31/10/2010 - 11:02

حزب اللّه بعد أحداث أيّار وضرورة ترميم الصورة../ فرج الأعور*

حزب اللّه بعد أحداث أيّار وضرورة ترميم الصورة../ فرج الأعور*
كانت أحداث أيّار الماضي في بيروت والجبل، وما تبعها من أحداث ومجازر في الشمال، أحداثاً مكلفة جداً على حزب الله من نواحٍ عدّة. فقد كسر الحزب القاعدة القائلة بتحريم الانخراط في أي مواجهة مسلّحة مع أي فريق في الداخل. صحيح أنّ هذه الأحداث أدّت في المحصّلة إلى إنهاء الجمود الداخلي الناجم عن لعبة عضّ الأصابع التي طالت وأنهكت الناس حتى القرف. ولكن المؤسف أنّ الحزب لم يتمكّن من كسر هذا الجمود إلّا بكسر القاعدة المذكورة والقفز فوق الحدّ الفاصل ما بين السلم الأهلي (بالرغم من كلّ ما يمكن أن يقال عن هشاشة هذا السلم) والحرب الأهلية.

ويبدو أنّ فريق الرابع عشر من آذار أصرّ على عدم إتاحة فرصة الخروج من حالة الجمود الطويلة إلا بعد وصم حزب الله بوصمة الاقتتال الداخلي مع الطوائف اللبنانية الأخرى والبرهنة بالملموس أنّ الحزب هو فزّاعة حقيقية لهذه الطوائف وليس فقط فزاعة افتراضية كما كان قبل أحداث أيار.

ويجب الاعتراف هنا بنجاح الفريق المذكور في هذا الأمر نجاحاً تاماً، وذلك بواسطة بعض دهاقنة السياسة من قياديّيه الذين عرفوا منذ اندلاع المواجهة الداخلية بعد حرب تموز، كيف يخفّفون الضغط حيناً، ويضغطون أحياناً وبشكل مثابر ومتواصل حتى وصل الأمر بحزب اللّه إلى حدّ الانفجار والنزول إلى الأرض لاحتلال بيروت وبعض المناطق.

والواقع أنّ هذا الأمر أرعب الطوائف الأخرى رعباً حقيقياً، وأوصل الاحتقان الطائفي والمذهبي في البلد إلى ذروته. ولم تنجح محاولة استعمال بعض القوى المعارضة من داخل هذه الطوائف في التخفيف من هذا الرعب على الإطلاق، حتّى قيل إنّه في منطقة الشويفات مثلاً أدّى هذا الرعب والاحتقان ببعض القوميين السوريين والإرسلانيين إلى القتال إلى جانب الاشتراكيين في مواجهة «الهجوم الشيعي».

وتحوّلت صورة حزب الله الأساسية في أذهان أبناء الطوائف الأخرى من صورة المقاومة الصامدة بوجه إسرائيل إلى صورة القوّة الكامنة التي يمكنها أن تنقضّ على الطوائف الأخرى في أي حين.

وغنيّ عن القول إنّ حماية المقاومة تتطلّب من حزب الله بذل الجهد والعمل على تغيير هذه الصورة السيئة لدى الطوائف الأخرى. ويمكن القول إنّ لدى الحزب وعياً جيداً لهذا الأمر، وهو يحاول العمل عليه منذ انتهاء الأحداث، وخاصّةً منذ مؤتمر الدوحة.

وقد قام الحزب بخطوات عدّة في هذا الاتجاه. لكن بعض هذه الخطوات كانت موفّقة، فيما كانت بعض الخطوات الأخرى غير موفقة على الإطلاق. فقد كان الموقف الواضح من المقاومة العراقية الذي أعلنه السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، موقفاً شديد الأهمية (حتى ولو جاء متأخراً) أراح حزب الله من نقطة ضعف خطيرة جداً، ليس فقط تجاه الرأي العام اللبناني بل أيضاً تجاه الرأي العام العربي، لازمته منذ احتلال العراق.

