31/10/2010 - 11:02

حزب اللّه والكيان الصهيوني: لمصلحة من عناصر التفوّق؟../ رأفت مرة*

حزب اللّه والكيان الصهيوني: لمصلحة من عناصر التفوّق؟../ رأفت مرة*
عند إجراء مقارنة موضوعية، وفقاً لمعايير علمية متعارف عليها ومنهج بحثي، بين الكيان الصهيوني وحزب الله، ستكون النتيجة محسومة سلفاً لمصلحة الأول. فبلغة الأرقام الجامدة والمعطيات المحددة، يتفوّق الكيان الصهيوني على حزب الله في نقاط كثيرة، منها مساحة الأرض والتعداد البشري وحرية الحركة وعديد القوات العسكرية ومستوى تسليحها وقدرات التصنيع المدني والعسكري (قطاع Hi Tec مثلاً)، والموازنة السنوية والإنفاق الحربي والقدرة على استجلاب الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي، والماكينة الإعلامية المساندة، والدعم الخارجي الدائم.

لكن رغم هذا التمايز والإمكانات الهائلة للكيان الصهيوني، فإن موازين القوى الفعلية والواقعية تصبّ في مصلحة حزب الله، وتميل المعطيات إلى جانب قدرات حزب الله البسيطة قياساً على ما لدى العدو من إمكانات وقدرات مادية.
واستطاع حزب الله على الأقل منذ عدوان نيسان / أبريل 1996 المعروف باسم «عناقيد الغضب»، أن يسجل انتصارات على الكيان الصهيوني، وأن يتقدم عليه بالنقاط في أكثر من مساجلة، إن لم نقل بالضربة القاضية.

ويكمن تفوّق حزب الله على الكيان الصهيوني في نقاط عدة أهمها أربع:

ـ السرية: فحزب الله يولي مسألة السرية اهتماماً خاصاً، والحزب يحرص وهو يخوض معركته مع الاحتلال على التكتم على تحركاته ونشاطاته. فلا أحد يعرف شيئاً عن قوة حزب الله الحقيقية، ولا تعداد عناصره، ولا قدراته التسليحية، ولا أماكن انتشار قواته أو تمركزها، ولا خططه، ولا أماكن التصنيع والتخزين العسكري، ولا طرق إمداده. ولا أحد يعلم أيضاً الآليات التي يستخدمها في شراء عتاده العسكري وشحنه ونقله، والوضع نفسه ينطبق على غرف القيادة والتحكم والسيطرة والمعلومات، وأماكن إقامة القيادة وتنقّلها. ويُعدّ حزب الله دائرة أمنية مغلقة، فالمعلومات توزع بقرار، وهرم القيادة متعدد ومتداخل، وآلية صنع القرار تراتبية، والتركيبة الهرمية تخفي خلفها أسراراً كثيرة. قاعدة السرية هذه أعطت أهم مفاعليها عند أسر حزب الله جنديين صهيونيين في 14 تموز / يوليو 2006، حيث جاءت العملية مفاجئة وناجحة، لكن أهم ما فيها هو أن مكان الجنديين ومصيرهما ظلا مجهولين، وهو ما أفشل مباشرةً الهدف الذي وضعه رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت لعدوانه، أي تحرير جندييه. فكيف سينجح العدوان إذا كان الهدف الأساسي له مجهولاً؟

ـ الثقة: تتمع قيادة حزب الله بثقة عناصرها وجمهورها ومؤيديها. هذه الثقة التي تتجاوز إطار الولاء والقناعة، وتختلف عمّا يحلو للبعض أن يسميه «الحزب الحديدي»، فصفة «الحديدية» أضعف من عامل «الثقة» بكثير، و«الثقة» أهم وأقوى من الإجراءات الإدارية والأوامر المتشددة والتدابير القاسية التي تضعف مع طول المدة أو ضعف الرقابة.
وهذه الثقة تظهر من خلال القناعة وحجم التأييد والدعم، وأيضاً من خلال حجم العطاء والتضحية الذي يقدّمه مجتمع حزب الله للحزب ولمشروعه.

والثقة واضحة في المشروع وأهدافه، وفي قيادة هذا المشروع، وتطورت ثقة حزب الله بعناصره وجمهوره حتى وصلت إلى مرتبة «الشراكة»، وهو مستوى سياسي وإداري ونفسي واجتماعي مهم، نادراً ما يحصل داخل الأنظمة السياسية، وهو مبدأ معاكس ومناقض تماماً لمبدأ المحاصصة أو النفعية أو الاستغلال الذي انتهجته أحزاب أخرى.

وفي الوقت الذي يرتفع فيه مستوى الثقة عند حزب الله، نلاحظ تراجعاً وانعدام ثقة داخل المجتمع الصهيوني.
فالأحزاب السياسية الإسرائيلية متصارعة، والطبقة السياسية فاسدة، والزعماء الصهاينة يطعن بعضهم بعضاً بالخناجر.

فنادراً ما نسمع انتقاداً لقيادة حزب الله أو لسلوكه السياسي أو لأعماله العسكرية من داخل صفّه أو طائفته، فيما نسمع انتقاداً قاسياً لرئيس الوزراء الصهيوني وتهجماً شرساً على وزير الدفاع الصهيوني، وهجاءً مريراً لأداء الجيش الصهيوني وكبار قادته.

