31/10/2010 - 11:02

حركة فتح... تساؤلات دون إجابات../ يونس العموري*

حركة فتح... تساؤلات دون إجابات../ يونس العموري*
ربما تكون الكتابة في الشأن الفتحاوي من أصعب الكتابات ومن أخطرها بذات الوقت على اعتبار أن الإطار الفتحاوي عموما غير ثابت وديناميكي الحركة باستمرار، بصرف النظر عن التوافق مع مثل هذه المتغيرات بفتح، بمعنى آخر فان فتح الحركة وبالظرف الراهن وما باتت تعيشه من أزمات وعدم انسجام قادتها وتغييب مؤسساتها صاحبة الحق بإصدار المواقف البعيدة عن الكيدية، والتي من المفروض أن تعبر عن الرؤى السياسية المنسجمة وأدبيات هذه الحركة، التي لطالما استطاعت قيادة الشأن الفلسطيني عموما بل واستطاعت أن تعبر العديد و الكثير من الأزمات التي هددت المشروع التحرري، وخاضت في سبيل هكذا مشروع العديد من المعارك، باتت اليوم عاجزة عن اتخاذ موقف واحد موحد منسجم وخلفيتها الوطنية القومية ذات الأبعاد التحررية الكفاحية من خلال المعادلة الفعلية للصراع في المنطقة والتي بالضرورة أنها الحاكمة لمسار الفعل العام بكافة تفرعاته وأدواته ووسائله...

كثيرة هي الأقاويل والطروحات وما تسمى بالاجتهادات التي تعج في ساحات «فتح» على امتداد تواجدها بمختلف أنحاء المعمورة. وقد يقال الكثير من الكلام وحلوه قبل أن يعرف الشعب الفلسطيني حقيقة ما يحدث في حركة « فتح». وحقيقة الأمر أن ثمة مؤامرة نشهد فصولها بالظرف الراهن تستهدف جذوة فتح، حيث العمل وبمختلف الأساليب والوسائل لطمس ما حافظت عليه الحركة طوال أكثر من أربعة عقود رغم المؤامرات والانشقاقات.

إن الواقع الذي تشهده «فتح» من خلال حدة الصراع الداخلي ما بين مختلف التيارات القيادية وامتداداتها لتؤشر وتدلل على أن هذه الحركة والتي لطالما كانت الرقم الذي لا يقبل القسمة والتقسيم قد باتت في مهب الريح، حيث نشهد حاليًا ما هو أخطر من القسمة والتقسيم، بل إنها قد أصبحت رقما قابلا للقسمة والطرح والضرب بكل ما يخطر في البال، وطيرا جريحاً يرفرف ودمه ينزف في السماء، ويبحث عن غصن يقف عليه، والجميع من أبناء الحركة يطلقون النار لقتل الطير الفلسطيني قبل أن يجد الشجرة التي يجعل منها قاعدة للإصلاح ولإعادة استنهاض الذات...

إن المناخ السياسي المحيط بالمسألة الفلسطينية وبالتالي بحركة «فتح» يتسم بضغوط دولية على الشعب الفلسطيني نتيجة متغيرات الخارطة السياسية الوجودية على الساحة الفلسطينية... والسؤال الذي يطرح مرارا وتكراراً ما هو مستقبل حركة فتح نتيجة انقساماتها وصراعاتها الداخلية وأزمة القيادة وأزمة الرؤية إضافة إلى هزيمتها على أكثر من صعيد ومستوى... ليس آخرها انتخابات المجلس التشريعي ؟وأين هي هذه الحركة الآن في ظل تغييبها عن مختلف مناحي الحياة العامة المتصلة بالقضية الفلسطينية ؟؟؟ حيث أصبح التعاطي معها وكأنها مجموعة من الأفراد والتيارات من الممكن أن التعامل مع متناثراتها كما يحدث الآن من قبل رئيس الوزراء الفلسطيني المكلف لتشكيل الحكومة العتيدة، وهل هي شرائح اجتماعية متناثرة أم تنظيم لجسم هلامي أم مؤسسة حقيقية ولكنها لم تنهض من « الهزيمة»؟.

يمكن القول إن هناك أزمة قيادة في حركة فتح، ومن الممكن اعتبار أن رأس الهرم الفتحاوي لديه قناعاته الخاصة به، وهذا من حقه إلا أنه وبذات الوقت قد خاض المعترك السياسي من خلال فتح وباسم فتح، وبالتالي لا بد من الالتزام بما تمثله هذه الحركة أولا بعيدا عن القناعات الشخصية والخاصة، ومن الممكن اعتبار أن رأس الحركة الآن ليس محاربا أي ليس قائداً ولا زعيما ولا محررا، وان كانت قوانين مرحلة التحرر الوطني تفرض ذاتها بشكل أو بآخر، وأمام كل هذا أين حركة فتح من رأس هرمها ومن قيادتها...؟؟

هناك شخصيات يمكن تسميتهم بـ«الكرادلة" في حركة «فتح»، وهم ممن يعيشون على ذكريات الثورة وانتصاراتها ولهم مواقعهم في النظام السياسي التي صنعته حركة فتح تاريخيا، والذين يأبون اليوم الترجل عن مثل هكذا مواقع بصرف النظر عن الحق والأحقية.

