31/10/2010 - 11:02

حــــوار آخر../ عوض عبد الفتاح

حــــوار آخر../  عوض عبد الفتاح

عند المنعطفات يصبح الحوار مطلوباً أكثر من الأوقات العادية، وقد تكون المرحلة الحالية نوعية في خطورتها ربما غير مسبوقة، وبالتالي فإن الحوار المطلوب يجب أن يكون نوعياً في مضمونه ومقاصده، ومجاوزاً لما شهدته الساحة في فترات سابقة. ويمكن المجازفة والقول إن الساحة العربية السياسية في الداخل وأقصد على مستوى القوى السياسية، لم تشهد يوماً حواراً حقيقياً يتناول الإستراتيجيات والرؤى والمنهج. وظلت قضايا جوهرية نُعاني منها كل لحظة، مثل الطائفية والعنف والإنتهازية السياسية، بمنأى عن المعالجة الصريحة. أما مواجهة السياسة السلطوية المعادية والعنصرية ضد المواطنين العرب، والسياسة الكولونيالية وسياسة النفي ضد بقية الشعب الفلسطيني، فقد جرى تناولها في إطار لجنة المتابعة الآخذة بالتلاشي على مستوى الموقف وليس فقط على مستوى الممارسة.

ما يجري الآن في مواجهة السلطة، هو اجتهادات حزبية، وجمعياتية، ومبادرات من أطر ذات تأثير محدود هنا وهناك. هناك حركة وعمل دائمان وهو أمر مهم ولكنه مُبعثر وغير منظم على مستوى العرب ككل. قد يكون عملاً منظماً في الأطر العديدة، ولكن يتم التعامل مع هذا العمل وكأنه أجندة خاصة بكل إطار على حدة. كل ذلك له فائدة رغم سلبياته الكثيرة لكن لا يستطيع أحد أن يدعي أن هذا العمل سيؤدي من تلقاء نفسه الى الهدف الأعلى للجماهير العربية لأن التكامل المبرمج مفقود. وما هو هذا الهدف الأعلى؟ هل نحن جميعاً متفقون عليه؟ ومن ثم هل نحن متفقون على المنهج وعلى الآليات وعلى الطريق الذي نستطيع الوصول به اليه؟

خضنا نقاشات عسيرة على مدار أكثر من ثماني سنوات داخل لجنة المتابعة، شاركت فيها غالبية مركبات اللجنة. كانت هناك إنجازات نظرية متقدمة لكيفية بناء مؤسساتنا التمثيلية، وكان التجمع من أوائل المبادرين لهذا التجديد النظري في الحقل السياسي الخاص بواقع العرب. لكن يبدو أن صدمة التعرض للجديد فجأة أربكت البعض وأبطأت حركته وشلتّ قدرته على التقدم في الساحة النظرية، وإن كان ذلك لم يعق حركته السياسية ضد المظالم ولكن وفق الرؤى القديمة غير المتجددة.

للموضوعية، يجب أن نسجل أن القوى السياسية الرئيسية واصلت نشاطها، وإن بتفاوت وبوتيرة أقل من السابق. بعد الضربات المتلاحقة التي وجهتها المؤسسة الإسرائيلية بيمينها ويسارها الى المواطنين العرب، وبعد القوانين والممارسات العنصرية والعدائية، وضد القيادات الحزبية - الإعتقالات والمحاكم والتهديد بإخراج أحزاب عن القانون، والتضييق على حرية الحركة والتعبير في الاونة الاخيرة، يصبح لزاماً علينا الإتيان الى موضوع العلاقة بصورة مختلفة. يُفترض أن المنعطفات رغم خطورتها تخلق فرصاً أفضل للتعاون والإستماع والإصغاء الى بعض. لا يوجد هناك ضمان لذلك. لأن المسألة ليست مرهونة بطرف واحد. بل بجميع الأطراف. أي الى أي مدى مستعد كل طرف أن يزيح عن ظهره رواسب ومخلفات الحقبة السابقة.

حتى لا يكون الحوار مجرد طقس من الطقوس لا بد من أن تحدد أهداف الحوار وأهداف التعاون ولا بدّ أن تكون هناك صراحة.
لدينا مجموعة من القضايا الحارقة:

القضية الأولى وهي ذات بعد استراتيجي بالنسبة للعرب، إعادة بناء لجنة المتابعة. لا بدّ من الوصول الى صيغة تؤهلنا للإنتقال بهذه اللجنة الى قيادة وطنية عربية حقيقية تصبح مرجعية لعرب الداخل. إعادة البناء تشمل الجانب التنظيمي والجانب السياسي المتعلق بموقعنا وعلاقتنا كعرب مع الدولة العبرية، مع الحركة الوطنية الفلسطينة ومع الأمة العربية.

القضية الثانية: مواجهة الأحزاب الصهيونية، سواء في الساحة العربية، أو داخل لجنة المتابعة.

القضية الثالثة: الإتفاق على خطة عمل لمواجهة مخططات هدم البيوت، ومصادرة الأرض، والخدمة الوطنية (الصهيونية) والتجنيد والتجنّد الى صفوف جيش الإحتلال الإسرائيلي، وخطة تهويد النقب والجليل، وكل أشكال التمييز والقهر.

القضية الرابعة: العمل على التخلص من الإنتهازية السياسية وظاهرة البحث عن الكراسي بكل ثمن، وهي الظاهرة التي أبعدت الكثيرين عن الأحزاب السياسية.

القضية الخامسة: التعامل باحترام وبأسلوب حضاري ليس فقط مع التعددية السياسية بل مع التعددية الفكرية، عبر النقاش الحرّ الملتزم بآداب النقاش.

القضية السادسة: مواجهة العصبية الطائفية والعائلية وتعميم قواسم اللغة والتاريخ والحياة المشتركة بين جميع أبناء الشعب الواحد.

ليس التوصل الى تفاهم حقيقي حول جميع هذه القضايا حلاً سحرياً وفورياً لكل مشاكلنا. إنّما يوفّر الأدوات الحقيقية لتجديد حركتنا السياسية داخل الخط الأخضر ويفتح آفاقاً حقيقية لشعبنا ولأجياله الشابة للمضيّ قدماً نحو أهدافنا الوطنية والديمقراطية. ببساطة هي عملية بناء أمة، وإن كنا نعرف ان بناء أمة (منظمة)يحتاج الى شروط ومقدمات أخرى، أهمها - الإعتماد على الذات في المسألة المادية - الإنتاجية.

التعليقات