فتقرير «لجنة فينوغراد» هزّ الكيان الصهيوني، وتقارير لجان التحقيق العسكرية فضحت أخطاء الجيش، غير أن أهم الفضائح كانت القصص والأخبار والروايات التي نقلها جنود الاحتلال عن أيام الحرب، والتي عُدّت فضيحة للاحتلال، نظراً لاحتوائها على شهادات تُظهر الخوف والرعب والهزيمة والفشل، بينما لم ينقل عن عناصر حزب الله سوى شهادات تُظهر التضحية والعزيمة والثبات والتحمّل.

في مسألة الثقة داخل إسرائيل اقرأ المعطيات التالية عن الكيان الصهيوني:

أظهر مقياس الديموقراطية السنوي الذي أعده «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» أن معدل الثقة الجماهيرية برئيس الوزراء هبط من 34% في عام 2006 إلى 21% فقط عام 2007، وصولاً إلى 3% في 2008!

كما أن الثقة برئاسة الدولة انخفضت بصورة جوهرية للغاية من 67% إلى 22% فقط، أما الثقة في الشرطة فانخفضت بنسبة 3%، كذلك الثقة في الجيش الإسرائيلي انخفضت بنسبة 5%.

وبالنسبة لرأي الجمهور الإسرائيلي في الأوضاع المجتمعية، فإن 79% قلقون من وضع الدولة، و75% يعتقدون أن في (إسرائيل) فساداً على مستوى واسع للغاية. ومن ناحية أخرى، فإن 76% يفتخرون بكونهم مواطني دولة إسرائيل، أما الغالبية العظمى من الجمهور الإسرائيلي فتعرب عن عدم ثقتها في القيادة السياسية.

ـ الإدارة: يمتلك حزب الله مجموعة من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والصحية والتنموية، التي تعمل إلى جانب الأجهزة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية.
استطاع حزب الله إدارة هذه المؤسسات بنجاح في عملية تنسيق وتكامل مع مشروعه وأهدافه. ويسيطر الحزب على مؤسساته وأذرع العمل لديها، ويتحكم بأدوات العمل الجماهيري ضمن السياق العام المنسجم مع الأهداف العليا، لتصبّ كل الجهود في مكان واحد.

والملاحظ أن الأجهزة الاجتماعية للحزب تعمل بوتيرة أجهزته العسكرية والسياسية نفسها، وبالنجاح نفسه، وبرز هذا الأمر بوضوح أثناء عدوان 2006 وبعده، حيث استطاعت هذه المؤسسات إنجاز عمليات إحصاء الخسائر وتقويم الأضرار ودفع التعويضات وإزالة الردميات والركام خلال فترة وجيزة، مع كل ما نفّذ في قلب العدوان من عمليات إغاثة واستيعاب للنازحين. وهو ما أنتج مكاسب شعبية مضاعفة للحزب. في المقابل، تبرز إشكالية كبيرة داخل الكيان الصهيوني في مسألة الإدارة والتنسيق والتحكم. فالحكومة الصهيونية عاجزة عن إيجاد توليفة ناجحة بين أجهزتها السياسية والأمنية والخدماتية، والحلول التي وُضعت بعد عدوان تموز وُصفت إسرائيلياً بأنها هزيلة، لدرجة قيام مسؤول إسرائيلي قبل أسابيع بوصف لجنة إدارة الجبهة الداخلية التي أُلّفت حديثاً لمواجهة الحرب المقبلة بأنها «عقّدت الأمور ولم تحلّها».

ـ الإعلام: يتفوق حزب الله على إسرائيل في استخدام الإعلام وتوظيفه، فتصريحات مسؤولي حزب الله محدودة ومقيدة، وأحياناً يتوقف مسؤولو حزب الله بقرار عن الإدلاء بأحاديث صحافية.

ولا يمكن نقل معلومة أو صورة أو موقف إلا بعد الحصول على إذن من الجهات المعنية في الحالات الخاصة. كما أن مسألة التعبئة التي تمارسها وسائل إعلام الحزب أثبتت نجاحها، بالتوازي مع نجاح مسألة الحرب النفسية الموجهة للجمهور الصهيوني.

نجاح حزب الله في توظيف الإعلام لخدمة مشروعه تبرز في جوانب عدة، لكن أهمها ما أعلنه الصهاينة عن أن معلوماتهم الحقيقية عن مجريات الحرب أثناء عدوان تموز / يوليو 2006 كانوا يأخذونها نقلاً عن وسائل إعلام حزب الله وعن الأمين العام للحزب حسن نصر الله.

هذه العناصر الأربعة تلتقي جميعاً عند محطة واحدة اسمها الدوافع أو الحافزية للمواجهة، وهي سمة خاصة تحتاج إلى وقفة مستقلة، لأنها تنطلق من منطلقات دينية وثقافية مهمة، وهي إضافة إلى ما ذكرناه عن العناصر الأربعة، تمثّل أهم مقوّمات صمود المقاومة في لبنان ونجاحها.
"الأخبار"

التعليقات