لكنّ الحزب قام بخطوات أخرى بدا من خلالها كأنه يحاول استرضاء الطوائف الأخرى من خلال استرضاء «أحزابها الحاكمة». وقد كان مثلاً «تقديم رأس» أسامة سعد على طبق من فضة لآل الحريري ضمن صفقة قانون الـ1960 للانتخابات، من دون أي محاولة لضمّ صيدا إلى قضائها بالرغم من كل المساومات والقصّ واللصق في دوائر بيروت، مثالاً فاقعاً على محاولات الاسترضاء هذه.

ويبدو للأسف الشديد أنّ حزب الله لم يتعلّم من فشل جميع الخطوات المشابهة التي قام بها في السابق، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

فالمطلوب أولاً وقبل أيّ شيء آخر، لتغيير صورة حزب الله لدى الطوائف اللبنانية الأخرى ولدى الرأي العام اللبناني بشكل عام، الاعتراف الحقيقي بالمسؤولية الأخلاقية تجاه جميع ضحايا الأحداث الأخيرة كائنة ما كانت الطوائف أو الجهات التي ينتمون إليها. فالواجب الأخلاقي يقتضي من الحزب إذا ما أراد أن يميّز نفسه فعلاً عن ميليشيات الحرب الأهلية القذرة (التي خلّفت سبعة عشر ألف مفقود من ضحاياها في المقابر الجماعية المخبّأة تحت الساحات والأوتوسترادات)، أن «يؤنسن» جميع هؤلاء الضحايا ويتعامل معهم كبشر لا كأرقام، وأن يمتنع عن تقسيمهم إلى «شهداء» و«غير شهداء». والمطلوب بالتالي من الحزب أن يقدّم اعتذاراً شخصياً وعلنياً للضحايا وأهاليهم (لا إلى طوائفهم وزعمائها).

إنّ استحداث حزب الله لسابقة كهذه في التعامل مع ضحايا أحداث عسكرية كانت له اليد الطولى فيها، هو أمر ضروري للبرهان على احترام الحزب لحياة اللبنانيّين جميعاً، ولأي طائفة انتموا، تماماً كما برهن على احترامه لحياة جمهوره «المباشر» (مذهبياً) أثناء حرب تموز وبعدها.
والمطلوب ثانياً من حزب الله، أن يعيد القفز بالبلد من ضفّة الحرب الأهليّة إلى ضفّة السلم الأهلي وبشكل فوري وحقيقي. فمفردات الحرب الأهلية من «اشتعال المحاور» بين المدن والأحياء المتقابلة إلى «الخطط الأمنية» إلى «نزع الغطاء عن العابثين بالأمن» إلى «عودة الأهالي إلى منازلهم وأعمالهم»... ما زالت تُستعمل يومياً لوصف الأمور منذ اندلاع الأحداث في السابع من أيار.

ويبدو واضحاً أنّ هناك خطراً حقيقياً من استدامة الحرب الأهليّة «الخفيفة» الدائرة حالياً بما يذكِّر بحال بيروت الغربية في منتصف الثمانينات عندما كانت تندلع المعارك يومياً بين مختلف التنظيمات بسبب «إشكالات فردية» لأتفه الأسباب.
من هنا، فإنّ مسؤولية حزب الله كبيرة جداً في إعادة العمل بتحريم الاقتتال الأهلي في البلد، وفي الإثبات القاطع للبنانيين بأن ما حدث في أيار الفائت هو أمر معزول اضطر الحزب إلى اللجوء خلاله إلى العنف اضطراراً وأنه حدث «لمرة واحدة وأخيرة» فعلاً.

ولذلك، على الحزب خلق الظروف التي تجعل هذه الأحداث غير قابلة للتكرار في المستقبل. والخطوة الأولى في هذا المجال هي مبادرة الحزب إلى استعادة الأسلحة التي وزّعها على حلفائه في المعارضة، وخاصّة أنّ استعمال هؤلاء الحلفاء كغطاء في الأحداث الأخيرة لم يكن له نتيجة تُذكَر في التخفيف من البعد المذهبي البشع لهذه الأحداث.

