31/10/2010 - 11:02

حرب عالمية رابعة أم منظومة حروب قادمة؟../ جميل مطر*

حرب عالمية رابعة أم منظومة حروب قادمة؟../ جميل مطر*
تنكر “إسرائيل” أنها حرضت إدارة الرئيس بوش على شن حرب ضد العراق، ويعترف بعض قادة جاليتها في الولايات المتحدة بأنهم حرضوا على الحرب ولكن الإدارة الأمريكية قرأت العراق بينما كان الهدف إيران. هكذا تتراجع الجالية الصهيونية، أو بعض قيادتها، ليس ندماً وإنما لأن الحرب ضد العراق زرعت الانقسام في أمريكا وأساءت إلى السياسة الخارجية الأمريكية وسمعة أمريكا إساءة فادحة، ولا تريد الجماعة اليهودية - الصهيونية أن تلصق بها مسؤولية الفشل الأمريكي، ولا أقول الهزيمة.

رأينا أحد العمالقة في مجموعة المحافظين الجدد، وهو ريتشارد بيرل، يعلن من منفاه الاختياري خارج الحلبة السياسية، أنه لو كان يعرف مصير هذه الحرب لما شارك في التخطيط لها ودعم خطواتها، ولقضى وقتاً أطول للتفكير في استراتيجيات أخرى لإسقاط نظام صدام. هذا بالضبط ما يردده آخرون من المحافظين الجدد الذين انسحبوا من الواجهة، الواحد بعد الآخر واعتقدنا لبعض الوقت أنهم شعروا بهزيمتهم وتأكدوا من أنهم ألحقوا بالحزب الجمهوري وإدارة الرئيس بوش وبأمريكا أذى شديداً، وربما اكتشفوا أن مصلحة أو أكثر من مصالح “إسرائيل” أضيرت أيضاً.

ومع ذلك يبدو أنهم، وأقصد المحافظين الجدد، غير نادمين، ويبدو أن انسحابهم مؤقت ويعملون الآن على تجميل صورتهم وشحذ الهمم لدفع أمريكا نحو حرب يقولون إنها كانت هدفهم منذ البداية، وهي الحرب ضد إيران. وسواء كانت إيران هي الهدف منذ البداية أو كان العراق قبل أن يتحولوا إلى إيران، أو كان العراق ثم إيران، ففي النهاية تم تدمير دولة عربية، ولا أقول نظاماً سياسياً كما يروجون. وتتحقق لهم الآن تعبئة الرأي العام الغربي ومعه الرأي الرسمي العربي لشن حرب ضد إيران ولا يخفون أنها لحماية أمن “إسرائيل” وسلامتها. ويكذبون ويبالغون ويروجون لحريق هائل في العالم الإسلامي، اشتعل بعضه في أماكن متفرقة من العالم العربي والإسلامي، ومعبأة للاشتعال بقية أجزائه. عندئذ ستكون قد اكتملت معالم “الحرب العالمية الرابعة” التي جعلها نورمان بودهورتز عنواناً لكتابه الذي يصدر في نهاية هذا الأسبوع.

وقد اختارت أشهر دور عرض الكتب في نيويورك، الكاتب الانجليزي ايان بوروما لعرض الكتاب، وأحسنت الاختيار، إذ تبين من خلال ما عرضه بوروما أن الكتاب في حد ذاته قنبلة يمكن أن تنفجر في وجه أي مفكر أمريكي يحاول مناقشته موضوعياً. فالمؤلف، وهو معروف من خلال دورية “كومنتاري” المتطرفة في صهيونيتها وتبعيتها للسياسة “الإسرائيلية” هو أحد قادة المحافظين الجدد الذين لم يندموا على تحريض بوش على غزو العراق، ولا يخفي عنصريته الفاضحة في كتاباته عن الزنوج والمسلمين في أمريكا، وهو واحد من كبار المفكرين اليهود الذين يساوون بين أمريكا و”إسرائيل”، حتى إنه حين يتحدث عن “حكومتنا” فإنه يعني الولايات المتحدة و”إسرائيل” باعتبارهما، من وجهة نظره، حكومة واحدة.

ويبدو أن الحرب العالمية الرابعة التي يدشنها بودهورتز تعني لديه أكثر من الغرض المعلن وهو “النضال الطويل ضد الفاشية الإسلامية”. ففي الكتاب حروب كثيرة وليست حرباً واحدة. فيه حرب أهلية يشعلها الكاتب بين الشعب الأمريكي والنخبة الليبرالية، هذه النخبة التي توجه العديد من أجهزة الإعلام وتهيمن على المجتمع الأكاديمي، وهي النخبة التي تساوم المسلمين وتخضع لابتزازهم وتتساهل مع عدوانيتهم. هذه النخبة الأمريكية تلعب الدور الذي لعبته النخبة في أوروبا في الأعوام التي سبقت قيام الحرب العالمية الثانية، حين غضت الطرف عن النازية وخطرها على اليهود، وحين سكتت عن الستالينية وهادنتها.

