31/10/2010 - 11:02

حقوق الفلسطينيّين في لبنان: دوّامة التوطين والعنصريّة../ دياب أبو جهجه*

حقوق الفلسطينيّين في لبنان: دوّامة التوطين والعنصريّة../ دياب أبو جهجه*
تدخل القضية الفلسطينية العام المقبل عامها الستين منذ نكبة 1948، والوضع الفلسطيني يشهد أشدّ حالة انقسام في تاريخه سواء في الداخل أو في الشتات. وعلى عتبة المؤتمر الخريفي المزمَع عقده والذي سيكون من دون شكّ، حلقة جديدة من مسلسل التجاذب والمراوحة الذي يُخرجه الاميركيون موسمياً، وهمّهم الأوحد فيه مصلحة الكيان الصهيوني والأنظمة العربية المتحالفة معه موضوعياً، وهو سيسفر إمّا عن مراوحة المكان أو عن تدهور وانهيار جديد لسقف الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني.

بات هذا السقف اليوم في الحضيض، بحيث أنّ تنازلات أوسلو أصبحت تبدو وكأنها حلم وردي بعيد المنال. ومن دون الدخول في تحميل المسؤوليات، فإنّ ما يعنينا هنا هو طرح سؤال يتعلق بالالتزام بالقضية الفلسطينية اليوم والدفاع عنها في لبنان تحديداً.

لا شك بأن الوضع الفلسطيني في لبنان هو وضع في منتهى الحساسية، وذلك يعود إلى ظروف تاريخية تتعلق بالحرب الأهلية اللبنانية ونشأتها والدور الذي لعبته الفصائل الفلسطينية في تلك الحرب، بما في ذلك الهيمنة الفلسطينية على قسم كبير من لبنان والاستبداد الذي مُورِس ضد بعض الفئات اللبنانية من قبل نظام «الأبوات» الفاسد و البعيد كل البعد عن أي فعل مقاوم حقيقي.

ونحن لا نعني هنا الدور الفلسطيني الناشط في قتال القوى الانعزالية والفاشية اللبنانية خلال حرب السنتين، إنّما نعني تحديداً تحوّل المقاومة الفلسطينية في الفترة اللاحقة لحرب السنتين، إلى سلطة كانتونية فاسدة والقمع الذي مارسته ضد شرائح لبنانية عديدة لا هي انعزالية ولا فاشية.

ولكن لا بد لنا من أن نذكر أيضاً أن المجازر التي ارتُكبت بحقّ الشعب الفلسطيني في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية، لا تُعدّ ولا تُحصَى، بدءاً من مجزرة تل الزعتر إلى صبرا وشاتيلا وصولاً إلى حرب المخيمات السيئة الذكر. لذلك فإنه من الخطأ اعتبار أنّ الدور السلبي للفصائل الفلسطينية وتحديداً حركة «فتح» خلال فترة ما بعد حرب السنتين يخلق مبرراً مظلومياً فريداً من نوعه للشعب اللبناني لكي ينقم عل شقيقه الفلسطيني، لأنّ ما عاناه الأخير على ايد الميليشيات اللبنانية المختلفة المشارب يفوق بدرجات عديدة ما عاناه اللبنانيون تحت سلطة «فتح». وهم تعاملوا معها كتعاملهم مع أي من السلطات التي اعتادوا تسيير أمورهم في ظلّها، بل والاستفادة منها لمقارعة بعضهم بعضاً.

على كل حال، فإن واقع الامر اليوم في لبنان يكشف عن حالة عنصرية كريهة تهيمن على نظرة معظم اللبنانيين الى الفلسطينيين، وهي تتخطّى الانقسام السياسي لتشكّل قاسماً مشتركاً بين الطوائف المنقسمة حول جميع المسأئل الأخرى تقريباً. ومن بين المؤشّرات المعبرة عن طبيعة المجتمع الطائفي اللبناني، أنّ كراهيته تجاه الآخرين هي سمة عامّة، بينما هو ينقسم حول نفسه على طول الخط تقريباً. هذه الكراهية نجدها عند المسيحيين كما نجدها عند المسلمين ونجدها عند الشيعة كما عند السنة. حتى داخل جمهور المقاومة نفسها، وهو التيار اللبناني الأكثر تشبّثاً بالدفاع عن القضية الفلسطينية، نجد ترسّبات طائفية وعنصرية مخيفة تجاه الشعب الفلسطيني. وقد يكون العامل الطائفي المتخلّف، منطلقاً أساسياً في موقف الشيعة والمسيحيّين من الفلسطينيين إضافة إلى كون هذه الطوائف هي التي عانت أشدّ المعاناة تحت حكم «فتح»، إلا ان كراهية بعض الشرائح من السنة اللبنانيين إزاء الفلسطينيّين، هي من دون شكّ الظاهرة الأكثر اثارة للاستغراب، والتي لا يمكن تفسيرها لا بالطائفية المستشرية ولا بدور الفلسطينيين خلال الحرب، وهم كانوا السيف المسلول للطائفة السنية. إن كراهيّة شرائح واسعة من سنة بيروت وطرابلس وصيدا تجاه الفلسطينيين اليوم، هي نزعة عنصرية الطابع تتداخل مع احتقار طبقي لتولّد أبشع أشكال التمييز وأقساه.

