضر خصوصا. مع ذلك فقد أصبح السكوت على استمرار هذه المأساة جريمة.

ومن هنا جاءت المبادرة التي أطلقتها مجموعة من الأحزاب والحركات العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر، التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة الإسلامية بشقيها وحركة أبناء البلد. أي المبادرة لحملة شعبية لكسر الحصار على الشعب الفلسطيني والسعي إلى إنهاء الانقسام.

إن ما يجري في قطاع غزة وعموم الوطن كارثة وطنية ومأساة إنسانية ومعرضة للتفاقم حيث يسقط يوميا قتلى وشهداء برصاص ومدافع الاحتلال، وتزداد البطالة والفقر والجوع، ويسقط المرضى صرعى لغياب الأدوية وبسبب منع العلاج.

هذا الوضع، يفرض التحرك فورا من جانب كل الأحرار لمنع تحول الحصار إلى أمر طبيعي ولمنع التعوّد على الإنقسام الداخلي وانتظار سقوط المراهنات على أنابولس من جانب حماس وانتظار نجاح هذه المراهنات من جانب فريق عباس-فياض.

لا يحتمل الشعب الفلسطيني ولا تحتمل قضيته تكرار تجارب معروفة. فالتدخل الخارجي الأجنبي بالشأن الفلسطيني معالمه وأهدافه وتوجهاته واضحة لا لبس فيها. ومنها مقاربة القضية الفلسطينية مقاربة اقتصادية (تابعة) يقودها رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض، والتي تستهدف تعزيز الطبقة السياسية المرتبطة بمشروع التسوية وتوسيع نسبي للامتيازات والمنافع إلى شريحة أوسع، إلى أن تفرز هذه الامتيازات والمنافع قيم وسلوكيات سياسية واجتماعية تكون أكثر تقبلاً لمشاريع التسوية غير العادلة. الإعتقاد لدى فياض وفريقه هو أن هذه المقاربة والمراهنات على المساعدات المالية الضخمة سلاح ناجح في مواجهة حماس وسياساتها التكافلية (التكافل الإجتماعي المرتكزة على الصدقة والمعونات المالية للمحتاجين).

يجب العمل فورا على كسر الحصار والضغط على الفرقاء الفلسطينيين للبدء في حوار جدي وشامل. ويُنتظر أن تطرح مبادرات جديدة تأخذ جميع المعطيات الأساسية، ويجعلها الوسطاء أمرا واقعا أمام الفرقاء المتخاصمين وفي مواجهة الأعداء الخارجيين بحيث يكون كل طرف قد هيأ نفسه للتنازلات المطلوبة لإنجاح الحوار، يعلن عنها في اللقاء الاول. إن هذه الأحزاب والحركات الوطنية داخل الخط الأخضر التي نجحت في التوصل إلى عمل مشترك، وإن كانت تدرك صعوبة المهمة ومستوى التعقيد الذي وصلت إليه الحالة الفلسطينية والعربية، تتوخى أن تطلق هذه المبادرة الوطنية والإنسانية حملة مشابهة واسعة في العالم العربي ورفع الصوت عاليا ضد هذه الجريمة الإنسانية، وإعادة الإمساك بالمبادرة الوطنية الوحدوية.

التعليقات