ويثير الكتاب حرباً أخرى، حرباً بين الحكومة والمجتمع الأكاديمي الأمريكي الذي يعج بأساتذة وعلماء يعارضون سياسة الرئيس بوش في العراق، وحربه ضد المسلمين، هؤلاء “رجال عصابات” ولابد من منعهم من الكلام في جامعاتهم. هذه النخبة الليبرالية، نخبة الإعلاميين والأكاديميين، هي نفسها التي سمحت للزنوج الأمريكيين بابتزازها والحصول على امتيازات مستخدمين حججاً كالضعف والفقر ووضعهم كأقلية محرومة، وهي التي توددت إلى الزنوج وحاولت كسب رضاهم، أما الزنوج فكان ابتزازهم يزداد مع كل تنازل يقدمه الليبراليون البيض. إن الهدف من التذكير بالسكوت عن النازيين والعلاقة بين الليبراليين والزنوج، التأكيد على أن لا حل لمشكلة أمريكا مع الإسلام إلا بالقوة والسرعة في استخدام هذه القوة. يجب على حكومتنا، ويقصد أمريكا و”إسرائيل”، أن تكون صارمة أشد الصرامة وحازمة أشد الحزم، هكذا كانت أمريكا عندما تعاملت مع الخطرين النازي والستاليني، ولذلك انتصرت. ولو كانت انتظرت تحرك أوروبا لما تحقق لها شيء من هذا النصر.

أوروبا على وشك السقوط بعد أن تسرب الإسلام إلى قلبها، هذا ما يقوله المحافظون الجدد ويروجونه. ويردد للإحصائيات الملفقة المتضمنة في حملة الكراهية التي تشنها المنظمات الصهيونية واليمين المحافظ للوقيعة بين أوروبا والإسلام، وأغلبها يثير الخوف من أن المسلمين في أوروبا سيشكلون أكثريات في وقت قريب. وفي تعليقه على الكتاب يقول بوروما إن بودهورتز، وهو أحد تلامذة برنارد لويس، لم يتردد في أن يخلط بين حزب البعث والنازية والستالينية باعتباره الحزب الذي قاد “الهجوم الإسلامي” على الغرب، ناسياً أن عفلق كان مسيحياً، وأن الحزب كان قومي التوجه.

لقد بدأ الرئيس بوش، مدفوعاً بفكر المحافظين الجدد وخططهم السرية والعلنية، حرب تجفيف المستنقعات في الشرق الأوسط، أي حرب تغيير الأنظمة الحاكمة جميعها وإقامة الديمقراطية. وفشل بوش وتراجع حين قال له الليبراليون في وزارة الخارجية إن الإسلاميين في كل مكان في العالم سوف يكسبون أي انتخابات من دون مجهود كبير. يكفي أن يرفعوا شعار العداء والكره لأمريكا. يقول مؤلف الكتاب إن هؤلاء الليبراليين الأمريكيين، وبعضهم من اليساريين، هم السبب في هزيمة أمريكا في العراق، ويذكر أسماء مثل نعوم شومسكي وسوزان سونتاج وفورمان ميلر وأشخاص من اليمين الانعزالي مثل بات بيوكانان. ثم إنه كشخصية متطرفة في عنصريتها يركز على عبارة صارت مألوفة وهي أن أكثر المناهضين لسياسات الرئيس بوش من المعادين للسامية، والدليل على ذلك أن “جميع أعداء “إسرائيل” في أمريكا كانوا يقدمون الإسلام للرأي العام الأمريكي في صورة زاهية''، وأكثرهم في الوقت نفسه من أنصار الاعتماد الأمريكي على المؤسسات الدولية، وهي المؤسسات التي تعتقد جماعة اليمين المحافظ بأنها تكره “إسرائيل” وتأخذ جانب الفلسطينيين والعرب. ولا ينكر المؤلف أن بين الكارهين لـ”إسرائيل” يهوداً يساريين وليبراليين.

يبدو أن ما يدور في ذهن المفكرين الأمريكيين المتعصبين لـ”إسرائيل” والموجودين بكثافة في جماعة المحافظين الجدد، هو أن تكون الحرب العالمية الرابعة “منظومة حروب” وليست حرباً واحدة، فهي حرب أمريكية ضد المسلمين، وضد الأوروبيين المتساهلين “الجبناء”، وهي حرب بين النخبة الليبرالية الخائنة والنخبة اليمينية القوية والصارمة والحازمة، أي حرب أهلية أمريكية تحد من سرعة تدهور أمريكا وتمنع غزو المسلمين لها. وهي حرب بين أجهزة، أي بين وزارة الخارجية وأجهزة المخابرات، حيث توجد البراجماتية من ناحية والبيت الأبيض ووزارة الدفاع حيث توجد عقيدة التبشير وسائر أركان العالم من ناحية أخرى.

لم نهتم بصعود جماعة المحافظين الجدد قبل حرب العراق والحرب الأوسع الناشبة الآن ضد هياكل الشرق الأوسط، ومنظومة القيم السائدة فيه. ولم ننتبه إلى ما دبروا وخططوا، ثم رأينا بعضهم ينسحب، أو ينزوي. قلنا لعل اليمين المتشدد انهزم. الحقيقة، كما تبدو لنا الآن، أن هذا التيار لا يزال فاعلاً ونافذاً. ومن يسمع خطب رودلف جولياني المرشح لخلافة الرئيس بوش في منصب الرئاسة يدرك أن التيار المتطرف ضد المسلمين والجاهز للاستمرار في شن حرب عالمية رابعة أو لتصعيدها لا يزال قوياً. بل لعله أقوى مما كان عليه قبل 11 سبتمبر/أيلول. وعندما نقرأ ليساريين متطرفين، هم في الواقع لا يقلون كرهاً للمسلمين والعرب من اليمين الصهيوني، كالكاتب الذائع الصيت كروستوفر هاتشينس، ندرك إلى أي حد يمكن أن يتدهور السلام العالمي في السنوات القليلة المقبلة، وتعم الفوضى.
"الخليج"

التعليقات