ويمكن أن نخصّ بالذكر هنا بعض المجموعات المستحدثة داخل مختلف الطوائف من «سرايا» و«هيئات للعمل المقاوم» إلى ما هنالك من مجموعات عمد الحزب، للأسف، إلى التعاون من أجل إنشائها مع رموز تذكّر بممارسات الفساد وبمختلف أجهزة الاستخبارات التي مرّت على البلد منذ بداية الحرب الأهلية عام 1975.

وبناءً على هذه المبادرة، وبعد سحب السلاح فعلياً من أيدي حلفائه، يستطيع الحزب ساعتئذٍ أن ينسّق تنسيقاً حقيقياً مع الجيش اللبناني كي يفرض الأمن والنظام فرضاً، ويعيد بالتالي الانتقال بالبلاد إلى حالة السلم الأهلي.
إنّ مبادرة كهذه، قادرة على تحويل حزب الله من فزّاعة للطوائف اللبنانية إلى ضامن داخلي للسلم الأهلي في لبنان يلغي الحاجة إلى وجود ضامن خارجي لهذا السلم.

أما بالنسبة إلى ممارسة السياسة في البلد، فالمطلوب فعلاً لتغيير صورة حزب الله لدى أبناء الطوائف الأخرى، التصرف بالطريقة نفسها التي تصرف الحزب بها تجاه موضوع المقاومة العراقية، أي أنّ الحزب، كما توجّه بالنسبة إلى هذا الموضوع إلى الرأي العام العربي مباشرة لا من خلال أنظمته الرسمية، مُطالَب اليوم بالتوجّه إلى المواطنين اللبنانيين مباشرة من دون المرور «بقياداتهم الرسمية» من زعماء الطوائف. أي بكلام آخر، على حزب الله التصرف بشكل معاكس تماماً للعرض الذي قدّمه السيد حسن نصر الله إلى تيار «المستقبل» في خطابه الأخير بإعادة العمل بما كان معمولاً به في السابق من «تقسيم للمهمات» وترك الحرية للسنيورة في الملف الاقتصادي، على أن تترك المقاومة وشأنها.

فعلى عكس هذا الأمر تماماً، المطلوب من حزب الله لتغيير صورته المستجدة في أذهان الناس، هو انخراطه بالدفاع عن المواطن اللبناني وحقوقه، وذلك من خلال الملف الاقتصادي بالذات وإعطاء البرهان القاطع لهذا المواطن، وإلى أي طائفة انتمى، لعلّ هذا الأمر من خلال العمل الدؤوب، يدفع إلى اتّباع الحكومة سياسة اقتصادية مبنيّة على العدالة الاجتماعية.

وأخيراً، لا بدّ من التمنّي بأن يتحلى الحزب على الصعيد الداخلي بالمقدار نفسه من العقلانية التي مكّنته من الوقوف بوجه إسرائيل، فيمكن المرء عندئذٍ أن يطمئنّ إلى تمكّن الحزب من تحقيق المطالب المذكورة أعلاه، وهي مطالب ضرورية ليس فقط لإعادة ترميم صورته وصورة المقاومة عند مختلف الطوائف اللبنانية، بل أيضاً لإعادة التوازن إلى الخريطة الطائفية في البلد.

والكلّ يعلم بأنّ هذا التوازن قد اختل اختلالاً شديداً بسبب شعور طائفة بأكملها بالهزيمة والمرارة مما حدث في شوارع بيروت. وقد ثبت منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، أنّ اختلال التوازن هذا يؤدي دائماً إلى خيارات خطيرة في علاقات الطوائف المعنية مع الداخل والخارج على حدّ سواء. من هنا نجد أنّ على حزب الله العمل على إعادة التوازن المفقود، وذلك من أجل حماية ظهر المقاومة الذي يجب أن يُعطى الأولوية القصوى حتى لو أتى على حساب الوضعية الطائفية للحزب على الصعيد الداخلي.
"الأخبار"

التعليقات