مرة أخرى ندور بالحلقة المفرغة وكما تدور الساقية دون أي مبرر لدورانها ليجد الكادر الفتحاوي ذاته أمام معضلة السؤال دون إجابات قد تكون مقنعة أو شافية او حاملة لبعض من الحلو، حيث مرة أخرى وبلحظات الصدق مع الذات نباشر بطرح السؤال ما الذي يحدث الآن في فتح وما هو المستقبل؟ وهل هي أزمة قيادة مزمنة كما حدث «للقادة التاريخيين أو المؤسسين» في ثورات أخرى أم أزمة شرعية داخل هيكلية المؤسسة أو الحركة أم أزمة رؤية مستقبل المشروع الوطني؟.

ما الذي نستطيع استقراءه في ظل هذه الوقائع؟؟ هل هي المؤامرة على فتح؟ أم ساعة الحقيقة المرة لتأبين حركة فتح وإنهاء دورها وإحلالها وإحالتها إلى مجرد حالة تعبر عن المشاريع العابرة للدول بالظرف الراهن؟ وهل هناك نخبة جديدة في طور التشكيل وتبحث عن «برنامج» أم عن «قيادة» أو تقبل أن تكون «شيكا» صغيرا مع القوى الصاعدة بالظرف الراهن بصرف النظر عن تموضعها وفكرها وأيديولوجيتها؟.

اعترف أن الأسئلة كثيرة ولا تنتهي، إلا أنها تتطلب الإجابات التي من شأنها وضع النقاط على الحروف ورسم الخارطة الفعلية للواقع الفتحاوي وبالتالي للواقع الفلسطيني برمته، وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها نقول إن القضية الأساسية الآن والتي تشكل محور الجذب والاهتمام الفعلي بداخل حركة فتح بل إنها تشكل النقطة الجوهرية في حالة الترقب التي تعيشها الساحة الفلسطينية والإقليمية، ولا نبالغ إذا ما قلنا الدولية، تتمثل بمسألة انعقاد المؤتمر العام السادس لحركة فتح والذي أصبح قرار انعقاده وزمانه ومكانه محل صراع شديد بين مختلف المناهج السياسية وتصارع المحاور الإقليمية التي عملت وما زالت تعمل على أن يصبح لها موطئ قدم بالشأن الفتحاوي على وجه التحديد، بل إنها تتصارع لأن تؤثر بحركة فتح من خلال وجودها الفعلي والعملي على مستديرة قيادة الحركة وهو ما لا يخفى على أحد حاليا.

وفي ظل هذه الفسيفساء الفتحاوية التي لطالما كانت مصدرا من مصادر قوة فتح حيث التنوع المبني على أساس البرامج الواحدة والالتزام بالأطر القيادية وما تنتجه من حالات فكرية وسياسية على قاعدة العمل النضالي الكفاحي التحرري، وأن البنادق كل البنادق نحو العدو الأساس والرئيس، هذه الفسيفساء التي صارت تهدد مشروع فتح ذاته حيث ما عدنا بالمطلق نستطيع التحدث الآن عن فتح كحركة واحدة موحدة لها قاعدة برامجية متفق عليها، بل إننا لا نستطيع القول الآن إن فتح اليوم هي ذاتها فتح التي نعرف ونعلم، بات من المطلوب حاليا هو إعادة بناء الفكرة الجامعة والاتفاق على برنامج وخط سياسي واضح بترابط مع ضبط الهياكل وإحداث تغيير في العقليات وطرق التفكير والذي لن يتم إلا بتغيير الأشخاص في واقع الحركة.

وعلى هذا الأساس أرى أن فتح أمام ثلاثة احتمالات؛ الأول هو أن ينخفض مستوى الاستقطاب داخل الحركة بمعنى أن يتقابل المختلفون ولا يديرون الظهور لبعضهم البعض فيعيدون بناء وتنشيط الجسد سواء من خلال مؤسسة المؤتمر العام وهو الأولوية، وهو الاحتمال الذي أرى أنه معقد الآن وبهذه المرحلة بالتحديد. أما الاحتمال الثاني فهو أن تفشل محاولات التغيير والإصلاح وتظل فتح في حالتها الهلامية منزلقة باتجاه الهاوية. أما الاحتمال الثالث فهو أن تختطف مجموعة من الحركة قلب الحركة، وتسير بفتح وبالتالي بالمشروع الوطني نحو المجهول والمراهنة.
ولكن السؤال يكمن بطبيعة وشكل هذه المجموعة وبأي الاتجاهات ستسير؟؟

التعليقات