كما أن هذا الكره يجسّد تعزّز الفكر القومي اللبناني كفكر عنصري شوفيني فارغ من أي مضمون حضاري. حيث أن هذا الفكر القومي اللبناني يعجز عن انتاج حسّ مواطنة لبنانية يتخطى الطائفية والمذهبية، ولكنّه ينجح فقط في انتاج كراهية للآخر و نقمة عليه. وبغض النظر عن أن معركة الجيش اللبناني في نهر البارد كانت محقّة وضرورية في مواجهة منظّمة تدميرية المنهج والتوجّه مثل «فتح الاسلام»، غير أنّ الارهاصات العنصرية التي ظهرت ضدّ الشعب الفلسطيني خلال المعركة، (رغم أنّه كان الضحية المزدوجة)، تكشف عن هذه النزعة الشوفينية اللبنانية المرتبطة بالكراهية للفلسطينيين.

جميعنا يذكر المواقف التي أُطلقت داعية ضمنياً إلى تدمير المخيم على رأس سكانه، وهو الذي كان سيحصل لولا تدخل السيد حسن نصرالله وإطلاقه لموقفه الشهير من أن المخيم «خط أحمر»، ما فرض هدنة سمحت للمدنيّين الفلسطينيين بالخروج من المخيم وتجنّب مجزرة حقيقية. ومن ثم حصلت مجزرة البداوي التي لا تزال من دون تحقيق، لتكشف من جديد عن خطورة النزعة العنصرية ذاتها وطابعها «الجينوسيدي».

يتجسّد جوهر القضية الفلسطينية في لبنان اليوم عملياً في نبذ هذه النزعة العنصرية المعادية للفلسطينيّين ومحاربتها. من السهل جداً إطلاق التصريحات حول دعم المقاومة في فلسطين ودعم حق العودة وتحرير فلسطين من النهر الى البحر ومن ثم السكوت عن قتل الفلسطينيين في لبنان والتمييز العنصري ضدهم قانونياً وعملياً. إنّ من له التزام بالقضية الفلسطينية من منطلق عدالتها كقضية انسانية أو من منطلق قومي أو اسلامي أو من منطلق براغماتي، لا بدّ له من أن يتحرك في لبنان لتغيير الوضع المزري الذي يعيشه الفلسطينيون في هذا البلد ولمحاربة النزعة العنصرية التي تؤسّس لهذا الواقع و تُبقيه مستمراً.

ان مصلحة لبنان لا يمكن أن تتحقق من خلال تهميش الفلسطينيين فيه وعزلهم في أحزمة بؤس ستولد حكما نقمة وحقدا مضادين وتتيح المجال لكل مصطاد في الماء العكر بأن يستغل هذا الوضع لأجندته.

المشكلة هنا كما ذكرنا تتخطّى الانقسام السياسي والطائفي اللبناني لتصبح مشكلة لبنانية عامة. هي مشكلة نظام ومشكلة موالاة و معارضة على حدّ سواء. وإن كانت قوى المولاة في لبنان وقواعدها الشعبية اليوم تجسّد اكثر المواقف راديكالية في عدائها للشعب الفلسطيني، إلا ان المعارضة كذلك تلعب دورا سلبيا جدا في هذا الملف. ففي اصرارها على رفض التوطين ومحاربة مشاريعه (وهو اصرار في محله طبعا)، تترك المعارضة مساحة للعنصرية و التمييز وكانهما اجراء ضدّ التوطين. ولا شك في أن التيار الوطني الحر يتحمل مسؤولية إدخال النزعة الشوفينية اللبنانية الى خطاب المعارضة. إن التيار الوطني الحر مطالب اليوم بالتخلي عن خطابه الشوفيني اللبناني وتجاوزه الى خطاب وطني انساني قادر ليس فقط على استيعاب الاخر اللبناني (وهو الانجاز الحضاري الذي حققه التيار بتفاهمه مع حزب الله)، بل كذلك الى استيعاب مسألة الحقوق المدنية الفلسطينية في لبنان.

الديموقراطية الحقيقية هي تلك التي تؤمّن الحماية لأقلياتها وللاجئيها وترفع التهميش والاضطهاد عن الشرائح الضعيفة في المجتمع. إن رفض التوطين كمبرر للعنصرية هو عذر أقبح من ذنب كما ان رفض العنصرية كمبرر للتوطين هو خطر يجب التنبه منه. الحل هو في اعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كامل حقوقهم المدنية ومساواتهم بالمواطنين اللبنانيين بالتوازي مع سياسة صارمة لجهة عدم حصولهم على الجنسية اللبنانية واحتفاظهم بالهوية الفلسطينية. عندما يحصل الفلسطيني على اقامة دائمة تسمح له بالخروج والدخول من لبنان بسهولة ومن دون خسارته لحقه في الاقامة وتسمح له بالعمل في كل المجالات وبالتملك وبالتعليم وبالتعبير عن رأيه، عندها فقط لا يعود عنده مبرر لطلب الجنسية اللبنانية او الطموح الى التوطين.

على القوى الوطنية والاسلامية في لبنان ان تعي هذه المسألة و تتحرك عاجلاً لمعالجة هذه المشكلة وإحقاق الحق. كما عليها ان تنبذ العنصرية من صفوفها وتحارب التوجه العنصري عند قواعدها بحزم كما ينبغي عليها التشديد على أن اي شخص يدعي الدفاع عن القضية الفلسطينية ولا يدافع عن حقوق الفلسطينيين في لبنان هو شخص منافق.
"الأخبار"

التعليقات